نحن محاصرون من قبل ما يمكن تسميته تتار العصر، يحاصرنا بخبث ودهاء فى إطار مخطط يستهدف تغيير خريطة الوطن العربى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعتمد فى تحركه على فكرة التدمير الذاتى لإخفاء معالم الفاعل الحقيقى لجريمة التدمير، ومن وجهة نظرى نحن أمام تتار أخطر من كل أنواع التتار التى شاهدناها وتعاملنا معها على مر العصور، فإذا كان شاعرنا الكبير د. أحمد تيمور فى قصيدته الكاشفة «بلدى يحاصره التتار» يدق الناقوس لافتًا النظر للخطر المحدق بالأمة نتيجة حصار تتار العصر لنا، فإن د. عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، فى محاضرته الشهيرة «المستقبل ورنين الوطن» ينبه إلى رنين الناقوس الذى يوقظ فى داخلنا معانى الانتماء وحب الوطن!!
والسؤال الذى يطرح نفسه: كيف نواجه تتار العصر الذى كل يوم يتأكد لنا جدية حصاره لنا؟ ربما يرى البعض أن إيقاظ الوعى هو سبيل المواجهة على المستويين الوطنى والقومى، حيث إن المخطط الأقرب للمؤامرة يسعى إلى تفتيت الأمة، خاصة أن كل الشواهد ترسخ هذه الفكرة منذ عام ٢٠١١، بدليل التعامل الدائم معنا بنظرية الكيل بمكيالين، أو دعونا نقول اتباع المعايير المزدوجة فى إدارة العلاقات العربية الدولية، ما يجعل البعض الآخر يعتقد أن مواجهة تتار العصر لا يمكن أن تتم إلا من خلال وجود عمل عربى مشترك.
من هنا فإن الخطر المحدق واحد، والمصلحة القومية واحدة، ومن ثم لا بديل عن إعادة إحياء المشروع القومى العروبى، مشيرا فى ذلك إلى نجاح تجارب وحدوية على المستويين السياسى والاقتصادى وأبرز مثال فى هذا الخصوص الاتحاد الأوروبى، وعليه تتفق الآراء على ضرورة تفعيل العمل العربى المشترك من خلال إعادة هيكلة التنظيم الإقليمى العربى المتمثل فى جامعة الدول العربية التى أنشئت منذ نحو سبعين عامًا فى ظروف اختلفت اليوم كلية، الأمر الذى يحتاج إلى رؤية جديدة توائم بين إمكانات الفعل القومى الحقيقية والمناخ الإقليمى والدولى السائد حتى لا نحرث فى مياه البحر أو نبنى قصورًا على الرمال الناعمة!!.
فى حين يؤكد رأى ثالث أن التكامل الاقتصادى أهم من التوحد السياسى بمنطق الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، لأن الكيانات القوية فى عالم اليوم انطلقت من الفعل الاقتصادى بالأساس، وبعد ذلك بلورت كل عوامل القوة الأخرى.
على أى حال أعتقد أننا نحتاج إلى كل هذه الآراء مجتمعة من منطلق أن الإرادة السياسية للعمل العربى المشترك تستلزم وعيًا قوميًا وتفعيلًا للأدوار الذى يستوجب توافر عناصر القوة الإقليمية من منظور «السياسة والاقتصاد» وهما بطبيعة الأشياء وجهان لعملة واحدة.
فى التحليل الأخير سيظل العرب محاصرين بالتتار طالما بعثرت قواهم وهو منطق التعامل مع العصى المفرقة التى يسهل ليس فقط كسرها إنما إلغاؤها وتجاهل وجودها ولا يبقى أمامنا غير العصى المجمعة التى يصعب كسرها، ما يجعلنا نؤكد بيقين تام أن الحصار لا يجدى مع القوة وأنا مقتنع أن توافر عوامل القوة سيؤدى آجلا أو عاجلًا إلى سقوط تتار العصر كما سقط من قبل كل من حاول حصار أمتنا العربية عبر التاريخ، لكننا فى حاجة إلى استمرار رنين الوطن يتردد فى وجدان الأمة من أجل رفع درجة الاحتشاد وتنظيم الاصطفاف لمواجهة الخطر الذى يحاصرنا داخليا وخارجيا!! .