الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

شاومينج.. الرجل الخفي في وزارة التربية والتعليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن ما حدث في امتحانات الثانوية العامة هذا العام حتى كتابة سطور هذا المقال غير مسبوق، إلا ربما في العام 1967 بعد نكسة يونيو، حينما اخترقت إسرائيل الامتحانات وقامت بتسريها في ذلك الوقت، مما أدى بالرئيس جمال عبد الناصر، إلى إصدار قراره بإلغاء الامتحانات، وقد شهدنا في امتحانات الثانوية العامة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، ما لم نشهده قبلها من انفلات وتسيب في كلٍ من عمليتيْ الانتظام في الدراسة لمنتسبي هذه الشهادة الفاصلة في المسيرة العلمية للطالب، والعملية الامتحانية التي يتم تقييم الطالب وفقًا لها.
فبالنسبة لعملية الحضور والانتظام في قاعات الدرس بالمدارس لطلاب الشهادة الثانوية، فحدث ولا حرج، فالمدرسون والطلاب هجروا الفصول والمدارس وحولوها إلى خرابات كبيرة ينعق فيها البوم، فالعملية التعليمية أصبحت تُجرى بمعزل عن البيئة الطبيعية للتعليم وهى المدرسة، وأصبح هناك اتفاقٌ ضمني بين الطلاب والمدرسين على أن التعليم يتم في مراكز الدروس الخصوصية، ليس بعد انتهاء اليوم الدراسي، بل في وضح النهار وفي وقت المدرسة، في تحدٍ واضح لوزارة التربية والتعليم، التي أعلنت أكثر من مرة محاربة الدروس الخصوصية، بل حاولت الوزارة إعادة الطلاب إلى المدرسة تارةً أخرى بتخصيص جزء من أعمال السنة للحضور، إلا أنها رضخت في النهاية لصرخات الطلاب وأولياء الأمور بإلغاء هذه الدرجات والعدول عن قرارها، بما أدى في النهاية إلى تردي العملية التعليمية والتربوية على حدٍ سواء داخل مدارس الدولة المصرية التي تهدف إلى بناء جيلٍ جديد من الشباب ينهض بهذه الدولة، ويتحمل عبء المسئولية المُلقاة على عاتقه في قادم الأيام.
وبالنسبة للعملية الامتحانية، فقد شجع الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة يناير على فتح باب الغش الجماعي على مصراعيه، ونشرت شبكات التواصل الاجتماعي صورًا فاضحة لأشكال الغش الجماعي التي جرت في بعض مدارس الجمهورية، كما دخلت التكنولوجيا الحديثة إلى مجال الغش من تليفونات محمولة ذكية مزودة بخدمة الوصول السريع لشبكة الإنترنت، وسماعات البلوتوث غير المرئية تقريبًا، بل وساعات اليد التي يتم ارتداؤها ويمكن تخزين المقررات العلمية كافة عليها، بل وتخزين الأسئلة وإجاباتها النموذجية.
إلا أن أسوأ ما أصاب العملية الامتحانية في السنوات الأخيرة هو تسريب الامتحانات، وقد بدأ هذا التسريب فيما مضى بعد دخول الطلاب إلى لجان الامتحان، وهو غالبًا ما يحدث نتيجة قيام أحد معدومي الضمير مدرسًا كان أو إداريًا أو طالبًا بتصوير لقطة لورقة الأسئلة بكاميرا التليفون المحمول وتمريرها إلى أدمن أحد المواقع ليقوم أحد المدرسين بالإجابة عن أسئلة الامتحان وتمريرها إلى الطلاب، إما للحصول على عائد مادي يتم الاتفاق على تمريره من المستفيدين (الطلاب)، وإما لإثارة القلاقل في البلاد وخلق حالة من عدم الاستقرار، أو للإيحاء بخروج الأمور عن السيطرة.
ولكن ما حدث في العملية الامتحانية هذا العام غير مسبوق، وذلك لتسريب الامتحان ونموذج إجابته قبل بدء الامتحان بساعات، حيث كشفت مصادر مسئولة عن هوية أحد منفذي عملية تسريب أسئلة امتحان اللغة العربية للثانوية العامة، حيث تبين أن مدرس لغة عربية من محافظة الجيزة، يمتلك (سنتر) للدروس الخصوصية في شارع العريش بمنطقة الهرم، أبلغ الطلاب بالمركز الذي يديره، بأن هناك محاضرة مهمة جدًا في الخامسة صباحًا (أي قبل الوقت الأصلي للامتحان بأربع ساعات بحسب ما ذكرت "بوابة الأهرام". وبالفعل حضر الطلاب إلى (السنتر) بأعداد مهولة (حوالي 3000 طالب) وقام بتوزيع "ملزمة" مكونة من 4 ورقات عليهم، مقابل دفع 25 جنيها للطالب الواحد، وفي أثناء المحاضرة قال لهم المدرس: "الملزمة دي فيها الامتحان". ولاحظوا معي أن المدرس و"السنتر" الذي يديره بمنطقة الهرم التي يوجد فيها المطبعة السرية لامتحانات الثانوية العامة. ومن الواضح أن المسألة دخل فيها ما يمكن أن نطلق عليه "بيزنس" الامتحانات. فمن قام بتسريب الورقة الامتحانية سيتقاسم العائد المادي مع المدرس الذي باع الامتحان وإجابته للطلاب. 
إن البحث في تسريب الامتحانات لا يقتصر على البحث عن "شاومنج" واحد، لأنه للأسف قد يكون هناك أكثر من "شاومنج"، والذي يعزز هذه النظرية هو تعدد المواقع التي تقوم "بتغشيش" الطلاب من جهة، وظهور بعض (السناتر) التي تصل إليها الامتحانات لتبيعها للطلاب، لذا يجب البحث عن أكثر من "شاومنج" بتعدد مراحل إعداد الامتحانات بدءًا من قطاع الثانوية العامة ومرورًا بغرفة العمليات ومركزيْ الامتحانات وتوزيع الأسئلة وانتهاءً بإدارات المطابع وقوة التأمين.
وأيًا كانت هوية "شاومينج" وعدده فهو من داخل الوزارة، سواء يسعى إلى الربح المادي، أو الإساءة إلى قيادات الوزارة التي لم تمر أية امتحانات ثانوية بسلام في عهدها منذ سنوات، أو نشر حالة من عدم الاستقرار في البلاد، كانعكاس للخصومة السياسية مع النظام الحالي. وقد يكون "شاومينج" هو كل هؤلاء، وكل "شاومنج" يعمل من أجل مشروعه الخاص في إفساد حياة المصريين، وضياع جهد الطلاب، والإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بينهم. 
والأسوأ من ذلك أن "شاومنج" جعل الطلاب يعتادون على الغش، ويهاجمونه وينتقدونه إذا لم يقم بتسريب الامتحان في الموعد المحدد. تخيلوا جيلاً اعتاد الغش كيف يبني مصر الحقيقية الصادقة التي لا غش فيها ولا تدليس.. الأمرُ جدُ خطير، ولم يطل تحصيل العلم وعملية تقويم الطلاب، بل طال التربية وضربها في الصميم، وهذا مقصود لكي لا يكون لهذه الدولة أملٌ في المستقبل.. وحسنًا فعلت الدولة عندما اعتبرت هذه القضية قضية أمن قومي، وأوكلت ملفها إلى إحدى الجهات السيادية.
حمى اللهُ مِصْرَ .. الحاضرَ.. والمستقبلَ.. ورَدَ كيدَ الكائدين إلى نحورهِم أجمعين.