من وقت لآخر تأتى، لأسباب متعددة ومختلفة، موجة تضع على الساحة فكرة تقارب إسرائيلى فلسطينى، ويعلن عن تفكير حول إنشاء دولة فلسطينية بجانب الدولة العبرية.
هذه المرة اهتم العالم بعودة الفكرة لسبب بسيط، أن مصر قبلت أن تدعم هذا الاختيار فأعطت له مصداقية، بل ذهب البعض إلى أن هناك لقاء مرتقبا بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإسرائيلى ثم كذبته الدوائر الرسمية.
أين الحلم وأين الحقيقة حول ما يقال حول هذا الموضوع؟، في البداية جاءت مبادرة فرنسية تعمل من أجل التقارب الإسرائيلى الفلسطينى حتى تتحقق فكرة مولد الدولة الفلسطينية لتتعايش بجانب إسرائيل. ومن جانب باريس ورئيسها كانت المبادرة تعنى خدمة مستقبل السلام في منطقة الشرق الأوسط المرتبطة دائما بالسلام أيضا في أوروبا.
ولأسباب تكتيكية ترددت إسرائيل في قبولها للمبادرة الفرنسية، وأن نتنياهو أقرب إلى مبادرة تكون مصر طرفا فيها، ووراء ذلك حسابات إسرائيلية مبنية على أساس أن دخول مصر في مشروع سلام إسرائيلى فلسطينى سيقوى فكرة التعاون السياسي المصرى الإسرائيلى، وهذا ما كانت تبغيه إسرائيل منذ اتفاقية كامب ديفيد.
ومن ناحية أخرى حينما ننظر إلى الوجه الآخر من الصورة ومن أفعال نتنياهو على أرض الواقع نجد عنفا وتطرفا ينسف القدر المعقول من التفاؤل بمستقبل السلام في المنطقة.
ولنأخذ نماذج واقعية من الحياة السياسية والأمنية الإسرائيلية لنرى مثلا اختيار Lieberman كوزير للدفاع بتطرفه المعروف وتصريحاته في الماضى بالتهديد بنسف السد العالى، وقوله يوما إنه لا يعبأ بالرأى العام الأمريكى عن مسلك وتصرفات إسرائيل.
ثم نجد نموذجا آخر، الضابط الإسرائيلى Azaria الذي قتل فلسطينيا ودافع عنه كل المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية لدرجة جعلت بعض المعتدلين الإسرائيليين مثل وزير الدفاع السابق Ehud Barak يقول علنا إن نتنياهو والقوى السياسية الخطرة في إسرائيل قد استولوا على الحكم وإنهم يثيرون عدم الاستقرار في بلدنا.
وكذلك يقول وزير آخر للدفاع Moshe Arens إن مسلك نتنياهو يعتبر إهانة للجيش الإسرائيلى، وللعلم فإن نتنياهو في البداية طالب بمحاكمة Azaria الذي قتل الفلسطينى ولكن تحت ضغوط أنصاره السياسيين طلب من المحكمة حكما معتدلا.
والكاتب الصحفى الأمريكى اليهودى Thomas Friedman في جريدة International New York Times يوم ٢٦ مايو، يقول «لكل من يهتمون منا بمستقبل إسرائيل نرى أمامنا ساعة وصورة سوداء».
إذن كيف نستطيع أن نقيم سياسة نتنياهو بين التطرف ومظهرية الاعتدال من وقت لآخر؟، وماذا تستطيع دولة مسئولة عن أعمالها وأفعالها مثل مصر أن تفعل أمام هذا التأرجح؟، لا شك علينا الحذر والحسابات الدقيقة من ناحيتنا حرصا على مصالحنا العليا في المنطقة، كما أن هناك قوى دولية تحاول ممارسة ضغوط على إسرائيل رغم جبروتها، وهى تأتى بقدر معتدل جدا من التأثير مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبقدر معقول مثل فرنسا وبنصيب يحسب لها ولنا من جانب روسيا.
على كل الأحوال نحن نعلم أيضا التقدير والاحترام للرئيس السيسى في معظم عواصم العالم من روسيا وفرنسا، وحتى جزء من المؤسسات الأمريكية مثل وزارة الدفاع التي يهمها الذي قام ويقوم به الرئيس في محاربة الإرهاب. هذا فضلا عن التعاون المتميز بين مصر والسعودية ودول الخليج وجزء هام من أفريقيا.
ولا شك أن نجاح السيد الرئيس في سياسته الخارجية يؤثر أيضا على سياسته الداخلية بتنمية المشروعات، ورأينا ما قامت به فرنسا بمشروعات قناة السويس، وما قامت المانيا به في مشروعات الطاقة والكهرباء مع شركة سيمنس.
وإذا كنت هنا أتكلم عن نجاح الرئيس السيسى في سياسته الداخلية والخارجية في حين أن الموضوع الأصلى هو عن سياستنا تجاه المستقبل الإسرائيل الفلسطينى، فالسبب في ذلك أن قدرة الدولة وقوتها في سياستها الخارجية ومشروعاتها تقوى وتدعم دورها الإقليمي.
بالنسبة لفلسطين اليوم والأمس وغدا ستظل مصر هي راعية الأمل لإخراج فلسطين من أزمتها.