يقول التاريخ إنه في سنة ١٧٨٨ قبل الميلاد اشتعلت في مصر الفرعونية ثورة عارمة سقطت على أثرها الأسرة الثانية عشرة، وكان سبب هذه الثورة الفساد الذي انتشر آنذاك، واحتكار السلع من قبل الأغنياء، وفرض الرسوم الباهظة على التجار والصيادين، وبدأت أحداث الثورة بشاب صياد رفض دفع الخراج للجابى فوقعت معركة بينهما انتهت بمقتل الشاب، فدعت أسرته إلى مظاهرة للمطالبة بالقصاص، وتحولت المظاهرة فجأة إلى أعمال عنف وتخريب وسلب ونهب استمرت عدة أيام متتالية، فانتشرت الفوضى في كل الربوع وغاب الأمن وهاجم اللصوص وقطاع الطرق البيوت والمحال وصوامع الغلال، وسقط النظام وتنازع على الحكم أكثر من ملك في وقت واحد، وقد أدى ذلك إلى إهمال الزراعة والتجارة ما أدى إلى تدهور اقتصادي عظيم وانقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة وأقاليم عديدة وانتشرت الجريمة لدرجة أن الرجل كان لا يأمن الخروج من داره، ولما علم ملك الهكسوس بالخبر وما آلت إليه الأوضاع في مصر قرر استغلال الموقف وإشعال نيران الفتنة بين المصريين ليحقق أمله في نهب خيرات مصر بالإغارة عليها واحتلالها، والهكسوس هم خليط من عدة شعوب وقبائل بدوية استقرت في فلسطين حقبة من الزمان، وبالفعل تمكن الهكسوس من دخول مصر دون مقاومة تذكر، حيث لم تكن مصر قد عرفت بعد أنظمة الدفاع والقتال المنظم أو الجيش النظامى، وكان في الهكسوس قسوة قلب وغلاظة، فقد حرقوا المدن والقرى وذبحوا المئات من المصريين ومثلوا بالجثث واتخذوا النساء جوارى والأطفال عبيدًا، ولكنهم لم يتمكنوا من احتلال مصر العليا (الصعيد) حيث أعلن أحد الأمراء هناك نفسه ملكًا على الوجه القبلى، واستمر خلفاؤه من بعده يتطلعون لذلك اليوم الذي تتحرر فيه مصر من الاحتلال الذي أفقدها مكانتها التي كانت عليها منذ أعلنها (مينا) دولة واحدة متماسكة وغنية بخيراتها، فقد وهبنا الله النيل لنزرع ونبيع ما فاض عن حاجتنا للدول الأخرى، ولكن الهكسوس جاءوا لينهبوا خيراتنا ويرسلوها إلى ملكهم القاطن في فلسطين، وحاول سقن رع أن يقود حملة من الجنوب ضد الهكسوس لكنه لقي حتفه، وهنا قامت زوجته إياح حتب بدور مهم وهى تربية ابنهما (أحمس) على ضرورة الثأر لأبيه وتحرير مصر من هؤلاء، وكان أحمس في السادسة عشرة من عمره حين أظهر قدرة عجيبة على ترويض الخيول، وهذا الأمر كان غائبًا عن المصريين، وكوّن أحمس نواة الجيش المصرى من أفراد وعتاد، وقام بتدريبهم بنفسه على استخدام الأسلحة التي صنعها مجموعة من الحدادين له، وطلب أحمس من شقيقه الملك كاموس - والذي تولى الحكم عقب مقتل والدهما الملك سقن رع - أن يعطيه صلاحيات واسعة تمكنه من تكوين قوة رادعة لطرد الهكسوس من مصر، ومن هذه الصلاحيات تعيينه لعدد من النجارين والحدادين برواتب عالية لضمان ولائهم ولضمان سرية ما يفعل، وعين أحمس أيضًا جواسيس له كانوا يتسللون إلى الدلتا ويقومون بسرقة الأسلحة من الهكسوس لتقليدها وصناعة المئات منها، وتفرغ أحمس مدة ثلاث سنوات كاملة لتجهيز الجيش المصرى واختيار عناصره من الشباب الأقوياء الذين وضعهم في معسكرات خاصة للتدريب على ركوب العربات الحربية التي صنعها النجارون، وكذلك على استخدام الأسلحة الجديدة التي صنعت على غرار أسلحة الهكسوس من البرونز، وهكذا عرفت مصر الجيش النظامى، وتكون جيش مصر العظيم وهو من اللحظة الأولى لتكوينه يخضع لنظام مالى خاص يتسم بالسرية، فقد جهز أحمس هذا الجيش في سرية بالغة، ولو علم الهكسوس بما يعد لهم لهجموا عليه وأنهوا الأمر، وخلال سنوات الإعداد والتدريب رحل كاموس وتولى أحمس حكم مصر العليا متطلعًا إلى ذلك اليوم الذي سيعيد فيه الشمال إلى الجنوب، وبالفعل تحرك أحمس بجيش مصر فالتف حوله الشعب وهتف باسمه حين شاهدوه يطارد الهكسوس ويقاتلهم حتى نجح في تحرير مصر بعد مائة عام من الاحتلال محققًا الانتصار الأول في تاريخ جيشنا العظيم، ولما اطمئن على حدود مصر الشرقية عاد ليهتم بالشئون الداخلية وإصلاح ما أفسده الاحتلال، لكنه قرر الحفاظ على النظام الخاص للجيش وتدعيمه وتطويره، فعمل على امتلاك الجيش للمراكب والسفن البحرية لسهولة التنقل من مكان لآخر، وهكذا ولد جيش مصر عملاقًا ومنتصرًا وسيظل هكذا إلى الأبد، أقول هذا لمن يريدون الاطلاع على ميزانية الجيش وينتقدون امتلاكه للمصانع المختلفة وإدارته لبعض المشروعات، وأقول لهم أيضًا اقرأوا التاريخ قبل الفتى بآراء هدامة.
آراء حرة
ميزانية الجيش وأحمس والهكسوس
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق