الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"ويكيليكس" التعليم في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ قديم الأزل ونحن نسمع عبارات رنانة عن روعة وعظمة وعبقرية المصريين الذين «لا يغلبهم غالب» و«لا يقدر عليهم قادر».. فتأخذنا عزة أجدادنا «الفراعنة» وتنتفخ «أوداجنا»، ولا أحد يسألنى عن معناها، فكلما حققنا فوزًا رياضيًا تتأجج مشاعر الفخر والاعتزاز ونشغل أغنية «والله وعملوها الرجالة».. وكلما كسبنا جائزة دولية نسمع أغنية «المصريين أهم».. إلى أن جاءت «وكسة» تسريب امتحانات الثانوية العامة فوجدتنى أشعر بالخجل والخزى والعار ورحت أستمع لأغنية «دارى الدمع يا عين ما تزوديش الخيبة».
والواقع أننى لا ألقى باللوم على «الهاكرز» ومافيا التسريب وحدهم فى هذه الفضيحة التعليمية الإلكترونية، وإنما ألطم الخدود وأشق الجيوب على خطة «خيبة الأمل اللى راكبة جمل» التى تعاملنا بها مع هذه «الحالة التسريبية» التى لا تهدد وزارة التعليم وحدها وإنما هى بمثابة خطر حقيقى على الأمن القومى المصرى برمته.. فإن كنا عجزنا عن تأمين أسئلة امتحانات الثانوية العامة.. فكيف الحال إذن عن باقى أسرار ومستندات الدولة التى ينبغى علينا تأمينها؟
فمنذ ساعات فقط قامت صفحة تطلق على نفسها «ثورة التعليم الفاسد» بتسريب أسئلة الكيمياء والفلسفة والمنطق.. وقبلها بيوم أو يومين قامت بتسريب أسئلة الفيزياء ومن قبله «الصرف».. هذا طبعا بخلاف التربية الدينية واللغة العربية.
فلم يكن أحد يتصور استمرار مهزلة تسريب امتحانات الثانوية العامة على هذا النحو الذى شهدته الأيام القليلة الماضية.. فبعد فضيحة موقع «شاومينج» لتسريب أسئلة امتحانات الثانوية.. فوجئنا بظهور عدة صفحات أخرى جديدة لعل أشهرها صفحة تسمى «ثورة التعليم الفاسد»، وهى إحدى صفحات الغش على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، التى قامت بتسريب أسئلة عدة امتحانات للثانوية العامة والأزهرية.
ومع تسليمنا بصعوبة السيطرة على فضاء الإنترنت المفتوح على مصراعيه أمام جميع المتلاعبين والمخترقين، فإنه من غير المتصور أيضًا أن تعجز وزارة التعليم بهذه الصورة المريعة عن تأمين أسئلة امتحانات الثانوية العامة التى تعبر مرحلة عنق الزجاجة بالنسبة لمئات الآلاف من الطلاب.. كما تعتبر البوابة الرئيسية للتعليم الجامعى.
ووسط هذا الضجيج الممتزج بإحباط الطلاب وخيبة أمل أولياء الأمور الذين أنفقوا ما بين أيديهم وما خلفهم على الدروس الخصوصية ابتغاء مستقبل يحدوه الأمل لأبنائهم.. وسط كل هذا تعالت أصوات المطالبين بإسناد ملف امتحانات الثانوية العامة للمخابرات العامة على اعتبار أنها أحد أسرار الدولة العليا.
بعدها ظهرت دعوات أخرى تطالب بضرورة إحالة ملف التعليم برمته وليس الامتحانات وحدها إلى القوات المسلحة لضمان الالتزام والانضباط.. وكأن هذه المؤسسة الباسلة ينقصها مهام إضافية لتلك الملقاة على عاتقها.. فبخلاف تأمين حدود البلاد والدفاع عن تراب هذا البلد الأمين ومشروعات البنية الأساسية والكبارى والأنفاق وتطوير العشوائيات والإسكان.. هل يحتمل هذا الجهاز الوطنى أعباءً إضافية نحملها له؟
وإلى جانب كل ما سبق لا بد من طرح السؤال التالى: ما فائدة وزير ووزارة التعليم.. وما المهام الموكلة إليهما إذا كنا بصدد نظام تعليم فاشل بشهادة الجميع بدليل أنه حتى وقتنا هذا يعتمد على نظام التلقين والحفظ لا الإبداع والفهم، والنتيجة تخريج أجيال تحمل شهادات تعليمية، وهم أقرب إلى الأميين منهم إلى أنصاف المتعلمين؟.. الأمر الذى تحول معه التعليم فى مصر إلى مشكلة خطيرة تعوق تقدم المجتمع وازدهاره على جميع الأصعدة.
فإلى جانب المشكلة الحقيقية التى يواجهها المجتمع بشأن ملف التعليم، والتى تكمن فى تخلف وعقم المناهج الدراسية ومحتوياتها، بالإضافة إلى الأساليب القديمة التى لا تواكب التطور والأنظمة الحديثة فى تلقى المعلومات، مما يعد هدما للعقول، وقتلا للإبداع، وإضاعة أجيال متتالية من الشباب بدليل أن الوزارة بكل أجهزتها وجميع مسئوليها ما زالوا يتحدثون «فى الهواء» عن القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية كأنهم فى كوكب تانى.. فزيارة واحدة لأى «سنتر» تخبرنا كيف وصلت حالة التعليم بمصر إلى كل هذا التردى والانهيار.
ويجمع الخبراء على أن استخدام أسلوب التلقين وحشو المعلومات والحفظ لمجرد النجاح فى العام الدراسى، يؤدى إلى خروج أجيال إلى الحياة العملية دون خبرات علمية وعملية وغير ناضجين فكريًا للدخول فى سوق العمل، الأمر الذى ساهم فى حدوث فجوة كبرى بين متطلبات المجتمع من مواهب وقدرات خاصة للتعامل مع السوق، وبين المهارات المتحصل عليها من المناهج والأساليب التعليمية القديمة، إلا أن المسئولين عن ملف التعليم فى مصر فى كل مرة «يعملوا فيها من بنها» ويتجاهلوا كل هذه النظريات.
المثير للدهشة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد منح فرصة ذهبية لمسئولى التعليم فى مصر لتطوير المناهج والاستفادة بخبرات الدول المتقدمة مثل اليابان وغيرها التى أبرمت معها اتفاقات لتبادل الخبرات.. حينذاك استبشرنا خيرًا على أمل أن يتحرك المسئولون لتنفيذ توجيهات الرئيس.. لكن وبكل أسف لم تتواكب تحركات هؤلاء المسئولين مع الجهود الحثيثة للسيسى الذى يضع نصب عينيه أهدافًا قومية لا تحتمل التأجيل.. لكن على ما يبدو فإن سيادة الوزير ووزارته الغراء لهما رأى آخر.