السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كلنا فاسدون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلنا فاسدون، هذه حقيقة نعلمها جميعا، ونقر بصحتها جميعا، لكننا لا نستطيع البوح بها أو على الأقل، لا نستطيع الاعتراف بالجوانب التى تخصنا أو تخص حجم مشاركتنا أو الدور الذى يلعبه كل منا فى منظومة الفساد، التى تجاوزت حدود الظاهرة، وأصبحت مكونا أساسيا لثقافة قضاء المصالح لدى غالبية شرائح المجتمع، كلنا فاسدون، لأن بعضا منا يلجأ لوساطات أهل السلطة، بغية الحصول على حقوقهم المشروعة، أو اللجوء لدفع الرشاوى من باب الإكراميات لإنهاء إجراءات قانونية أو غير قانونية من موظفين احترفوا تعطيل مصالح الناس، داخل دواوين الحكومة، فى المستشفيات والمدارس والأحياء وأقسام الشرطة والمرور ومأموريات الشهر العقارى وغيرها من الجهات المعنية بالتعامل مع المواطنين، فاسدون لأننا نرى جزءا منا يحصل على استثناءات ومزايا، عبر التقرب لذوى النفوز، وهم يعلمون أنهم يسطون بتلك الاستثناءات على حقوق غيرهم، فاسدون لأننا نغض الطرف عن كل ما نراه حولنا من أوضاع فاسدة دون أن نحرك ساكنا.
واقع الحال يؤكد أن الفساد فى مصر بلغ حدًا مخيفا وصار مهددا لاستقرار الدولة، ومعوقا لخطط التنمية فإذا كان غالبية المواطنين جزءا من مكوناته، إلا أن أنظمة الحكم المتعاقبة هى من وضعت قواعده، راحت ترعاه وتضمن له غطاءً من الحماية منحته النفوز، فصار غولا متوحشا، التهم بين فكيه ثروات الشعب، تربح من أراضيه، تاجر فى قوته، قتل أحلامه دهس تحت أقدامه الأخضر واليابس، طال كل شىء فى حياتنا، فخرج على السطح فهلوية ونصابين وحيتان، استغلوا عجز الرقابة وبجاحة بعض المسئولين فى القطاعات المختلفة وصاروا من أصحاب المليارات على حساب الشعب المطحون حتى النخاع.
فى هذا السياق أرى ضرورة مطالبة الجهات المعنية بالتصدى لهذه الظاهرة، تطبيق قواعد الشفافية، والاعتراف بحجم المخاطر الناجمة عن الفساد، فالاعتراف بوجوده بداية الطريق لإصلاحه وابتكار أساليب المواجهة الجادة، توافرت الشفافية المشحونة بالإرادة لدى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى منح كل الصلاحيات القانونية لتفعيل الدور الرقابى، وإطلاق يد هذه الأجهزة لمحاصرة الفساد من جزوره فى الإطار القانونى دون إذن من المؤسسات السيادية كما كان سائدا، الرئيس اتخذ قراره رغم علمه أن المعركة ضد الفساد طويلة، فعلى الجهات التى أقصدها أن تسير فى نفس الطريق وبنفس الخطوات، بدلا من دفن الرؤوس فى الرمال مثل النعام، كما علينا الاعتراف بأننا لا نعيش فى عالم مثالى والإقرار بأن قيم الفضيلة التى نتحدث عنها فى إطار توجيه سهام الاتهامات صوب الحكومات وحدها، ستظل مجرد عبارات إنشائية جوفاء، ما لم يتم تنقية ضمائرنا من الأمراض المتوطنة، قبل تفعيل الدور الرقابى على جميع مناحى الحياة فى هذا البلد، خاصة أن الضحية لتنامى سطوة الفساد هى المواطن البسيط وبالتالى الدولة، فالفساد لا ينمو إلا عندما يتوارى القانون ويتلاشى التناغم بين أجهزة الدولة، ويعلو بدلا منهما مفهوم البيروقراطية القائمة على التراخى والمشجعة على ابتكار أساليب الفساد. 
فساد الضمائر وراء ظهور فئة من الفهلوية محترفى التربح من الأزمات، مثل هذه الفئة أدركت مبكرا بحسها المكتسب، أن قواعد العقاب مهملة وأن الجهات الرقابية فى واد آخر، لذا فإن المواطن البسيط وحده هو الذى يدفع فاتورة انعدام الأخلاق وعجز الدولة، أؤكد مرة أخرى «عجز الدولة» عن التصدى لهذا الغول الذى دهس تحت أقدامه الأخضر واليابس.
إن كل مصيبة أو كارثة تحدث فى هذا البلد، إلا وكان لها ضحايا، ولها مستفيدون فى ذات الوقت، لذا لم يعد خافيا على أحد أن الواقع على الأرض مكتظ بالممارسات الفاسدة، كما لم يعد بمقدور أحد إنكار أن المجتمع بكل شرائحه صنع منظومة الفساد، وإن كان ذلك بدون تدبير أو تخطيط مسبق، لكن استقر عليه الجميع، باعتباره نتاجا طبيعيا لسياق مجتمعى معين.
أما الفهلوة التى أقصدها فتجسدت بصورة مرئية وملموسة من الكافة فى السنوات الخمس الأخيرة، حيث قفزت البلطجة فوق القانون وحلت جماعات المصالح محل الدولة، صارت هى التى تقرر ما تراه وتقوم على تنفيذ ما تريده، أما الأخطر فهو تورط الحكومات المتعاقبة بالصمت أو العجز رغم علمها بتفاصيل ما يجرى على الأرض، ولنا فى الواقع شواهد وأدلة يعانى من تأثيراتها الفقراء وما أكثرهم، ارتفاع سعر تعريفة وسائل النقل الجماعى «الميكروباص» من فترة لأخرى بمبررات واهية، منها إطلاق الشائعات عن انقطاع البنزين، على أثر ذلك ترتفع تعريفة الركوب بدعوى شراء البنزين من السوق السوداء، لكن بعد توافر البنزين والحفاظ على سعره، يتم الإبقاء على نفس الزيادة التى أصبحت حقا مكتسبا لا يجوز المساس به أو الاقتراب منه. 
إذن نحن جميعا شركاء فى منظومة الفساد بالعجز لأننا نقبل مرغمين تنفيذ ما يملى علينا من سائقى الميكروباص ومسئولى إدارات مواقف النقل الجماعى التابعين للحكومة، وإذا انتقلنا إلى سائقى التاكسى نجد أن غالبيتهم يقومون أيضا بالتلاعب فى العدادات بصورة فجة تهدف مضاعفة القيمة المستحقة على التوصيلة، الراكب فى هذه الحالة فاسد، وسائق التاكسى الفهلوى، فاسد، ورجال المرور الذين لا يفحصون العدادات فى لجان مفاجئة فاسدون، أيضا تجار الجملة والمسئولون عن توزيع الأدخنة على المحال ممن يرفعون سعر السجائر تأسيسا على شائعات متناثرة عن ارتفاع سعرها، ينضم للقائمة التاجر الصغير الذى يقوم بزيادة السعر أو إخفاء الصنف بهدف التربح، وعندما يتوافر الصنف يكون السعر قد استقر وأصبح مسلما به من كل الأطراف وفى هذه الحالة يصبح المواطن شريكا للحكومة النائمة والجهات الرقابية الغائبة فى المنظومة لأنه استسلم طوعا لجشع التجار، حدث هذا فى السلع الأساسية مثل الزيت والأرز واللحوم والدواجن.
علينا الاعتراف بأن ما يجرى على اتساع البلاد من مخالفات صارخة فى البناء بدوت ترخيص والتوسع فى العشوائيات، لا يتم خارج نفس الثقافة، حيث يقف وراء هذه الفوضى موظفون مرتشون، وحيتان وأباطرة يعبثون بسوق العقارات وسرقة الأراضى وتشييد الأبراج الشاهقة بالمخالفة للاشتراطات، فضلا عن ترسانة القوانين المدفونة فى الأدراج بفعل الموائمات، ليحل بدلا منها التقارير الأمنية التى تعوق قرارات الإزالة الصادرة بشأن المبانى المخالفة، دون إدراك لتداعيات ومخاطر هذه الأمور على شبكات البنية التحتية والمرافق إلى تكلفت مئات المليارات من الجنيهات. 
الفساد تجلى أيضا فى أبشع صوره لدى المنتفعين منه داخل القطاعات المتنوعة، عبر استعانة كبار المسئولين بأصحاب المواهب فى النفاق والتطبيل وفئة البصاصين، فمثل هذه النماذج يفعلون ما فى وسعهم لإرضاء رؤسائهم، عبر تنفيذ أوامرهم فى إعلاء قدر التعليمات الشفهية على قوة القانون فى المنح والمنع على حساب المال العام، هذه الأساليب التى سادت، ساهمت بصورة أو أخرى فى دهس القيم النبيلة لصالح المحسوبية والمجاملات وخلق مناخ عفن.