تابع الملايين حوار الرئيس السيسى مع التليفزيون المصرى، وانتظر كل مهتم ما يعالج اهتمامه فى الحوار، تكلم الرئيس عن الشئون الداخلية والخارجية، عن البناء والتنمية المتعددة الاتجاهات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، حتى الرياضية منها كان لها نصيب من حوار الرئيس، انتظرت طويلاً ليكلمنا عن الشأن الداخلى فى مسألة الأحزاب السياسية تحديداً، ولكن انتظارى ذهب هباء، حتى المذيع أسامة كمال وهو المشهود له باللباقة واللياقة والوعى لم يتجه إلى هذه النقطة تحديداً، رغم أهميتها لاستشراف المستقبل الذى يمكن أن يكون عليه حال الأحزاب السياسية فى مصر كشريك رئيس فى عملية التنمية والبناء التى هى محل اهتمام الرئيس. صحيح لدينا قانون للأحزاب، ولدينا عشرات الأحزاب، منها الأحزاب التاريخية التى تأسست مع بداية التجربة الحزبية فى مصر كالتجمع أو بعدها بقليل كالوفد والناصرى، ومنها أحزاب ما بعد يناير، وكل تلك الأحزاب إجمالاً لها ما لها وعليها ما عليها، وبالرغم من ذلك لا ينكر إلا متجاهل الدور المهم الذى لعبته بعض الأحزاب القديمة، خاصة التجمع والناصرى بعد ٢٠٠٣ فى التمهيد ليناير، أما بعد يناير وفى زمن المجلس العسكرى وفى سنة حكم الإخوان السوداء فقد جرت مياه كثيرة فى نهر الحياة الحزبية ورأينا بالمخالفة لدستور ما بعد ٣٠ يونيو أحزاباً دينية، كما رأينا ثبات الأشكال التنظيمية لأحزاب معلنة على الورق متلاشية على أرض الواقع، كما رأينا صعوداً مريباً لأحزاب جديدة، وتبلور ذلك الصعود فى انتخابات البرلمان الأخيرة. ونظراً للارتباك الواضح فى العمل الحزبى بمصر، وحالة التردد لدى معظمها ما بين دعمها لمؤسسة الرئاسة وتراجع دفاعها عن برنامج الحزب الأساسى بهدف تداول السلطة، على الرغم من مئات الملاحظات على الأداء الحكومى، إلا أن صورة الحياة الحزبية فى مصر بدت باهتة ورمادية، وهنا مكمن الخطر، وندلل على ذلك بانتخابات البرلمان الأخيرة التى ارتفعت فيها اسهم الائتلافات وهى بطبيعة الحال مؤقتة ومتناقضة وتفوقت على الأحزاب ذات البرنامج والوحدة الفكرية المتماسكة، وارتفع اسم جماعة «دعم مصر» بقيادة المرحوم سامح سيف اليزل على كل الأسماء الانتخابية، حتى إن تلك الجماعة استطاعت تشكيل هيئة مكتب البرلمان ولجانه بسهولة، وقد ذهب بعض المتابعين فى تحليلهم لهذه الظاهرة أن جماعة دعم مصر هى التشكيل التمهيدى لحزب الرئيس السيسى، وبعدها ثبت عدم جدية ذلك التحليل. فى كل أزمة أو مناسبة احتفالية ذات عمق شعبى يطالب البعض ولو بشكل خجول بأهمية أن يعلن الرئيس السيسى عن حزبه السياسى، مستندين فى مطلبهم إلى أن ذلك يدعم الحركة للأمام، ويستفيد من طاقات مؤيدى الرئيس وتنظيمهم بما يعود بالنفع على البلاد، بدلاً من التحركات المؤيدة العشوائية التى فى بعض الحالات تضر أكثر مما تفيد. وغياب الكلام عن الأحزاب فى حديث الرئيس يضع العديد من علامات الاستفهام، لذا من المهم أن تقدم لنا مؤسسة الرئاسة فى المرحلة المقبلة وقائع محددة نفهم منها تقييم المؤسسة ورؤيتها للعمل الحزبى فى مصر، فالأحزاب ليست ترفاً أو ديكوراً، وكذلك ليست هى المعارضة الصارخة طوال الوقت، سواء كان هناك مبرر لذلك الصراخ أو لا يوجد مبرر، وهى ليست المؤيدة على طول الخط، متجاهلة برنامجها الأساسى، والمثل على ذلك هو أن كل الأحزاب المدنية بمصر تقف مع الدولة فى معركتها مع الإرهاب، خاصة حزب التجمع وهو الحزب الرائد فى هذه القضية، وبينما الحال كذلك فى قضية الإرهاب سنلمح تباينا ما بين توجهات الحكومة والأحزاب فيما يخص قضية العدالة الاجتماعية، وكل تلك الأمور فى تقديرى هى لصالح مصر بالدرجة الأولى، أتمنى أن لا ننتظر طويلاً لترتيب الحياة الحزبية فى مصر بحذف شوائبها وتطوير إمكانياتها الإيجابية وبلورة واقع متفاعل لتبدو فيه الخارطة السياسية بشكل أوضح حتى لو احتاج الأمر تعديل قانون الأحزاب والبناء من جديد.
آراء حرة
الأحزاب ..المسكوت عنها في حوار الرئيس
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق