الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"داعش" وقتل أولي الأرحام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مرت وسائل الإعلام العالمية والمحلية مرور الكرام على خبر قيام شابين بقتل والديهما، حيث نقلت وسائل إعلام خليجية عن مصادر سعودية أن شابين ينتميان إلى ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" ارتكبا هذه الجريمة، عند مجرد نقل الخبر توقفت وسائل الإعلام بينما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات رواده الساخطة على فعل هذين الشابين وكيف أنهما تجردا من الإنسانية.
السؤال الافتراضي الذي يتبادر إلى أذهاننا، هل فعل الوالدين شيئًا ما في حياة الابنين دفعهما في النهاية إلى الحكم بقتلهما؟، ولماذا ارتكب هذان الشابان هذه الجريمة في شهر رمضان الذي أُصطلح على تسميته بشهر الرحمة سواء على الفقراء والمساكين في تكافل بين أبناء المجتمع الواحد أو رحمة الخالق على عبادة غفرانًا عن ذنوب قد اقترفوها وأحبوا التخلص منها.
وما هي دوافع التطرف الفكري الذي تسربل لهذين الشابين ودفعهما لقتل والديهما؟، وما تقصير الوالدين حتى يلاقيا مصيرهما بهذه الصورة؟، كل هذه الأسئلة نحاول الإجابة عليها كمحاولة لتفسير السلوك العدواني الجديد لتنظيم الدولة الإسلامية.
التطرف عادة ما يحث صاحبة على إصدار أحكام قاسية بمنتهى البساطة إيمانًا بأن العقيدة هي المحرك الأساسي لذلك، فليس مستغربًا القتل في هذه الحالة أو التمثيل بالجثث أو الذبح بسكين أو الحرق أو فقأ العينين أو الإلقاء من فوق جبل شاهق حتى ولو كان ذلك في شهر رمضان، فهؤلاء يظنون أن الشهر فرصة لارتكاب مثل هذه الجرائم!
يعتقد هؤلاء أن قتل الوالدين مع سبق الإصرار والترصد وبهذه الطريقة طريق موصل إلى الجنة، معتقدين أن طاقات الغضب هذه تختصر طريقهم إلى ما يحلمون به من جنة عرضها السماء والأرض!
ظاهرة القتل لم تكن جديدة على البشرية خاصة إذا مست العصب وأولوا الرحم ولكنها ظهرت منذ بداية الخليقة بين أخويين ولم تتعد ذلك، ولكن حكى التاريخ القرآني أن القاتل استغفر عن سلوكه العدواني ووارى جسد أخيه بالتراب ليؤكد أن ما حدث كان عارضًا ومنافيًا للفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها.
تغيرت وسائل القتل وتطور التطرف إلا أن أصبح إرهابًا وأصبح الممارسون له يستمتعون بممارسته ويزيدون في القتل اعتقادًا بالطريق المختصر إلى الجنة مع ظن جزء كبير منهم أنها مرابحة مع الخالق كلما قتل وأمعن في القتل وشوه من يقتله كلما كان الأجر، وظن أصحاب القلوب القاسية أن القربة الحقيقية إلى الله في قتل الوالدين في شهر الرحمة قربانًا وتقربًا إلى الخالق.
غالبًا ما نذهب إلى تسمية التطرف الفكري وأنه سببًا أصيلًا لسلوكيات تؤدي إلى القتل في النهاية، ولكننا نرى أن القتل بهذه الصورة معبر حقيقي عن خلل في البنية المجتمعية ومن قبلها في البينة العقلية للمتلقي.
وباختصار شديد وضع هذان الشابان في أذهانهما تصورا خاطئا للجنة وقاسا عليه الأحكام الشرعية فكانت النتيجة تطرفًا من نوعًا آخر لا يُعبر عن حقيقة الإسلام الحنيف في حفظ النفس والرحمة وبر الوالدين لا قتلهما.
حادثة مقتل الشابين لوالديهما يعزز من مخاوف الأمن المجتمعي ويهدد الأمن القومي للشعوب بعد غياب الأمن الفكري بانتشار التطرف على رقعة واسعة من الأرض وتصدر مئات الآلاف لخطابة في الشرق والغرب، والخوف الحقيقي من تصدير هذه المفاهيم لمجتمعات عاشت على البر والسكينة والرحمة منذ عشرات الآلاف من السنين.
غابت محاولات تفسير ظاهرة القتل بهذه الطريقة عبر سُبل البحث والدراسة الحديثة وهو ما يفرض تحديًا بمحاولة فهم هذه الظواهر المرضية وتقديم حلول عاجلة للوقاية حفاظًا على المجتمعات التي باتت ممارسات الإرهاب تهددها من داخلها.
البُعد الاجتماعي وميول المجتمع للعنف بطبيعته متهم أصيل في اعتداء الشابين على والديهما بعيدًا عن التبريرات غير المنطقية من الناحية الشرعية مهما أتوا بنصوص وأعطوها بُعدًا شرعيًا، فالمشكلة ليست في النصوص وإنما فيمن فهمها وطبقها بالشكل الخاطئ.
فمهما أتى هؤلاء بنصوص من القرآن والسنة فلابد أن نُبرئ الإسلام بتعاليمه التي تسمو عن أي قتل أو تطرف حتى في المشاعر، والفهم الحقيقي للإسلام يدلنا على طريق اختصاره ترقيق المشاعر، فالحديث الإلهي ينصب في الإسلام على ضرورة تطهير الجسد وتخليصه من عامل المادة وكأنة يرسم لنا طريقًا بعيدًا عن العنف بكافة صورة لا داعمًا لأشكال من العنف تشمئز منها النفس الذكية.
الإسلام الذي غاب عن كثيرين هو ما يتبنى قيم الرحمة والتسامح واحترام المختلفين ليس في الفكر فقط وإنما في الدين مصداقًا لقوله تعالي،: "قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين".
قد تكون جريمة الضحية الوحيدة أنهما ترك أبنيهما فريسة الأفكار والممارسات الخاطئة والفهم الضيق والخاطئ للدين، فكانت النتيجة ارتكاب جريمة ولكنها هذه المرة ليست في حق المجتمع ولا في حق آخرون قتلًا وتمثيلًا وإنما في حق من سمح لهذه الأفكار أن تعرف عقل وقلب هذين الشابين الذين اعتديا على رحميهما.