الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأقباط.. الانفجار القادم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

النيل والأقباط، بحسب كل الدراسات، يحسبان من أهم الملفات التي يجب أن تتصدر اهتمامات الرئيس وعنايته على مر العصور، النهر حياة وحضارة وصراع وبقاء، الأقباط تاريخ وثقافة ورمانة ميزان التوازن والاندماج والجذور، ولا يمكن تخيل مصر دونهما.
الأقباط ليسوا جنسًا متفردًا أو منبت الصلة بالسبيكة المصرية، ففيهم تجمعت الحضارة المصرية برقائقها، ومنهم انبثق مسلمو مصر بالأساس، ومعًا احتفظوا بالتراث المصري الذي ترجم عند كليهما في حياته اليومية، وفي لغته العامية التي احتفظت بالكثير من مفردات لغة المصريين القدماء؛ منها أوطة / طماطم، ترابيزة / منضدة، إمبو / ماء، آهـ / نعم، برش/ فراش السجن، بصارة / فول مطبوخ، توت .. توت / اجتمعوا ..اجتمعوا، خايب / غير متقن الصنعة، .. والكلمات ممتدة.
حتى في الممارسات الدينية كان للمعبد المصري القديم وجود طاغ، في كل الأديان التي انتقل إليها المصري عبر تاريخه المديد، وانتقلت منه إلى كل العالم، فقدس الأقداس في المعبد الفرعوني، نقلها العبرانيون في هيكل سليمان بنفس المسمى، وأخذتها الكنيسة في صدارتها وسمتها حضن الآب، وفي الإسلام صارت المحراب أو القبلة. في كل الأحوال تشهد تجويفًا نصف دائري في مقابل المصلي، يرمز إلى اتساع يقبل كل من يقف أمامه.
ربما يسهم هذا في فهم لماذا تستعصي مصر على التفتيت أو ضرب اندماجها، وربما نكتشف منها طيفًا من سر مصر، التي يسعى البعض مجددًا إلى إعادة المحاولة تحت مسميات ودوافع مختلفة.
على الأرض وفي الواقع المُعاش نشهد سلسلة ممتدة من استهداف الأقباط، حياة ووجودًا، بغير أن يحرك أحد من المتنفذين ساكنًا، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكنا نظن أن هذا الخلل سينتهي مع زلزال 25 يناير الذي بعث الأمل في إحياء الاندماج الوطني مجددًا، فإذا بنا أمام واقع محتشد بالأعمال الإجرامية الموجهة للأقباط بتواتر غير مسبوق، وصمت يقترب من إعلان الرضا، وبعد أن كنا نشهد أحداث الإجرام الطائفي بمعدل حادث كل شهر، صرنا لا نكاد نفيق من خبر اعتداء، ليلاحقنا خبر إغلاق كنيسة، فتهجير عائلات قبطية، فاختطاف رجل أعمال، فهدم مبنى خدمات ملحق بالكنيسة، فاختفاء قاصرات، ويسقط قتلى وتراق دماء، ولا عيون ترى ولا آذان تسمع، ولا سلطة تتحرك، ولا عدالة تجد طريقها إلى الأحداث، وينعم المجرمون بجرائمهم ويخططون للمزيد، الأنكى أن يكون الغطاء في دورة الإجرام الجديدة، دينيًا محميًا ومدفوعًا، بوابل من الفتاوى التي تحتشد بها الفضائيات بلا رقيب أو حسيب.
الخطر أن هذه الأعمال الإجرامية يقترفها مواطنون غير محسوبين على الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، مما يعني أن ما غُرس عبر سنوات مضت، قد أتى ثماره بتخريب الذهنية المصرية، وغير بعيد تعبث أياد، تمول وتخطط وتنتظر تخريب وطن، فمن يكشف لنا أبعاد ما يحدث ومن يقف وراءه، وما تبرير الصمت والإحالة إلى الزمن؟.
هل يمكن أن نلتفت إلى من يقول إن ما يحدث ممنهج لتفريغ مصر من أقباطها، بالترويع والإقصاء والصمت؟، وهل يمكن القبول بالقول إن ما يحدث يخدم على مشروع بعث الخلافة الإسلامية باعتبار أن الأقباط هم العقبة الكبرى أمام تحققه، هل يدرك أصحاب هذه الدعاوى الارتباط العضوي بين الأقباط والوطن، واستحالة قبولهم بغير مصر وطنًا، هل يتصور أن الأقباط يمكن أن يكونوا مدخلهم لتخريب الوطن أو الاصطفاف في مواجهة شركاء الوطن في مصادمة بأي شكل من الأشكال؟، ولكن يظل السؤال في ضوء الضغوط المتلاحقة والفشل في إدارة أزمات الوطن.. من سيحمل مسئولية الانفجار القادم؟
ظني أن الأمر يتطلب تشكيل لجنة قومية تحقق في مسلسل الإرهاب الموجه للأقباط بعد 25 يناير، من خطّط ومن نفّذ ومن حرّض، ووضع تصور لمعالجة الحالة الراهنة بغير تسييس أو تبرير أو إلقاء المسئولية على طرف خفي أو ثالث أو تبني نظرية المؤامرة.
أخشى لو لم يستجب لهذا، أن نجد أنفسنا أمام إدانة دولية غير بعيدة عن متابعة ما يحدث وتحليله والبناء عليه، وربما نجد أنفسنا أمام مطالبات بتدويل الأزمة تأسيسًا على صمت غير مبرر، وحسابات لا تضع أمن وسلام ومستقبل الوطن في أجندتها.
الأيام حبلى بغليان مرشح للانفجار يتحمل مسئوليته من بيدهم السلطة والحكم، والرسالة الأزلية الأبدية أن الأقباط باقون ما بقي الوطن، وعلى من يراهن على غير ذلك أن يعود إلى التاريخ.