الأشياء هى نفس الأشياء الشوارع هى نفس الشوارع، الشجر هو نفس الشجر، الناس هم نفس الناس، نسمات الهواء الرياح النيل أرصفة الشوارع و الجدران نفس الأرض لم يتغير فيها ذرة واحدة بلا زيادة أو نقصان إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ولكن .....
ما هى الحياة إذًا إذا كانت ثوابت و مكونات الأشباء معلقة على الجدران مثل الصور الصامتة . و ما هى فكرة الزمن و مرور الأيام وتقادم خلايا الإنسان و الشعور بالعجز .
تتبلور عبقرية الحياة والخلق وهذا الهيكل البنائى الرائع للعقل البشرى فى فكرة الإدراك و التفكر و التدبر و ارتفاع المنسوب العقلى فى القدرة على رؤية أو إعادة رؤية الأشياء بناء على تغير الكم المعلوماتى المتراكم مع الأيام . يسكن الليل منذ آلاف السنين، وتنام كل المخلوقات غير الآدمية تسبح بحمد الرحمن الحى الذى لا يموت هذا هو قدرها الذى خلقت من أجله، وهذا هو البعد الفكرى الأول و الأخير إذا صح القول .
ولكن الإنسان له فى سكنات ليله منذ نشوء الخلق صولات و جولات من الألم و الفرح و البحث عن المجهول، ولأن الإنسان يمتلك كل الحرية فى اختياراته ولأن كل هذا نابع من إعادة تقييم الأشياء من حوله، أو إعادة تشكيل منظوره للأشياء نتيجة الاستفادة من هذه التركيبة العقلية التى تسمح بالتحليل الآلى للمعلومات المتراكمة بشكل يومى أو قل حتى لحظى .
المسألة هنا نجعل من الإدراك هو الفيصل فى التميز البشرى والقضية ليست قضية ذكاء ولكنها قضية فضول معرفى تجعل من الإنسان مخلوقا نادرا على إعادة صياغة أى علاقة بينه و بين العالم فما كان يكرهه أمس من الممكن أن يحبه اليوم، وذلك لأنه امتلك قدرا معرفيا جديدا جعل الرؤيا مختلفة و قلب أفكاره رأسا على عقب .
الإدراك و المعرفة ليسا شيئان مترادفان أو لهما نفس المعنى فمن الممكن أن تمتلك المعرفة والعلم ولكن لا تمتلك الإدراك لربط الأشياء فكم من الناس ترى تدفق النهر وانسيابه كل يوم دونما أى إدراك لمغزى هذا و لا من حكمة الله سبحانه فى هذا التدفق، يمضى العمر وتزداد الخبرات ولكن إذا لم تتلازم هذه الخبرات مع الوعى والإدراك بسبب حدوثها كما يتلازم السحاب مع المطر أصبحت حياتك جامدة كمستنقع عفن يملأه الماء الراكد بلا قبمة.
تربيت ونشأت شوهت صورتك الذاتية عن نفسك فعشت عمرك كله تكره نفسك و تكره الناس فى نفسك والعكس بناء عليه فإن جهازك النفسي الدفاعى ببناء أنظمة مقنعة لك بأنك شخصا جيدا ولكن العالم كله عبارة عن مكان أقل من مستوى مقلب زبالة وعشت العمر كله تصارع طواحين الهواء عبثا فى عبث.
ولكن .. انتظر لحظة اتدرى أن قمة الذكاء والعبقرية هنا هى أن تقلب هذه المنظومة الفكرية المزيفة التى تغلغلت داخل خلايا جسمك وأصبحت جزءا متأصلا من واقعك و تردداتك القلبية ؛ أن تعلم أن الله سبحانه لم يخلق أحدا ليعذب نفسه أو يكرهها و يقول هذا قدرى هذا هو مفتاح السرداب الملعون الذى عشت داخله كل دروب حياتك أدرك و أبحث فكل شيء يتغير فى أى وقت و أى عمر .
علينا أن ندرك أن الله سبحانه خلقنا ووضع فينا ليس بعدا واحدا أو ثلاثة أبعاد بل مئات الأبعاد و المناظير للرؤيا والتفكير و لكن لا بد من وجود المشيئة حتى يقدم الله سيحانه يد العون، كم من الناس وهبهم الله قدرات ومخزون رائع من المهارات لم يستغلوها عمرهم و ماتوا وماتت معهم لأنهم سمحوا للخوف أن يشوه معالمهم وهل خلق الله سبحانه إنسانا وقال له اذهب وعش خائفا فقد قدرت عليك ذلك حاشا لله و بيده الأمر كله، يرسل الله اشارات و إنذارات ليحسن مستوى الإدراك والحكمة والتدبر للناس ولكن هنا ناس قال عنهم سبحانه " و طمسنا على قلوبهم".
يمكن لأى إنسان أن يعيد النظر إلى نفسه و يرى الأشياء من منظور رجعى أقصد أن يعيد النظر إلى سوابق الماضى و إلى تلك الأفكار المشوهه عن نفسه التى جعلته يرى الأخضر أسود و النهر الجارى بركة راكدة و يرى الناس كلهم أعداء لنجاحاته المزيفة . أدرك الآن أنك تستحق كل الخير حتى وارتكبت أخطاء فادحة فالله عفوا كريما يحب العفو و الله سوف ترى مواهب مخبأة داخلك و أناس تحبك كنت غافلا عنهم سوف ترى سماء و شوارع و نسمات كأنك تراها لأول مرة لأنك كنت نائما داخل فكرة وانت لست مجرد فكرة بل انت كيان يمكن أن تتغير جميع أفكاره الآن و ليس غدا، والله تعالى قادرا على كل شيء فأحسن الظن بالله وسوف ترى العجائب إن شاء الله.