العقيدة ما يجرى مجرى الدم فى الإنسان، ولا تتغير أبدا باختلاف الزمان أو الظروف أو الثقافات، فعقيدتنا هى أن الله لا إله إلا هو وحده خالق السماوات والأرض ما يرى وما لا يرى، إننا مصريون فتحنا أعيننا بعد أن ولدنا على الأهرامات والنيل الكريم، وهذه العقائد لا تبديل لها، أما الرأى فهو يتغير كل يوم بل كل ساعة أو دقيقة حسب المتغيرات الثقافية والاجتماعية والعلمية.
فما أراه اليوم قبيحا قد أراه جميلا إذا درست كيفية تذوقه، وما أسمعه وأجزم أنه دوشة لا معنى لها قد أغير رأيى فيه إذا درست لغته وعرفت مفاتيحه، وما آخذ به فى طريقة غذائى وملبسى قد يغيره الطبيب أو أغيره أنا بعد أن يكشف لى العلم خطأ ما كنت أقوم به، وتغير رأيى لا يمس عقيدتى التى لا يحاسبنى عليها غير الله سبحانه وتعالى، وقد قال سيدنا أبو بكر لخالد بن الوليد رضى الله عنهما عندما قتل مالك بن نويرة بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله لمَ قتلته بعد الشهادة؟ فقال إنما أسلم عن خوف قال سيدنا أبو بكر: «وهل شققت قلبه»، فلقد أراد الله أن يبقى العقيدة فى حصن حصين لا يطلع عليها إلا هو وحده، فلا تشك فى عقيدتى ولا تحاسبنى على رأيي، بل قل لى كما قال فولتير قبل الثورة الفرنسية «إنى أخالفك فى الرأى تماما ولكنى على استعداد للتضحية بحياتى فى سبيل حريتك فى إبداء هذا الرأى»، وعليك احترام رأيى وإن بدا شططا فلعل علمك وثقافتك قاصرين عن إدراك هذا الرأى، ولا تحاسبنى فى زمنك فقد تكون أسير الماضى، وأنا أتطلع إلى المستقبل أو العكس.
وإذا أبديت رأيا لا يعجبك فخالفنى، وقل رأيك ببساطة من غير تعال، ولا تشعرنى بأنك تملك الحقيقة المطلقة فلا يعلم الحقيقة الكاملة إلا الله، وقديما قال عالم إنجليزى فى وسط مجمع العلماء البريطانيين «كم أشفق على علماء المستقبل فقد اكتشفنا البخار والكهرباء ولم يعد فى وسع علماء المستقبل الإتيان بجديد»، ولم يمض أسبوع واحد على كلامه حتى أعلن عن تفتيت الذرة، ودخل العلم فى منطقة جديدة لم يكن هذا العالم باستطاعته إدراكها.
وأخيرا لنعد عزيزى القارئ إلى زمن لم يخلط الناس فيه العقيدة والرأى والعرف والعادات والتقاليد، ولنرجع جميعا لسماحة الشعب المصرى واحترامهم المتبادل، ويكفى الاطلاع على المقارعة بين د. طه حسين والعقاد وعبد القادر المازنى لنرى كيف كان خلاف الرأى وكذلك أدب خطاب الاختلاف.