تتصاعد التحذيرات من وقوع صدامات داخل البيت الشيعى فى العراق، خصوصا مع انتقال المظاهرات التى تنطلق فى أرجاء العراق كل جمعة إلى محافظات الجنوب، بالإضافة إلى ما شهدته مدن الحلة والنجف من حرق المتظاهرين مقرات تابعة لأحزاب موالية لإيران وحرق صور رموز شيعية مثل الخمينى وخامنئى فى شوارع هذه المدن.
كل هذه الإشارات السياسية الحادة تصدر عن الشارع العراقى فى مقابل تداعيات معارك تحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش، الحقيقة أن مشاهد الانتهاكات المروعة لم تحمل عنصر مفاجأة بعدما تكررت التحذيرات من عواقب تخبط ومكابرة حكومة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى التى أهدرت الكثير من مقومات الانتصارات العسكرية التى يحققها الجيش العراقى فى عمليات تحرير المدن من قبضة داعش، نتيجة سيطرة النزعات الطائفية على الثوابت المطلوبة لأى عملية عسكرية وضرورة دعمها بانتصار سياسى يواكب الانتصار العسكرى.
مشاهد العنف الوحشى التى شهدتها مدينتا الصقلاوية والفلوجة وغيرهما ألقت بظلالها السلبية على عمليات التحرير، خصوصا أن الحكومة الحالية تبدو عازفة عن التحرك خارج إطار الولاءات الطائفية، فهى أبعد ما يكون عن اعتبارات الانتماء الوطنى أو التعبير حتى عن الموقف المستقل للقرار السياسى العراقى، ولو على الأقل بحكم المناصب التى يتقلدها أعضاء هذه الحكومة.
أمام هذا النهج الطائفى كان لا بد أن تتأثر صورة المعركة بظهور أشباح الماضى التى تلوح بالانتقام من مدينة الفلوجة تحديدا لما ارتبطت به من مقاومة شرسة ضد أمريكا وإيران منذ الغزو الأمريكى.
واقع الأمر أنه لا يوجد طرف يتحمل وزر إعطاء العالم هذه الصورة البائسة عما يفترض أنه أهم معارك تدور ضد الإرهاب فى المنطقة العربية سوى التصريحات المتناقضة للمسئولين فى العراق، فى الوقت الذى يعترف العبادى بوقوع تجاوزات من ميليشيات الحشد الشعبى ضد المدنيين خلال تحرير الفلوجة، حيث أصبح من المؤكد أن العبادى يعجز عن فرض سيطرته على هذه الميليشيات بعدما أعلن الكثير منها بيعته لولاية الفقيه فى إيران، وصدر بيان رسمى عن الحكومة العراقية – ليزيد النار اشتعالا- ينص على تعيين قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى، مستشارا عسكريا فى الحكومة العراقية! هذا الكم من الاستهتار السياسى الذى تبديه الحكومة فى التعامل مع أخطر ملفات العراق ومع تصاعد سخط الشارع العراقى ضد الحكومة نتيجة عدم بذل أى خطوات جادة لاحتواء الاحتقان الطائفى والسياسى الذى سببه تدخل إيران فى السيادة العراقية.. ما يؤكد أن النظرة الطائفية الضيقة أعمت المسئولين عن عدة حقائق، أولها التحذير الهام الذى ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حواره التليفزيونى الأخير عن أن مخطط تدمير الدول أصبح يتم عبر الداخل اعتمادا على إثارة الفتن والصدام بين طوائف أو أعراق أبناء البلد الواحد، ثانيا وفق كل مقاييس المنطق السياسى لا يمكن اكتساب مصداقية أمام العالم، بينما أثناء معركة تخوضها دولة ضد تنظيم إرهابى تقوم رسميا بتعيين مستشار، فعليا يقود ميليشيات الحشد الشعبى فى تلك المعارك قاسم سليمانى الذى أدرجته الولايات المتحدة عام ٢٠٠٧ على قوائم الإرهاب، ثم تبعها الاتحاد الأوروبى بإجراء مماثل عام ٢٠١١، لتكتمل هذه القرارات الغربية بتصريحات أكثر عبثية للسفير الأمريكى فى العراق تقلل من شأن كل الانتهاكات الطائفية التى انتشرت تسجيلاتها على الفضائيات الإخبارية ليصفها بأنها مجرد حوادث فردية!
إعلان وزارة الخارجية التركية عن مشاركة قوة عسكرية فى عملية تحرير مدينة الموصل التى باتت وشيكة أيضا، يجدد المخاوف من تحول هذه المشاركة إلى مواجهات انتقامية بين تركيا والأحزاب الكردية رغم إعلان تركيا أن هذه المشاركة تمت بالتنسيق مع القوات التابعة للحزب الديمقراطى الكردستانى الذى يترأسه مسعود بارزانى.. إلا أن العداء التاريخى بين كل الأحزاب الكردية من جهة وتركيا من جهة أخرى لن يضمن تهيئة المناخ السياسى المطلوب قبل معركة هامة مثل تحرير مدينة الموصل، خصوصا أن القوات التركية لم تغادر العراق بعد الشكوى التى تقدم بها الطرف الأخير إلى الأمم المتحدة احتجاجا على وجود قوات تركية على أراضيه.. إلا أنها بقيت تحت مظلة قوات التحالف الدولية. زرع الاحتقان الطائفى على أرض حرب مرهقة وهامة كالتى يخوضها الجيش ضد داعش لن يصب فى النهاية، إلا فى مصلحة هذا التنظيم الإرهابى وظهوره فى صورة الطرف الوحيد القادر على حماية طائفة مضطهدة، وتراجع العبادى عن اتفاقاته بإلزام ميليشيات الحشد الشعبى البقاء حول المدن وعدم السماح بدخولها يؤكد أنه فقد السيطرة على تحركات هذا الحشد بل يحمل دلالات أكثر خطورة، إذ إن تقديم المزيد من التنازلات يوميا لن يضمن بالتأكيد احتفاظ أعضاء الحكومة الحالية بمناصبها بدليل حادثتى اقتحام المنطقة الخضراء فى بغداد التى تضم كل المؤسسات والمقرات الرسمية الحكومية وعودة التصريحات النارية لزعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر حول مظاهرات مليونية ضخمة ستشهدها مدن العراق بعد شهر رمضان.