السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمد العسيري يكتب: عرفتهم "10" رياض الهمشري.. بفرد ضلوعي لحد جرحك يا صديق

رياض الهمشري ومحمد
رياض الهمشري ومحمد العسيري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أكن أعرف أنه نفس الطفل المعجزة الذى كان يغنى فى حفلات الجيش على الجبهة مع العزبى ومحمد رشدى، ولم أكن أعرف أنه مطرب من الأصل.
لكن شغفى باقتناء الألبومات المهجورة من محلات العتبة وشبرا التى كانت منتشرة بكثافة فى عام ٢٠٠٠ أوقعنى فى ألبوم اسمه «حبيبتى».. كانت أغنياته من ألحان فاروق الشرنوبى وآخرين، منهم رياض الهمشرى نفسه.
استغربت ألا يصبح صاحب هذا الصوت مطربًا كبيرًا، وملامح وجهه كفيلة أيضا بأن تجعله نجمًا.. يعنى مساحة القبول عنده كبيرة.. فلماذا لم يحدث ذلك؟! ولم يجبنى أحد سوى بأنه حاول لكن «السوق» لم تجد فيه «فتى المرحلة»، فقرر أن يكمل رحلته كملحن.
وصدر ألبوم لما «الشتا يدق البيبان» للحجار، وحاز نجاحا مبهرا فى كل الأوساط، كانت التنويعة الموجودة داخله كفيلة بأن تجذب له شرائح شتى إضافة لشريحة المثقفين التى اعتادت فى حياتها ألبومات الحجار ومنير فى كل الأحوال.. وكان أن فوجئت بأغنية «انكسر جوانا شىء»، ووجدت اسم بهاء الدين محمد مؤلفا، ورياض الهمشرى ملحنا، ويبدو أن حالة شخصية كانت تطاردنى وقتها جعلتنى أركز مع الأغنية، لدرجة أننى انتبهت إلى «عيب فنى» فى تسجيل صوت الحجار فى أحد مقاطعها، وفى إحدى السهرات التى جمعتنا لم أستطع مسك لسانى فأخبرته بذلك، ورميت العيب على رياض، فضحك الحجار وكأنه أمسكنى متلبسا بالكذب «يا راجل عايز تجاملنى على حساب الراجل الطيب».. وأكمل:
«أولا ده مش عيب فنى.. ده نشاز.. انت عايز تقول كده بس ما حبيتش تضايقنى.. اللحن رائع ومغرى.. كل اللى حصل أن إحنا كنا بنسجل فى استوديو «مباير» اللى ف ش معمل السكر بجاردن سيتى.. ونفس العمارة فيها شقتى القديمة.
ونفس اليوم اللى كنا بنسجل فيه كان يوم طلاقى، لا داعى لذكر اسم الزوجة وكنت مخنوقا ومتأثرا، وحاول رياض تأجيل الاستوديو.. لكننى رفضت ودخلت غنيت.. ولأننى بكيت وأنا أغنى خرج صوتى بهذا الشكل.. ولأنه بشكل علمى لا يمكن الحصول على نفس الإحساس ده مرة ثانية.. رفض رياض الهمشرى والموزع إعادة المقطع:
«انكسر جوانا إيه..
قلبى بيحاول يسامح
انكسر مهما نداريه
بابتسامة حب طارح.. إلخ.
وعموما هو نشاز من وجهة نظرى لكن الموسيقيين لن يعتبرونه نشازا لإنه «شيء مش ملحوظ»، وكان من الطبيعى أن أتابع رياض الهمشرى فى أغنياته لجيل كامل من أول نور المهنا بقدراته الصوتية المبهرة وحتى محمد هنيدى اللى مش بيغنى أصلا فى كامننا»!!
نجح الهمشرى فى أغنيات السينما «صعيدى فى الجامعة الأمريكية مثلا» مثلما نجح فى أغنيات المسرح والكاسيت.. أغنياته للجنس اللطيف لا تختلف عن أغنياته للرجال.. للعرب مثل المصريين.. وكان لا بد إنى أشوفه.. وحدث أن كنت مع صديقى الشاعر إبراهيم عبدالفتاح، وجاءت سيرة رياض، وعرفت أنهما يسكننان معا فى شقة بشارع الحجاز فى المهندسين، وعزمنى إبراهيم للسهر معهما والتعرف على رياض.
أول يوم شفته شعرت أننى أمام نموذج متكرر للموهوبين الكبار.. طريقة استقباله لضيوفه.. تعاملاته مع المكوجى والسايس والبواب.. مناخيره المرفوعة فى وجه منتفخ أراد استغلاله.. وأيضا فوضويته.
وشعر رياض أننى أراقبه فضحك.. وقال.. مالك؟!
قلت مش عارف ليه حاسس إنك بتقلد عم بليغ فارتبك.. وأضاف: «أنا فى العادى مش بقلد حد.. ممكن أكون تلميذا لعبدالوهاب والموجى وبليغ، بس أتحداك تلاقى عندى حرف من حد منهم.. وقاطعته «ياعم أنا بتكلم على الفوضى اللى إنت عايش فيها دى مش على ألحانك.. فخر على الأرض من شدة الضحك.. ثم أكمل «ربنا يستر» كان بليغ وقتها قد تورط فى حادث سميرة مليان، وكان رياض يمر بأزمة زواج ثان لم أكن أعلم تفاصيله.
واعتدت أن أذهب لشقة رياض.. وأسمعه ويسمع ما أكتب.. أشاهده وهو يلحن مجموعة أغنيات كان المفروض أن يغنيها إيمان البحر درويش، حاول رياض أن يمزج فيها بين القديم جدا والأشكال العصرية فى الموسيقى.. كانت تجربة أكثر من رائعة.. لكن إيمان تهرب من التجربة لأسباب غير مفهومة.. فقام رياض بغناء أحد ألحانها بعد أن قام عبدالفتاح بتغيير الكلمات من «يا قمر يا بعيد» إلى «يا هوى المواعيد».. وباقى الكلام للأغنية لا يزال عندى.. وشاهدته وهو يلحن أغنيات لنجوم الخليج.. فى نفس الوقت الذى يلحن فيه كلمات متجاوزة ومدهشة مثل «لفرد ضلوعى لحد جرحك يا صديقى» التى غناها مدحت صالح، ويلحن فى نفس الوقت «ليلة يا ليلة» لهشام عباس، وانفجرت موهبة رياض لألحان لفضل شاكر وراغب وشيرين عبدالوهاب «جرح تانى» على سبيل المثال، ثم اضطرته الظروف بعد عدة أحكام قضائية للهجرة إلى بيروت والإقامة هناك، فى البداية عند أصدقاء له، ثم توالت عليه طلبات المطربين، فاستقل بسكن خاص به، لكن ظلت فكرة عدم قدرته على العودة أمرا مزعجا لا أعرف بالتحديد ماذا حدث.. ولا كيف صدرت هذه الأحكام.. وهل كانت وحدها سبب هجرته أم لا؟ لكننى أعرف أن ما توقعته معه منذ ٢٥ سنة حدث، ولم يهنأ هذا الملحن النادر بحياة مستقرة منذ كان طفلا يغنى ألحان سيد درويش وحتى وافته المنية فجأة فى غربة لم يكن يريدها.