السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السقوط التاريخي للإسلام السياسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين اندلعت الهبة الثورية فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣- التى بناء عليها نزلت ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين لإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين بدعم جسور من القوات المسلحة المصرية- كتبت مقالا أفسر فيه هذا الحدث التاريخى النادر الذى أجملت مغزاه فى عبارة وحيدة هى الفشل السياسى لجماعة الإخوان وللسقوط التاريخى لتيارات الإسلام السياسى!
ومما لا شك فيه أن سقوط جماعة الإخوان المسلمين تم لأسباب متعددة أبرزها الفشل السياسى.
السقوط المدوى لحكم الإخوان المسلمين يطرح سؤالًا جوهريًا، هل هو مجرد فشل سياسى أم سقوط تاريخى لمختلف فصائل تيار الإسلام السياسى بكل ما تحمله هذه العبارة من معان لها دلالات هامة؟
لكى نجيب عن هذا السؤال المحوري علينا أن نفرق تفرقة واضحة بين الفشل السياسى للنظم أو الأحزاب، والسقوط التاريخى للإيديولوجيات السياسية.
وهكذا يمكن القول بأنه أخطر من الفشل السياسى لجماعة الإخوان المسلمين هو السقوط التاريخى للأيديولوجية التى تبنتها، والتى تقوم على إنكار مفهوم الوطن لحساب مفهوم الأمة، والسعى لتقويض الدول العربية والإسلامية المدنية لتأسيس دول دينية تحل محلها وتحكم بشرع الله كخطوة أولى لاسترداد نظام الخلافة الإسلامية.
ومن خلال الممارسة العملية لحكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر تبين بوضوح وجلاء إفلاسهم الفكرى، لأن الجماعة لم تكن تملك مشروعا فكريا متكاملا، ونظرا لكون أيديولوجية استعادة نظام الخلافة الإسلامية -بعد تقويض الدول العربية والإسلامية المدنية- ثبت أنه مشروع خيالى مفارق لواقع النظام الدولى المعاصر وللنظم الإقليمية السائدة.
ونريد أن نطرح هنا سؤالا هاما لأن بعض القيادات الإخوانية الهاربة إلى تركيا تردد أنهم سيتقدمون بمشروع مصالحة مع الدولة المصرية يقوم أيضا على الفصل بين العمل الدعوى والسياسى!
وردا على هذه المبادرة المراوغة، نقرر بكل وضوح أنه لا مجال للفصل فى أيديولوجية تيارات الإسلام السياسى بين العمل الدعوى والسياسى.
وتثبت ذلك الممارسة العملية لحكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر. ذلك أنه بعد نجاح الدكتور «مرسى» رئيس حزب «الحرية والعدالة» تقابل مع «مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور بديع الذى أعلن فى مشهد «تمثيلى» أنه يحله من بيعته التى بايعه عليها حين انضم للجماعة، وكأن هذا الفعل الرمزى الهزلى يعنى الفصل بين جماعة الإخوان المسلمين ورئاسة الجمهورية، مع أنه فى التطبيق كان «محمد مرسى» مجرد تابع لمكتب الإرشاد ينفذ أوامره وتوجهاته!
غير أنه أهم من ذلك كله -ولإثبات أن الفصل بين العمل الدعوى والسياسى مستحيل عملا- لا بد من تحليل طبيعة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر. الجماعة كانت بكل بساطة كيانا سياسيا موازيا للدولة المصرية بحكم انتشار شعب الإخوان فى كل قرى مصر وفى كل حى من أحياء مدنها. والتنظيم الموازى يتمثل فى أن المرشد العام يوازى رئيس الجمهورية، ومكتب الإرشاد يوازى مجلس الوزراء، ومجلس الشورى يوازى البرلمان، ورؤساء المكاتب الإدارية يوازون المحافظين، ورؤساء الشعب يوازون رؤساء الإدارات الحكومية المختلفة.
والزعم بأن جماعة الإخوان المسلمين ستفصل بين العمل الدعوى والسياسى، بمعنى أن الصفقة التى تتوق لعقدها مع الدولة المصرية هى الإبقاء على هيكل الجماعة بمؤسساتها المختلفة وبشعبها المنتشرة فى كل مكان كما هى وألا تعمل بالسياسة، أو تعمل بالسياسة فى إطار حزب ليس بالضرورة مرجعيته إسلامية. أليست هذه حيلة بارعة للإبقاء على صفوف جماعة الإخوان كما هى إلى أن يحين موعد «الانقلاب السياسى» على الدولة الوطنية المدنية؟
وبالنسبة لتونس ماذا يعنى الفصل بين العمل الدعوى والسياسى؟ وما هو هذا «الدعوى»؟ هل هو الدعوة للإسلام فى مجتمع غالبيته العظمى من المسلمين؟ ومن الذى أعطى الحق لأى جماعة «إخوانية» كانت أو «نهضوية» أو «سلفية» أن تعتبر نفسها قيمة على المجتمع وتنتشر فى كل مكان لتدعو المسلمين إلى الإسلام؟
هذه كلها محاولات فاشلة وخطوات تكتيكية محسوبة -سواء من قبل جماعة الإخوان فى مصر أو من حزب النهضة فى تونس- للإفلات من المصير الحتمى وهو السقوط التاريخى لتيار الإسلام السياسى!
لقد ثبت بغير أى شك أن أيديولوجيات جماعات الإسلام السياسى التى تنطلق من التطرف الدينى وعدم الاحترام للآخر، وتندرج بعد ذلك فى مدارج الإرهاب، ابتداء من تنظيم «القاعدة» حتى تنظيم «داعش» حركات مضادة لحركة التاريخ نفضى عليها بالفناء فى مجتمع عالمى أصبح يقوم على أساس التعاون المتبادل من ناحية، والتحالف بين الحضارات من ناحية أخرى.