الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نكتة السلم الاجتماعي وخديعة "الذوق العام"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ سنوات طويلة ونحن نسمع لجملة «السلم الاجتماعي»، ولا أجد لها تفسيرًا جامعًا مانعًا كما يقولون، نسمع عنها آه، لكن كل ما هو حولنا يشير بصراحة إلى عكس أى معنى حاولنا أن نلبسه لها.
أى صحيفة يومية فى مصر بها صفحة للحوادث، وأحيانا صفحتان، وجاء علينا زمن أصبحت الصحف تصدر ملاحق أسبوعية للجريمة -التى لا تفيد قطعًا- ثم تطور الأمر أكثر وأصبح عندنا صحف خاصة بالحوادث، زادت فى أواخر عصر مبارك لإقبال الناس عليها حتى تخطت الثلاثين صحيفة رسمية وأجنبية تصدر فى مصر، وأصبحت هناك نوعية جديدة من البرامج من عينة «وراء الأسوار»، وأنشأت الحكومة مراكز متخصصة لدراسة الجريمة وتطورها وتأثيرها، ومن المؤكد أن جهازًا كاملًا مثل «هيئة الشرطة» يعمل ٢٤ ساعة يوميًا لمنع حدوث هذه الجرائم والوصول بنا إلى بر «السلم الاجتماعي»، وخصصت وزارة الأوقاف عددًا كبيرًا من مؤتمراتها وبياناتها وخطب دعاتها فى صلوات الجمعة أيضًا لنفس الغرض، لكن «السلم الاجتماعي» لم يحدث، ولم نهنأ به يومًا.
المهم أنه وفى مواد قوانيننا التى لا حصر لها، مواد لا حصر لها لحماية هذا «السلم»، وأضيف إليها مصطلحات من عينة «تكدير السلم الاجتماعي»، ووصلت عقوبات هذا النوع من الجرائم للمشدد، لكن «السلم الاجتماعي» سايق دلاله علينا، ومافيش فايدة.
ورغم يقينى أن البشرية ومنذ يومها الأول لم تخلُ من «جريمة».. وأن أولاد آدم لا تحوشهم قوانين، إلا أننى ظللت لسنوات طويلة، أتجاهل الأمر كله باستثناء وصف شاعرنا الراحل أحمد فؤاد نجم بأنه شاعر «تكدير السلم العام».
ولأننى منذ عرف المصريون «الإعلانات» أتعامل معها باعتبارها عملًا إبداعيًا وخاصة أن شعراء كبارًا أحترمهم وأجل تجربتهم الإبداعية ووعيهم الإنسانى الكبير من أمثال صلاح جاهين وعصام عبدالله -رحمهما الله- كانا من نجوم صُناع تلك الإعلانات، تصورت لسنين طويلة أنها «عمل إبداعي» حتى وإن تم استخدامه للترويج لسلعة ما، وكنت أظن أن ذلك أفضل من أن يتم الترويج للسلع بشكل سطحى ونقص وفج ومباشر، واحنا مش ناقصين تسطيح وتفاهة، أقول كنت أظن أنها عمل إبداعى خالص، ولأننى ضد فكرة منع أى عمل إبداعي، وضد ممارسة أى دور رقابى عليه بحجة حماية الذوق العام أو «السلم الاجتماعي»، لم أتخيل لحظة أننى قد أقف فى يوم ما فى نفس خندق المطالبين بمنع إعلان ما.
لقد تصرف جهاز حماية المستهلك فى حدود صلاحياته، وقام بمنع إذاعة عدد من الإعلانات، رأى البعض أنها تسيء للذوق العام- مع أنى مش شايف ده خالص- وهو جهد مشكور للجهاز قطعًا، إذا ما كان الأمر فى حددو صلاحياته ودوره، لكن ما لفت نظرى أن جهاز حماية المستهلك هذا لم يمارس دوره الأساسى فى حمايتنا من جشع التجار، لم يمارس دوره فى حمايتنا من غش السجائر، وتهريبها، وغش معظم المنتجات الضرورية مثل الأدوية، أو اللحوم، لم يجد أسهل من «بردعة الإعلانات» ليمارس صلاحياته فيها، وما دام الموضوع إعلانات وبس، طب هو الجهاز ماشافش إن إعلانات الشاليهات اللى بـ٤٠٠ ألف جنيه بس فيها تكدير للسلم الاجتماعي، طب ماشافش إن إعلانات الفيلات اللى تلات أدوار وبجنينة فى كل دور فيها تكدير للسلم الاجتماعى.
هو مافيش حد خد باله من المنتجعات الخرافية اللى هيه أجمل وأكثر استقرارًا من أوروبا -على رأى أحمد عز وماجد الكدوانى- فى الوقت الذى ذهب فيه الملايين لحجز شقق الإسكان الاجتماعي.
ألا يوجد فى هذه الإعلانات المستفزة إذا ما وصفناها جنبًا إلى جنب مع تلك التى تؤكد أن لدينا ٣ ملايين جائع محتاجين كرتونة رمضان و٣ ملايين عريان عايزين «الهدوم المستعملة» بتاعة الجمعية إياها.
ماخدش باله إن فيه إعلانات تانية بتشحت على المرضى -الذين لهم حق العلاج بحكم الدستور والقانون- وأن إعلانات الشقق الفاخرة والمنتجعات الأوروبية اللى فى التجمع بتجيب حرق دم وبتزود عدد المرضى اللى شغالين شحاتة عليهم من سنين ولسه ماخلصناش!
إن حجة حماية الذوق العام، أو السلم الاجتماعى، لم تمنع عددًا من الموتورين من مهاجمة شركائنا فى الوطن عقب صلاة الجمعة الماضية بالعامرية بالإسكندرية، ولم تمنع رجلًا من الانتحار على قضبان السكك الحديدية فى قنا لأنه لم يستطع مقاومة غلاء الأسعار، كما أنها حتمًا لم تمنع «الغشاشين» من اختراق سراديب التربية والتعليم وتسريب الامتحانات، لم تمنع الأكابر فى البدارى من تغشيش أبنائهم بقوة السلاح، ولم تمنع أحدًا من اللعب فى عقول أبنائنا وهما لسه ماخلصوش امتحانات، والترويج بأن الحكومة قررت إلغاء مكتب التنسيق وتسليم ما تبقى من أرواحنا لتجار الجامعات الخاصة، ولم يقم أى مسئول بالتعليم العالى أو الواطى بتكذيب تلك الشائعات، ألا يعد أمر السكوت هذا تكديرًا للسلم الاجتماعي؟!
يبدو أننا نخوض ليس فقط حربًا مع إرهاب ولا جهالة، ولا قوى كبرى أو صغرى لها فى بلادنا مآرب لا تنتهي، إننا نحارب المدعين والمنافقين والموتورين ونحارب المفاهيم المغلوطة أيضًا.
نعم نحن فى حاجة إلى حرب معرفية أولًا، يتم فيها تصحيح مفاهيمنا المغلوطة عن «الذوق»، و«السلالم»، و«السلام»، وعن «المجتمع» أيضًا، فنحن وتحت أى ظرف لم نعد مجتمعًا واحدًا.