السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اتفاق الشرفاء ورد المفوضية الجهلاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نفر قليل من المصريين صاروا أبواقًا يرددون ما لا يفهمون، وينثرون بذور الفرقة والفتنة، فوجدوا ضالتهم في اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والموقعة في ٩/٤/٢١٠٦ وهى أول اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين الدولتين الساحليتين المتقاربتين.
وبدلا من قول الحق في قضية وطنية مهمة لا ينظمها أو يحكمها إلا القانون، وضع - وللأسف - بعض رجال القانون ذلك القانون تحت نعالهم، وتنكروا للقيم والفضائل الإنسانية والأخلاقية قبل المبادئ والقواعد القانونية، وصورت لهم أنفسهم المريضة حقائق مغلوطة ووقائع مخلولة، فعكسوا الأوضاع والمراكز القانونية، وبدلوا الأشخاص والشخصيات القانونية أيضًا، فجعلوا من الاحتلال العسكري المصرى السلمى بجزيرتى «تيران وصنافير» أداة لاكتساب الأقاليم، وضاعفوا فترة التواجد المصرى العسكري في الجزيرتين من خمس سنوات إلى خمسين سنة.
كانت إحدى الفريات المثيرة للسخرية التي نطق بها بعض المنتسبين للقانون والمحسوبين عليه، أن المحادثات التي جرت بين الملك المصرى فاروق الثانى والملك السعودى عبدالعزيز آل سعود في ديسمبر ١٩٤٩ بخصوص الاحتلال العسكري المصرى السلمى للجزيرتين هي مجرد أحاديث هاتفية شفهية لا تؤسس حقوقًا ولا تفضى إلى واجبات بين الدولتين، وتخرج عن إطار اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية عام ١٩٦٩، وفات على جهلهم أن اتفاقية فيينا ذاتها قد أكدت إلزامية الاتفاقيات بين الدول والتي تسمى «اتفاقية الشرفاء»، وإن خرج ذلك الاتفاق عن إطار اتفاقية فيينا المذكورة، إلا أن ذلك لا يعنى عدم إلزامية الاتفاق المصرى السعودى الذي حصل بين ملوك وشرفاء في الوقت ذاته. وإذا كان ذلك النفر المريض يجهلون أن للملوك لغة وأخلاقا وقيمًا وسلوكيات خاصة بهم، فذلك شأنهم، وأما إنكارهم لأي حجية قطعية للمذكرات الدبلوماسية الرسمية بين الدولتين في ذلك الصدد، خاصة في عهد الرئيس المصرى الأسبق مبارك وخادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لقد أكد القضاء الدولى سواء محكمة العدل الدولية في لاهاى أو محاكم التحكيم الدولية بإلزامية هذه المذكرات المتبادلة بين الدول طالما قصدت الدول الأطراف منها أن تحدث مراكز قانونية معينة وإلزامًا قانونيًا أيضا عليها، والمثال الذي يضرب للتدليل على ذلك بعد قرار محكمة العدل الدولية عام ٢٠٠١ في قضية تعيين الحدود البحرية بين البحرين وقطر.
لقد ذهب أحدهم إلى أن الجيش المصرى حال تواجده في الجزيرتين السعوديتين لم يمارس أعمال السيادة، ولكن فقط قام بأعمال الإدارة، وفات على الشيخ الهرم وعلى تأويله الخرف الذي لا يعدو إلا أن يكون بهتانا وزيفا، إن المملكة المصرية لم تقم بعمل واحد من أعمال الإدارة باستثناء الأعمال الحربية التي قامت بها القوات المسلحة المصرية في الجزيرتين، وهى أعمال الزيارة والتفتيش للسفن الأجنبية العابرة لمضيق تيران، ولا تندرج هذه الأعمال تحت أي عمل من أعمال الإدارة، بل هي أعمال حربية محضة وفقًا للتكييف والتبرير المصريين من عدم انتهاء النزاع المسلح بين مصر وإسرائيل في هذه الحقبة، لذلك فإن أستاذ القانون الذي ينطق بذلك جهارا نهارا بعد توقيع الاتفاقية المشار إليها بأيام قليلة، فكأنما يريد أن يقنعنا كذبا وبهتانا أن الجيش المصرى في الجزيرتين كان يحكم الحجر ويسيطر على الحجارة، وينير الجزيرتين بدون أي إمارة.
إن الدولة التي يعيش في كنفها هذا القاضى الوطنى وكافة المرافق العامة والخاصة والأفراد، لا تولد ولا توجد ولا يعترف بها إلا بموجب هذا القانون الدولي، والقانون الدولى هو الذي يمنح المولود الجديد «الدولة» صك الاعتراف وشهادة الميلاد.
كيف تسول نزوات وغزوات القاضى الوطنى أن يقوم بمراجعة ومناقشة المعاهدات الدولية، والقانون الدولى ذاته هو الذي يبعث الحياة وينفخ الروح في كائن «الدولة»؟!
إن أعمال السيادة تتصل بسيادة الدول في الداخل والخارج، وطبيعتها تأبى أن تكون محلًا للتقاضى لإحاطتها باعتبارات سياسية تخول للسلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقًا تحقيقًا لصالح الوطن وسلامته دون تخويل أي قضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد.
والمواد من ٤٤ إلى ٤٧ لقانون مجلس الدولة رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩ لا يختص مجلس الدولة بمراجعة المعاهدات السياسية المبرمة بين مصر والدول الأجنبية.