السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإخوان لن يعودوا من أرض التيه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب الأستاذ إبراهيم عيسى فى صحيفة «المقال» يبشر بعودة «جماعة الإخوان» مرةً أخرى وبقوةٍ أكبر مما كانت عليه، مستشهدًا بما حدث فى عِقد الستينيات من حل الجماعة والقبض على بعض قياداتها، وهروب البعض الآخر إلى الدول العربية، وتَحَلُل مكاتبهم الإدارية، ورغم ذلك عادت للجماعة قوتها فى عهد الرئيس السادات، ويضيف عيسى أنه يوجد متغيرٌ مهم وهو «سلفنة» الدولة المصرية واختراق السلفيين لمؤسسات الدولة، ولذلك كله فإن الإخوان عائدون لأن الدولة التى نعيش فى كنفها دولة سلفية بامتياز، وكل ما فيها يهيئ عودة الإخوان مظفرين، لأن الدولة غير صادقة فى تصديها للفكر السلفى.
وذهب عيسى بعيدًا حين ذكر أن جماعة الإخوان تخطو خطوات العودة، وأن المكاتب الإدارية فى المحافظات عادت للنشاط بل للتنسيق مع مكتب الأمن الوطنى فى كل محافظة، وأن الأُسَر بدأت تتجمَّع من جديد واختارت نُقباءها، وأن السيناريو المعتمد هو نفسه سيناريو الفترة الأولى من حكم مبارك، التقدُّم ببطء نحو النقابات والظهور التدريجى فى الشارع عبر وسائل مرحلة الاستضعاف والمَسْكنة.
ورغم اعتزازى بزميل دفعتى إبراهيم عيسى، واعتزازى بآرائه فى العديد من القضايا والعثرات التى واجهت مصر منذ نهايات عصر مبارك - لا أعاده الله وحتى فترة الثورات والتظاهرات التى شهدتها مصر والتى مثلت ثورة ٢٥ يناير ضربة البداية لها، إلا أننى أختلف معه فيما ذهب إليه فى مقاله الذى تناقلته المواقع الإخوانية والسلفية، وشبكات التواصل الاجتماعى، بمنطق أن أحد الموالين لثورة ٣٠ يونيو يبشر بعودة الإخوان إلى المشهد تارة أخرى، وربما بأسرع مما حدث فى قيامتهم الأولى بعد انتهاء حكم عبدالناصر، وفتح الرئيس السادات الطريق أمامهم ليستغلهم فى مواجهة اليساريين فى الشارع وفى الجامعات ممن ينتمون لناصر.
بداية يجب أن نتفق أن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن كان البعض يقول بغير هذا فهو مخطئ، ولا ينتمى أساسًا إلى المؤرخين الثقاة، وما يذهب فى مصر نادرًا ما يعود مرةً أخرى، وإلا لعاد مبارك وعاد جمال وعلاء والعادلى وأحمد عز وزكريا عزمى وصفوت الشريف إلى صدارة المشهد مرةً أخرى، ولعاد بالتالى معهم الإخوان ليمارسوا اللعبة القديمة فى التوازنات والنقابات والمجلس النيابى وتوزيع الحصص والأسلاب والغنائم. إن هذا زمانٌ قد ولى إلى غير رجعة ولن يعود، فقد كان نظام مبارك والإخوان وجهين لعملة واحدة، وعندما يصبح نظام مبارك وجهًا ممسوحًا متلاشيًا لهذه العُملة، يجب أن نعلم أن ظهر العُملة لن يكون بأحسن حالً من وجهها.
أما ما يتعلق بحجم السلفيين فى المشهد المصرى العام، فعن أى سلفيين تتحدث يا أستاذ إبراهيم، وأنت تعلم جيدًا أن هؤلاء السلفيين مشتتون، ولا تربطهم رابطة واحدة ولا جماعة ذات تنظيم مُحكم كجماعة الإخوان، فهناك سلفيو «الدعوة السلفية» وذراعها السياسية «حزب النور»، وهناك سلفيو «الجبهة السلفية» الأكثر تشددًا والتى قد ترى أن «الأحزاب» و«الديمقراطية» حرامٌ إن لم يكونا كفرًا بواحًا، وهناك «السلفية التكفيرية»، والتى يُطلق عليها خطأً فى بعض الأحيان «السلفية الجهادية» وهى أحد الموارد المهمة للإرهاب فى سيناء، ولا يمكن النظر إلى هؤلاء كجماعة واحدة قد تتماهى مع الإخوان فى مشروعها وتوجهاتها؛ فهؤلاء جميعًا أقرب ما يكونون إلى بنى إسرائيل «تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى»، وما اختلافُ «الدعوة السلفية» و«حزب النور» الذى يُطلق عليه الإخوان «حزب الزور» مع الرئيس المعزول مرسى وجماعته عنا ببعيد، وما اختلافُ القواعد السلفية مع قيادات الدعوة السلفية وحزبها فى «فتنة رابعة» عنا ببعيد. ولعل هذه الفتنة هى التى أوردت «حزب النور» موارد الهلاك فى الانتخابات البرلمانية الماضية، وكشفت عن تراجع شعبيته حتى بين بنى جلدته من «الدعوة السلفية»، فما بالنا بباقى فصائل السلفيين، ناهيك عن رأى جموع المصريين فيمن يتاجرون بالدين مع الشعب، قبل أن يتاجروا به مع الله..!.
أما عن استعداد جماعة الإخوان للعودة، وتكوين المكاتب الإدارية والهيكل التنظيمى، فهيهات هيهات أن يحدث ذلك بعد كل الضربات التى تلقتها الجماعة حتى الصفين الثالث والرابع من كوادرها، وحبس العديد من القيادات على ذمة قضايا تصل عقوبة بعضها للإعدام، وهروب القيادات الرعديدة إلى الخارج، وترك النساء والأطفال وراءهم ليجاهدوا فى سبيل الطاغوت. علاوةً على أن المصريين لهم ثأرٌ عند الإخوان الذين اختاورا طريق القتل والتدمير والإرهاب والحرق، بدلاً من الاعتذار على ما اقترفت أيديهم من آثام فى حق هذا الشعب الذى وثق فيهم فخانوه، واحتضنهم فقتلوه، ويروْن أنه أساء الأدب فى حقهم فاختاروا أن يؤدبوه عقابًا له على ثورته فى وجههم فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣.
أضف إلى ذلك أن أسلوب «الاستضعاف» و«المسكنة»، لم يعد ينطلى على أصغر طفلٍ مصرى، بعد أن سقطت الأقنعة فى عام حُكم الإخوان، كما لم تعد حكاية «المظلومية» مستساغة ومقبولة، لأن ما حدث فى الستينيات من ترويج لأساطير الإخوان عن مظلوميتهم، وما حدث لهم فى سجون «ناصر» وخرافات زينب الغزالى، لم يعد مقبولًا فى عصر الإنترنت والشبكات الاجتماعية واليوتيوب؛ فنحن فى عصر المعلومات، ولسنا فى عصر خرافات وأساطير الإخوان التى يمكن كشفها لأول وهلة بضغطة زر على لوحة مفاتيح جهاز «اللاب توب»، أو بلمسة على أجهزة «التابلت» أو أجهزة التليفونات الذكية المتصلة بالإنترنت. لقد ذهبت جماعة الإخوان وقد عصبت عينيها بمحض إرادتها المسلوبة من قيادات تعيش خارج إطار الزمن إلى أرض التيه، ولن تعود منها للأبد، حتى ولو بعد أربعين عامًا يتيهون فيها فى الأرض.