لكن هل يكفى كشف حساب الرئيس؟! أظن أن الشعب بحاجة أيضًا إلى كشوف حساب تقدمها أطراف أخرى معنية فى الواقع بعملية بناء النظام السياسى إلى جانب الرئيس. الحكومة أهم تلك الأطراف، لاسيما أنها مسئولة عن معظم الإخفاقات التى نعايشها، بسبب ما يعانيه جسدها من ترهلات وتخمة تنعكس بشكل واضح فى تلك الملايين الست من جيوش الموظفين، ووقائع الفساد المالى والإدارى بدءًا من الإهمال والروتين، وصولًا إلى الرشوة والاختلاس.
حتى الآن لم توضح الحكومة الآلية العملية التى سيقدمها قانون الخدمة المدنية لعلاج الأمراض المزمنة التى أصابت ضمير الموظف المصرى، خاصة أن الآليات التى قدمتها فى مواد القانون قوبلت بتحفظ شديد من غالبية المتعاملين مع الموظفين سواءً كانوا مواطنين عاديين أو رجال أعمال صغرت أو كبرت، ذلك أن تلك الآليات تفترض تمتع الجهاز الإدارى بمنظومة أخلاقية وقيمية تمنعه من الالتفاف حول القانون والتلاعب بنصوصه.
نحن إذاً بحاجة إلى ما يعيد الثقة بين المواطن والموظف الذى يمثل الحكومة، ومن ثم يمثل القانون وهيبة الدولة، ويكفينى هنا تعليق البعض على التقارير التقيمية التى سيعدها الموظفون فى مرءوسيهم والعكس طبقًا لما ورد فى مواد القانون؛ معظم التعليقات ذهبت إلى أن الطرفين سيجاملُ كل منهما الآخر، بل إن الحذر والتشكك وصل إلى حد القول بأنه سيتم التلاعب فى آراء المواطنين من طلاب الخدمات الحكومية.
علينا أن نتذكر أن الموظف الحكومى هو من ساعد الفاسدين على وضع أيديهم على أراضى الدولة، وهو أيضًا من مكنهم من التلاعب بالقانون للتربح عبر استثمار نفوذه أى الموظف العام.
ولا يمكننا الحديث عن النهوض ببرنامج تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو جذب الاستثمارات الكبيرة دون مناخ تسوده النزاهة والشفافية يخلقه فى الأساس أداء الجهاز الإدارى للدولة، ولا أتصور أن المسألة مستحيلة خاصة أن لدينا تجربة محلية اعتمدت على أحدث أساليب الإدارة التى تمتلك بداخلها آليات تضمن شيوع النزاهة والشفافية كثقافة فى الأداء العام.
اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة يمثل النموذج الحى لهذه التجربة، ولا أظن أنه يمتلك عصا سحرية، لينجز كل المهام الموكلة إليه بكل تلك الدقة سواءً فى الجودة أو مواعيد التسليم.
المؤكد أنه يمتلك أحدث الأساليب العلمية فى إدارة ما لديه من موارد بشرية ومادية، خاصة أن الهيئة الهندسية تكتفى فى أغلب المشروعات بالإشراف على عشرات شركات المقاولات التى يعمل بها ملايين البشر. هذه الخبرة مصرية وليست مستوردة، ومن واجب الرئيس عبدالفتاح السيسى كونه رأس السلطة التنفيذية أن يعمل على نقلها إلى الجهاز الإدارى، لتتحقق المعجزة ويصبح بين يدى رئيس الوزراء عصى كعصى موسى تستطيع أكل ثعابين البيروقراطية والروتين، وبالمناسبة لم يكن سحرة فرعون إلا أحد أوجه البيروقراطية المصرية القديمة. ربما يصبح على الرئيس السيسى أن يقدم لنا مع كشف حسابه برنامج عمل لتطوير الجهاز الإدارى خلال العامين القادمين ليضمن هو ونضمن نحن تنفيذ برنامجه الانتخابى على النحو الذى نرجوه جميعًا.
المجتمع المدنى ممثلاً فى الأحزاب والنقابات مطالب أيضًا بتقديم كشف حساب عما قدمه فى عملية بناء النظام السياسى طوال الأعوام الثلاثة الماضية، يوضح فيه الأدوار التى قام بها فى التواصل مع الرأى العام منذ ثورة الثلاثين من يونيو، وما تمكن من إنجازه فى عملية بناء علاقة صحية ومتوازنة مع السلطة، والتحديات التى لا تزال تواجهه وتعوق عمله، على أن يكون كشف الحساب هذا معدًا على أرضية الحفاظ على الدولة واحترام القانون والدستور لا الخروج عليه خاصة أن بعض الأحزاب لا تزال تعمل وكأنها فى أجواء ثورة ولم تنتقل بعد إلى حالة البناء.