الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جريمة في حق القرآن

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العزيز محمد الباز.. الحلقات التي تكتبها عن (القرآن في مصر) هي اقتحام لحقل ألغام، أنت تعرف بالتأكيد خطره وخطورته، لكنك كعادتك تقتحم بجسارة، وتقدم تناولا جريئا، وتضع يدك على الجرح المفتوح، وتلقى بسهامك بلا تردد، خاصة على هؤلاء الذين تاجروا طويلا بكتاب الله، وعبرت أنت عنهم بطريقتك المباشرة وسميتهم: الذين حولوا القرآن في مصر إلى (سبوبة).
وقد تناولت في حلقاتك وأشرت إلى العدد المهيب الذي أصدره أستاذنا الناقد الجليل رجاء النقاش من مجلة (الهلال) يوم كان يترأس تحريرها في العام ١٩٧٠، وخصصه عن القرآن الكريم، وطالب فيه بجرأة تحرير القرآن من القيود التي تكبله، شكلا ومضمونا، بكتابته بحروف عصرية وليست عثمانية، وبتقديم تفسير متطور غير متحجر لآياته، بما يتواكب مع عصر جديد ومسلم مختلف عن زمن الصحابة والتابعين، وكان العدد كما ذكرت تأييدا ودعما للأفكار التي طرحها الدكتور مصطفى محمود في كتابه الذي صدر وقتها وأثار من الجدل الكثير: «نحو تفسير عصرى للقرآن الكريم».
وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظرك إلى كتاب أخطر وقضية أهم، كان رجاء النقاش كذلك هو من نبهنى إليها ودلنى عليها، وهى ليست قضية بل (جريمة) في حق القرآن الكريم يحاول مشايخ السلف أن يخفوا معالمها ويدفنوها، ويجاهدوا كى لا يتذكرها أحد، وكان المفكر الإسلامى المستشار محمد سعيد العشماوى رحمه الله قد أشار إليها وكشفها في كتابه (الخلافة الإسلامية) الذي صدرت طبعته الأولى قبل ٢٥ عاما بالتمام والكمال، وضاع الاهتمام بها وسط الصخب الهائل الذي أثاره موضوع الكتاب، الذي كان يكشف بالأدلة أن الخلافة ليست إسلامية، بل مجرد (سبوبة) وصراع على سلطة ونفوذ وحكم، جرى فيه استخدام الدين وتوظيفه واستغلاله، كشف الرجل وكتابه زيف وضلال الجماعات المتأسلمة وركوبها للدين من أجل السلطة، وتشبثها بفكرة الخلافة ليس لوجه الله ورسوله وإنما سعيا وراء كرسى الحكم وامتيازاته، فقد كانت الخلافة صراعا على السلطة ليس إلا.. وفى هذا الكتاب أورد المستشار العشماوى واقعة في منتهى الخطورة ودلل عليها من كتب السلف، الكتب نفسها التي توقف عندها العقل السلفى ولم يغادرها.. الواقعة تخص تحريفات متعمدة في القرآن الكريم، جريمة ارتكبها الحجاج بن يوسف السقفى مع سبق الإصرار والترصد، ولم تجد من يصلحها ويعدلها.
والحجاج الثقفى كان – للتذكرة – من سفاحى التاريخ الإسلامى ومضرب الأمثال في القتل وسفك الدماء، فهو القائل عن نفسه «ما أعلم اليوم رجلا على ظهر الأرض أجرأ على الدم منى ».. كلفه الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان بقتل عبدالله بن الزبير وقمع تمرده في المدينة المنورة، فقتله الحجاج وعلق جثته لأيام، ومكافأة له ولاه عبدالملك على مكة والمدينة والطائف ثم العراق، ولم يكن جريئا فقط على دماء المسلمين وإنما كذلك على قرآنهم.
وأنقل ما كتبه عنه المستشار العشماوى نصا وحرفا:
« الحجاج بن يوسف الثقفى (٦٦٠- ٧١٤ م) كان معلما – بالطائف- للغة العربية، ثم انتقل إلى صفوف الجند، وصار من أهم عمال عبدالملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبدالملك، وكان هو ثانى من رمى الكعبة بالمنجنيق في حصاره لعبدالله بن الزبير، ثم قتله فقضى على خلافته، ووطأ المنابر كما مهّد الطرق للمروانية (عبدالملك والوليد) واشتهر بالقسوة والظلم والعسف حتى صار علما على ذلك.. ولأنه مدرس لغة عربية فقد تدخل في مصحف عثمان وغيّر أحد عشر حرفا هي:
« لم يتسن» (سورة البقرة ٢: ٢٥٩) جعلها (لم يتسنه) بالهاء 
«شريعة ومنهاجا» (سورة المائدة ٥: ٤٨) جعلها «شرعة ومنهاجا»
«هو الذي ينشركم» (سورة يونس ١٠: ٢٢) جعلها «يسيركم»
«أنا آتيكم بتأويله» (سورة يوسف ١٢: ٤٥) جعلها «أنا أنبئكم بتأويله» «سيقولون لله لله (سورة المؤمنون ٢٣: ٨٥) جعلها «سيقولون الله الله»
«من المخرجين» (سورة الشعراء ٢٦: ١١٦) جعلها «من المرجومين»
«من المرجومين» (سورة الشعراء ٢٦: ١٦٧ ) جعلها «من المخرجين»
«نحن قسمنا بينهم معايشهم » (سورة الزخرف ٤٣: ٣٢) جعلها «معيشتهم»
«من ماء غير ياسن» (سورة محمد ٤٧: ١٥) جعلها «غير آسن»
«فالذين آمنوا منكم واتقوا» (سورة الحديد ٥٧: ٧) جعلها «وأنفقوا»
«وما هو على الغيب بظنين» (سورة التكوير ٨١: ٤٢) جعلها «بضنين»
وفى الحواشى يشير المؤلف إلى المصادر التي اعتمد عليها، وهى من كتب التراث المعتبرة والموثوق بها وبينها كتاب (المصاحف) للسجستانى، و(الموسوعة القرآنية) لإبراهيم الإبيارى، ثم يعلق المستشار العشماوى:
«ولو أن الأمويين كانوا يقدسون القرآن الكريم شأن المسلمين، ويقدرون السلف الصالح كحال المؤمنين لما تركوا الحجاج – أهم عمّالهم – يغيّر في القرآن ولو لفظا واحدا، حتى وإن كان خطأ من النساخ.. والذي يدلل على أن الحجاج قصد إظهار جرأته على القرآن ليس إلا، أنه مازالت توجد حتى الآن بعض الأخطاء النحوية واللغوية – لابد أن تكون وقعت من النساخ – ولم يصححها الحجاج، كما لم يجرؤ أحد على تقويمها إلى اليوم، من هذه على سبيل المثال:
«إن هذان لساحران» بدلا من «إن هذين لساحران» (سورة طه الآية ٦٣)
«إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون» بدلا من «الصابئين» (سورة المائدة الآية ٦٩)
«والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» بدلا من «يديهما» (سورة المائدة ٣٨)
يمكننى أن أعدّد العشرات من تلك الألغام التي يسكت عنها الأزهر، خوفا أو تواطؤا لا يهم.
لكن إذا كان الأزهر قد انتفض بقضه وقضيضه للدفاع عن كتاب البخارى.. فلماذا لم ينتفض للدفاع عن من هو أجّل وأقدس من البخارى.. كتاب الله؟!.