السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحراسة القضائية ليست هي الحل!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ البعض يلوح باستخدام سلاح فرض الحراسة القضائية على نقابة الصحفيين كعلاج للأزمة التى نشبت بينها وبين وزارة الداخلية.
وبدلاً من أن يسعى للحل الودي ما بين أهم مؤسستين من مؤسسات الدولة المصرية، ونحن فى أشد الحاجة إليهما فى هذه الفترة العصيبة التى يمر بها الوطن والمؤامرات التى تحاك ضده.
بل إن البعض من غير المنتمين للجماعة الصحفية أقام دعويين فعلا أمام محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة "عابدين"، وهو أمر يتنافى مع مبادئ ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، التى تمت ترجمتها فى مواد بالدستور.
ودعاوى فرض الحراسة على النقابات المهنية هى دعاوى كريهة عانت منها النقابات المهنية فى فترة الرئيس الراحل أنور السادات، واستمرت خلال فترة المخلوع.
وإذا ألقينا نظرة على المواد القانونية الخاصة بالحراسة فى القانون المدني، سنجدها فى الفصل الخامس، وتتكون من ١٠ مواد تبدأ من المادة ٧٢٩ حتى ٧٣٨، وإذا تمت قراءتها جيدًا نجدها بعيدة كل البعد عن النقابات المهنية، ولم يرد بخلد المشروع أن هذه المواد سيتم استخدامها ضد النقبات المهنية، فالمادة ٧٢٩ عرفت الحراسة بأنها: "الحراسة عقد يعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر بمنقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم فى شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبإدارته وبرده مع غلته إلى من ثبت له الحق فيه".
وحددت المادة ٧٣٠ من القانون المدنى حالات فرض الحراسة، حيث نصت علي: "يجوز للقضاء أن يأمر بالحراسة:
١- فى الأحوال المشار إليها فى المادة السابقة إذا لم يتفق ذو الشأن على الحراسة.
٢- إذا كان صاحب المصلحة فى منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطرًا عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه.
٣- فى الأحوال الأخرى المنصوص عليها فى القانون.
وصور الحراسة ثلاثة:
١- الحراسة القضائية وهى التى يتقرر تعيين الحارس فيها بأمر القاضى وهى أكثر صور الحراسة شيوعًا.
٢- الحراسة الاتفاقية وهى التى يكون تعيين الحارس فيها باتفاق ذوى الشأن فيما بينهم.
٣- الحراسة القانونية وهى تكون حيث يقضى القانون بتعيين حارس.
وعرف الفقه القانونى الحراسة القضائية بأنها إجراء تحفظى مؤقت يأمر به القاضى بناء على طلب صاحب المصلحة بوضع عقار أو منقول أو مجموع من المال يقوم فى شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت تحت يد أمين يتولى حفظه، وإدارته ليرده مع غلته المقبوضة لمن يثبت له الحق فيه.
ويعزز هذا طبيعة النقابات المهنية، حيث إنها وجدت لضمان توافر الشروط التى حددها قانونها فمين يمارس مهنتها، وأموالها فى حكم الأموال العامة، وليست عقارًا أو منقولاً أو شركة تجارية، وهذا سر الحماية التى احتفاها قانون العقوبات على أموالها فى المادة ١١٩، حيث نصت: "يقصد بالأموال العامة فى تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعض مملوكًا لإحدى الجهات الآتية أو خاضعًا لإشرافها، ولإدارتها:
أ- الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
ب- الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
ج- الاتحاد الاشتراكى والمؤسسات التابعة له.
د- المؤسسات والجمعيات ذات النفع العام.
ه- الجمعيات التعاونية.
و- الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التى تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها فى الفقرات السابقة.
ز- أية جهة أخرى ينص عليها القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
وتم إقحام النقابات المهنية فى دعاوى الحراسة بسبب الخلاف واللدد السياسى فى الخصومة، وليس لأسباب تتعلق بالمهن التى تمارسها تلك النقابات.
الأمر الذى يجعلنا ننظر بعين الشك والريبة فى هذه الدعاوى، لأن ماضيها أسود ومشئوم، ومنذ نشأة النقابات المهنية لم نسمع عن دعاوى حراسة عليها، لأن قيادتها كانت تتحلى بسمات جميلة، وهى الرغبة فى خدمة زملائهم دون مقابل، وكانوا ينفقون على العمل النقابى من جيوبهم.
وازدهار حال النقابات المهنية كان يؤدى إلى ازدهار حالة الطبقة الوسطى التى تنتمى إليها أغلبية أعضاء هذه النقابات، والعكس صحيح.
ونظرا لظروف نشأتها فى مصر، وذلك فى فترة احتدام النضال الوطني، والمطالبة برحيل الاستعمار البريطانى أدت إلى بروز الدور الوطنى للنقابات المهنية، كما أن ضعف العمل الحزبي ومصادرته بالكامل خلال الفترة منذ ١٩٥٢ وحتى السبعينيات أدى إلى اضطرار القوى الوطنية الديمقراطية للعمل السياسى بالنقابات، إلا أنها كانت حريصة كل الحرص على تفعيل مبدأ خلع الرداء الحزبى على باب النقابة، وهذا يفسر الدور الوطني والديمقراطى اللذين لعبتهما النقابات المهنية، وتصديها لجميع السياسات الضارة بأمن الوطن والشعب، خاصة نقابة المحامين خلال فترة الرئيس الراحل، وتنامى هذا الدور كان السبب فى الصفقة التى أبرمها النظام آنذاك مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، بتسليمهم النقابات المهنية حتى يتصدروا للقوى الوطنية والديمقراطية، وكانت نتيجة هذا مؤسفة.. حيث قام التيار الإسلامى باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وتنامى التنظيمات الدينية المتطرفة، الأمر الذى أدى إلى أن يقوم النظام بمراجعة أمر هذا التحالف، والأخذ بمبدأ التصدى لهم، ومحاولة تطهير النقابات من وجودهم، ولكن للأسف الشديد اتبع النظام أساليب ووسائل أضرت بالنقابات المهنية وأعضائها، ولم تنجح فى تحرير هذه النقابات من هذا التيار، حيث اعتمد على فرض الحراسة على بعض النقابات المهنية، وكانت البداية نقابة المهندسين فى ٢ مايوم ١٩٩٥، ولم ترفع عنها إلا بعد مضى ١٦ عامًا، ثم أعقبتها نقابة المحامين، ونقابة الأطباء الفرعية بالإسكندرية ثم نقابة الاجتماعيين، والمعلمين، والصيادلة.. ثم كانت (الجريمة) القانون ١٠٠ لسنة ١٩٩٣، وتعديله بالقانون رقم ٥ لسنة ١٩٩٥، وكان من نتيجة هذا تجميد العمل النقابى بالكامل، وتحققت مقولة: "تم تحضير العفريت من قبل النظام القائم، ولم يستطع صرفه"، وما زالت النقابات المهنية تعانى حتى الآن من أثر هذا.
وهذا سبب وضع المادتين ٧٦، ٧٧ فى دستورنا الحالى، حيث تنص المادة ٧٦ من الدستور علي: "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم، وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إداراتها إلا بحكم قضائى، ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية".
والمادة ٧٧ من الدستور التى تنص علي: "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها وطريقة قيد أعضائها ومساءلتهم عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفقا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.
ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية فى شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المتعلقة بها".
ورفضنا لفرض الحراسة القضائية على النقابات المهنية نابع من تمسكنا بدستورنا الذى قمنا بصياغته، والموافقة عليه خلال استفتاء شعبي، وحاز على الإجماع الوطني، وتجارب الماضى أكدت عدم جدوى الحراسة، وأنها ما هى إلا نوع من العقاب الجماعى لأعضاء النقابات المهنية، ويستفيد منها أعداء العمل النقابى المهني، وإيماننا بدور الجمعيات العمومية فى المحاسبة، والتطهير، والتصحيح لأى إغراق إعمالاً لمبدأ الشرعية.
ومع تسليمنا بأن قوانين النقابات المهنية عفا على نصوصها الزمن، وأصبحت عاجزة عن مواجهة التطورات التى حدثت لممارسة المهن، والأعداد الكبيرة التى انضمت إليها، وبها قيود تعيق انعقاد جمعياتها العمومية، ومحاسبة مجالس إدارتها والرقابة على أموالها، وآن الأوان لفتح أوسع حوار لمناقشة أوضاع النقابات المهنية لنخلصها من الشللية، وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وحلفائهم.