نتأمل ونتألم مما يحدث حولنا من إرهاب وإهدار للكرامة الإنسانية والدماء الذكية، بعد ما اعتقدنا أن الإنسان حقق من التطور ما يحميه من رؤية تلك الصور التي تقتحم عقولنا صحوة ومناما، ولكن هل للتطور دخل في هذا الانحدار؟! فلنراجع أحوالنا الاجتماعية ونصارح أنفسنا بما اقترفت أيدينا من جرائم، فنحن أجيال تفانت أسرها في إلحاقها بالمدارس الأجنبية، لتحقيق أحلامهم في رؤية أبنائهم كالنموذج الأجنبى، فأصبح الكثير منا أجيالا بلا جذور معلوماتية عن بيئته وانتمائه، ونمت نظرة التعالى وتحول المجتمع إلى الطبقية يوما بعد يوم، ولم تلتفت الأسر إلى ترسيخ القيم الدينية الصحيحة أو القيم الاجتماعية وتعميق العادات والتقاليد التي كانت تبهر المجتمعات الغربية وتجعلهم أكثر احتراما لنا.. فقد تحولنا على أيدى الآباء والأمهات إلى نسخ ممسوخة من حياة ليست في دمائنا، وحدث الصراع الداخلى للعديد من الشباب.. لأنهم حيارى بين حياة المدنية والحرية وأمور دينية في تلافيف العقول بلا أحكام، فكانت التربة خصبة لمن ينتمون إلى ما يطلق عليه التيار الإسلامى الذي ترعرع تحت سطح الأرض، وهو ما يجب أن يلفت نظر أصحاب العقول، لأن كل ما نخشاه ونخفيه بالقطع موصوم بالخطيئة، فالإثم ما حاك بالصدر وكرهت أن يتطلع عليه الناس، فما بالنا بأناس كل حياتهم وأحوالهم تحت الأرض؟! ولكن استطاع هؤلاء استدراج شباب تائه في حياة الصراع الطبقى وأسر تلهث لجمع أموال التعليم المتميز لأولادهم، وهم جهلاء بأن العلم يحتاج لحضانات وأجهزة ترشيح لكل المعلومات التي يجب تفسيرها وتنقيتها ليظل الناتج ناضجا وسليما، ولكن إلهاء الآباء والأمهات في الخروج للعمل وإحساسهم بالراحة بتوفير المستلزمات المادية لأبنائهم أراح ضمائرهم، وتركوا الأبناء عجينة طرية ملساء في أيدى صانعى الفتن وزارعى الإرهاب بأفكارهم العبثية وأحقادهم اللانهائية، وفى أيدى عصابات الإتجار في المواد المخدرة التي تحصد عقول الشباب النضرة وتحولهم إلى كائنات حية بلا عقول، فنحن نعيش كارثة حقيقية لأننا أصبحنا نجهل معرفة من يندرج تحت مسمى مدمن للمخدرات أو منتم فكريا للفئات الضالة التي اختفت ثم تخفت وراء قناع الدين، ثم تبجحوا بتكفير خلق الله من جميع الأديان، ولا أعلم طريقة تأثيرهم التي تجعل شبابا مرفها يتحول إلى قاتل بدماء باردة!! والمشكلة كبيرة ومتشعبة، وعلى علماء الاجتماع وظواهره أن يواصلوا أيامهم في الدراسة لوضع منهج يحد مما يحدث، وإلى أن يحدث ذلك لا بد من تضافر قوى الدولة والأسر في محاولة استعادة هؤلاء الشباب الموتورين..لا بد من إيجاد مؤسسات علاجية على مستوى عال من التأهيل لإصلاح عقول الشباب ومحاولة استعادته كعضو صالح وعامل في المجتمع.. وهو بداية دور الأسرة أن تسلم العضو الفاسد الذي ابتليت به إلى الدولة وهى مؤمنة أن هناك محاولة لاستعادة عقله، ولكن عليها أن تلتزم أيضا أنه في حالة عدم إصلاحه يجب أن يبتر نهائيا وتسحب جنسيته أو يعامل كما يقول كتاب الله عن المفسدين في الأرض «تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ»، وعلى الدولة أن توفر علماء الدين والتاريخ والاجتماع وتبذل كل الجهد في استعادة هؤلاء، فهم وإن ضلوا أبناء مصر وضحية تقصير أسرى مجتمعى، وعلى الدولة أن تعلم أن الابتلاء مقتسم بينها وبين أسر هؤلاء، فالعديد منهم فوجئوا بما حدث من تحول لأبنائهم وعلى الدولة ألا تعاديهم وترفق بهم وتحتضنهم إذا تعاونوا مع أجهزة الدولة في تسليمه، فلا يجب أن نضع الأسرة الرافضة لهذا السلوك والمتبرئه منه في دائرة المنتمين لهذه التيارات، وإلا سنزيد بإرادتنا أعداد الكارهين والحاقدين، وربما يصبح هذا المناخ ملتمس الأعذار لتلك الجماعات الضالة المضللة.. أزمتنا شديدة وتطلب الحكمة والعقل والدراسة والتحليل وتضافر الجهات المعنية، واستقطاب أكبر عدد من أجل المصلحة العامة، وإبراز ما في الدين من آيات وأحاديث وحكم تقوى الترابط، فأغلب أبناء الشعب معتدلو الإيمان، وعاشقون لتراب أرضهم، ومع كل حادث إرهابى نسمع الكثير من الآباء والأمهات يقسمون «أن لو كان من يصنع ذلك ابنى لأهدرت دمه بيدى».. وهم صادقون فالوطن أغلى من النفس، فلا حياة بلا وطن ولا دين بلا وطن، ولا كرامة ولا إنسانية ولا حقوق ولا حلم ولا أمل ولا مستقبل، وقد رأينا وعشنا سرقة الأوطان وتحويل الشعوب المنتجة الراقية كالشعب السورى إلى لاجئين مطاردين على حدود الدول، فهل لم نع وندرك؟!.. ألم يدرك حكماء الأمة وهم كثر أننا في حاجة إلى خطاباتهم ونداءاتهم، وأن يلملموا المتناثر من أبناء الشعب الراغبين في الحياة الآمنة والساعين للعمل والبناء والاستقرار؟
آراء حرة
لا تتركوا أبناءنا في أيدي أعدائنا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق