أصبحت الكتابة عن الإخوان باهتة، لا روح فيها، ولا قيمة لها، لم يعد أحد من قادتهم جاذبًا للاهتمام، ولا مبهرًا لتجعل منه مادة تقدمها لقارئ يمل بسرعة، دخلوا فى دائرة العدم باختيارهم الحر، أضاعوا من بين أيديهم فرصة أن يكونوا مواطنين صالحين، فى وطن على استعداد أن يمنح نفسه لكل أبنائه، بشرط أن يمنحوه أنفسهم بلا شروط.
وأنا أتابع ردود الفعل على تسلم مصر حاملة الطائرات الفرنسية «الميسترال»، وجدت من يروج إلى أن النظام المصرى يفعل كل ما يفعله ليكيد الإخوان، ابتسمت ساخرًا مما قرأت، لعلمى أن النظام يتحرك الآن تجاه كل مشروعاته الكبرى، دون أن يلتفت إلى الإخوان، أو رد فعلهم، لا يشغل نفسه بفرحهم أو حزنهم، هم وحدهم من يتخيلون ذلك، يعيشون فى وهم كبير، يحاولون به تسلية أنفسهم وتزجية أوقات فراغهم، لا يصدقون أنهم انتهوا تمامًا.
عندما كان الإخوان يتعرضون لأزمات فى عصر مبارك - كنا نعرف أنها تحدث على هامش صفقات واتفاقات محددة - كانت قطاعات عريضة من الشعب المصرى تتعاطف معهم، خاصة أنهم نجحوا فى الترويج لأنهم يدفعون ثمن دفاعهم عن الإسلام والرغبة فى العمل به، سار وراءهم بسطاء وسذج ومواطنون طيبون، لكن بعد أن وصلت الجماعة الضالة إلى السلطة، سقط عنها قناعها، تعاملوا مع الإخوانى على أنه مواطن من الدرجة الأولى، وغيره مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة، ألغوا شعارهم الذى خدعوا به الملايين «الإسلام هو الحل»، فبدا وكأنه كان شعارًا للخديعة فقط.
بعد ٣٠ يونيو اعتقد الإخوان أن هناك من يريد إخراجهم من الحياة السياسية، هناك من تآمر عليهم ليحرمهم من حقوقهم، تمسكوا بالمناصب، واعتصموا بالكراسى، حاولوا أن يخدعوا الناس، قالوا لهم إن هذه الثورة قامت بها الأجهزة لتقضى على الإسلام، ولم ينتبهوا إلى أن من يريدون خداعهم بهذا الخطاب المتهافت، هم من قاموا بالثورة فعلًا، ولأنهم يعرفون أنفسهم، وأنهم لا يمكن أن يعملوا ضد الإسلام، تأكد لهم للمرة الأخيرة أن هذه جماعة كاذبة وضالة، وهو ما حاولنا كشفه منذ سنوات بعيدة.
ما حدث فعلًا أن الإخوان لم يخرجوا من الحياة السياسية فقط، ولكنهم خرجوا من الوجدان الشعبى المصرى، كفر الناس بهم، أبعدوهم عن بيوتهم، باركوا حصارهم وقتالهم، لأنهم عرفوا أن الجماعة لن تتورع عن قتل كل من يقف فى طريق عودتها إلى السلطة مرة أخرى.
كنت أتعجب من بعض العاملين فى الشأن العام سواء من الإعلاميين الأصدقاء أو السياسيين، عندما كانوا يعترضون على بعض قرارات النظام أو تصرفاته، بحجة أن ما يحدث سيجعل الإخوان يشمتون فينا، لم يكن شبح الإخوان قد توارى بعد، وكان يعتقد كثيرون أن لشماتة الإخوان قيمة، لكن حتى هذا التعامل تراجع كثيرًا، ولم يعد يردده أحد، ففعليًا انتهت الجماعة على الأرض، ولم يعد لها الشأن الذى نعمل له حسابًا.
لهذا كله رأيت ما حاول الإخوان ترويجه عن الكيد السياسى لهم بالميسترال مجرد نكتة بايخة، أو محاولة لإثبات الوجود والقول بأنهم لا يزالون رقمًا صعبًا فى المعادلة السياسية المصرية، فلا تلتفتوا لما يقولون كثيرًا، ولا تقعوا أسرى له، فالجيش القوى الذى يسعى للحفاظ على هذه الأرض، لا يهتم بفئران الأرض المذعورة.. انظروا للمستقبل.. فالإخوان أصبحوا مجرد ماضٍ.