فى المقال السابق وضحنا كيف أن العرب قد اعترفوا ضمنيًا بدولة إسرائيل عند موافقتهم على قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ الصادر فى نوفمبر ٦٧، ورغم ذلك فقد عارضوا بشدة زيارة الرئيس السادات إلى القدس فى ٧٧ ومبادرته التاريخية لإقرار السلام فى المنطقة، واعتبروه خائنًا وعميلًا ومجرمًا، وقرروا قطع جميع العلاقات مع مصر، ونقل جامعة الدول العربية من مقرها الدائم بالقاهرة إلى تونس، وأنشأوا إذاعات مخصصة لشتم وسب السادات، ولكنهم بعد وفاته بعقد من الزمان ذهبوا إلى مدريد للتفاوض على نصف ما كانوا سيتفاوضون عليه أيام السادات، وهم فى هذا المؤتمر - مدريد - قد أقروا واعترفوا رسميًا بدولة إسرائيل بعدما ظلوا لأكثر من نصف قرن يشنفون آذاننا عبر إعلامهم بلفظ الكيان الصهيونى، ويحدثوننا عن تدمير هذا الكيان وعن نهايته الوشيكة، ولكنهم وبضغط من الاتحاد السوفيتى وأمريكا ذهبوا إلى مدريد، وكان المؤتمر قد عقد برعاية أمريكية - سوفيتية، وحضر جلسته الافتتاحية الرئيس جورج بوش الأب، والرئيس ميخائيل جورباتشوف، ولعل هذا هو المحفل الدولى الأخير الذى حضره الرئيس السوفيتى قبل تفكك الاتحاد والإعلان عن نهاية دولة عظمى، وتم التأكيد فى هذا المؤتمر على مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى قبول جميع الأطراف لقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار ٢٤٢، وجلس الوفد السورى برئاسة وزير خارجيتها آنذاك، فاروق الشرع، مع الوفد الإسرائيلى برئاسة إسحاق شامير، وتحدث بوش الأب عن إمكانية تحقيق السلام فى المنطقة وطوى صفحة الماضى، بينما تحدث جورباتشوف عن مرحلة ما بعد السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، وانتهى المؤتمر دون الوصول إلى اتفاق واضح المعالم، فالجميع أعلنوا استعدادهم للتفاوض وإنهاء حالة الحرب، أما آليات تحقيق ذلك فقد غابت عن المؤتمر، وفى عام ١٩٩٢ صعد بيل كلينتون إلى سدة الحكم فى الولايات المتحدة، وخسر شامير الانتخابات فى إسرائيل لصالح إسحاق رابين، وأقام الإسرائيليون اتصالات سرية مع الفلسطينيين توجت باتفاق أوسلو والذى وقع فى سبتمبر ٩٣، وتصافح لأول مرة ياسر عرفات وإسحاق رابين، وقد سمى هذا الاتفاق بأوسلو نسبة إلى العاصمة النرويجية التى احتضنت المباحثات السرية بين الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى، ونص الاتفاق على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل فى مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطينى، وإقرارها بحق الفلسطينيين فى إقامة سلطة حكم ذاتى فى الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إقامة مجلس تشريعى منتخب وقوة شرطة لحفظ الأمن وذلك كمرحلة أولى فى سبيل التسوية النهائية والدائمة والتى ستشمل قضايا القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وتفكيك المستوطنات وأيضًا الترتيبات الأمنية، وعرضت الحكومة الإسرائيلية الاتفاق على أعضاء الكنيست وتمت مناقشته وإقراره بنسبة ضئيلة، بينما اعترضت حركة حماس وغيرها من المنظمات الجهادية والتى رفضت الاتفاق شكلًا ومضمونًا، بل وقامت بعدة هجمات انتحارية ضد الإسرائيليين كرد فعل منهم على هذا الاتفاق، بينما عاد ياسر عرفات إلى غزة فى ٩٤ ومنها إلى الضفة لينتخب كأول رئيس رسمى للسلطة الفلسطينية، وتتهمه حماس بالخيانة والتآمر وبيع القضية ليكرروا من جديد نفس ما فعله العرب مع السادات، وكأنهم لا يريدون أن يتعلموا من أخطاء الماضى، فهم يتمتعون بقدرة عجيبة على إضاعة الفرص وبقدرة أكبر على حشو عقول البسطاء بهتافات «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» ثم وبوساطة محمد مرسى فى ٢٠١٢ يوافقون على بنود اتفاق وقف إطلاق النار وفيها إن حماس مسئولة عن ملاحقة أى فصيل يخترق الهدنة مع إسرائيل، والسؤال الآن من يريد السلام ومن لا يريده؟ من يؤجج الصراع فى المنطقة بنزاع داخلى بين الفلسطينيين وبعضهم، وكلما تمت دعوتهم للتصالح فى القاهرة انتهى الأمر إلى مجرد كلام على ورق، وكلما بدأت مفاوضات جديدة بين منظمة التحرير وإسرائيل تقرر حماس إحراج السلطة الفلسطينية بعمليات عسكرية ضد الإسرائيليين، فمن يا ترى كان صاحب المصلحة فى وصول حماس إلى السلطة فى ٢٠٠٦ وهو يعلم تمام العلم أن القضية الفلسطينية ستدخل منعطفًا جديدًا، لا سيما أن اللجنة الرباعية لإقرار السلام فى الشرق الأوسط والمكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا والأمم المتحدة قد طلبت من حماس نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والقبول بالاتفاقيات التى وقعت مع منظمة التحرير ثم استكمال مسيرة السلام بالتفاوض، لكن الرد يأتى على لسان قادتهم كإسماعيل هنية الذى قال «سنأكل الزعتر والأعشاب والملح ولكننا لن نكون خونة» وقول آخر «أقصى ما تمنحه الحركة لإسرائيل هدنة لعشرة أعوام»، فهل هم قادرون حقا على خيار الحرب؟.. وللحديث بقية.
بوابة العرب
إسرائيل والسلام "2"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق