من الواضح أن هناك فجوة بين قطاعات كبيرة من المصريين والحكومة، وهو ما أدى إلى وجود مساحة من عدم التفاهم، أو الاقتناع من جانب الشارع بالجهود الحكومية المبذولة لحل المشاكل التى تواجه البلد بشكل عام.
الحكومة من ناحيتها لا تستشعر بحالة رضا المواطن تجاه إنجازاتها، وترى أنها تستحق مكانة أفضل لدى الشارع، بينما المواطن يعلن بصراحة أن إنجازات الحكومة يجب أن تمس حياته أولًا رافعًا شعارًا فى مواجهتها "لا للانتظار".
فى ظل غياب قنوات التواصل بين الطرفين ستظل الحكومة تعمل.. والناس غاضبة، الحل بسيط وهو ضرورة إيجاد آلية لجذب الناس للمشاركة وقد اقترحنا مرارًا أن يكون هناك حوار شفاف بين الوزراء وقطاعات الشعب.
حوار مختلف عما كان يحدث، ونبتعد عن أسلوب: وزير على المنصة ومجموعات أمامه، يتحدث، ويفتح حوارًا ويجمع الأسئلة والاستفسارات والاقتراحات مبشرًا الحضور بأنه سيرفعها إلى الرئيس السيسى أو المهتمين!!
هذا السيناريو تحديدًا أرى أنه وراء فقدان الثقة بين الناس والرسميين بصفة عامة ومنذ عشرات السنين.
فى ظل حوار حول طلبات غير قابلة للتنفيذ إذا ما دارت حول تغيير قوانين أو مواد الدستور أو مشروعات لا يقابلها موارد للتنفيذ.. الحضور عندما يقدمون المقترحات للوزير أو المسئول هم هنا يعتقدون أن مقترحاتهم سيتم تنفيذها فورًا، الحكاية إننا حتى الآن ليس لدينا وزير أو مسئول يمكنه أن يقود حوارًا جادًا ومعظم الحوارات التى تدور هنا أو هناك يغلب عليها المظهرية وعادة ما تنتهى كما بدأت بعودة الطرفين ودون نتائج.
المفترض من الحوار هو الوصول إلى نقطة المشاركة من جانب الناس لعمل الحكومة وتفهمهم لما تبذله من مجهودات وهو ما يحقق الشراكة فى النهاية بين الطرفين وبالتالى تسود الثقة.
ما يحدث الآن.. أن الحكومة فى واد والناس فى واد آخر، الحكومة تصرخ: يا ناس، أنا بشتغل، والناس من جهتها طيب أزمة ارتفاع الأسعار التى التهمت كل الزيادات المالية من المسئول؟ الحكومة تعلن عن ألوف من الوحدات السكنية فى مناطق جديدة لاستيعاب الطلبات المتزايدة على الإسكان. والناس ترد: طيب ليه أسعار الشقق نار؟ الحوار الذى يجرى الآن وهو بالمناسبة محاولات فردية لن يحقق المطلوب؛ لأن البلد كله يحتاج للحوار.
الحوار الغائب هو أساس المشكلة التى نعانى منها فى تخلف قطاعات كثيرة عن فهم ما يحدث على الأرض من أعمال وإنجازات أو غياب التفاهم وبالتالى وجود عدم الثقة، ونشر الشائعات وحالة البلبلة والانقسام والتشرذم الموجودة.
بالطبع هناك عمل وإنجاز ومحاولات لحلول مشاكل تاريخية موجودة وهناك تصميم وإرادة واضحة فى التنفيذ.. لكن أيضًا هناك قطاعات ليست بقليلة غير مدركة للصراع الدائر بين الدولة ومعوقات الإصلاح فى كل المجالات.
بالطبع الإعلام لعب دورًا واضحًا فى الثورة وحقق النتائج لنجاحها ولم يؤدِ نفس الدور وبقوة فى عملية بناء الدولة، بمعنى أوضح: كان لاعبًا متميزًا فى توحيد الغضب وتأجيج المشاعر الرافضة لهدم الدولة، لكن فى مرحلة بناء الدولة.. تخلف ولم يحقق نفس النتائج!!
لأن فى عملية بناء الدولة نحتاج لأصحاب الأفكار الملهمة بحلول لمشاكل المجتمع.. حلول عملية تتلاءم وما لدينا من إمكانيات.. بعيدة عن المزايدة.
هذه قضية مهمة؛ لأننا لو وجدنا الفكرة لن نجد من يجسدها ، أو يطرحها أو يسوقها.. الإعلام يرفض أن يكون جزءاً من الحوار لأنه لا يريد المغامرة. لذا فتح مجالات جديدة ليضمن البقاء.. مثل الشعوذة أو اصطناع الخناقات.. والإثارة.. وزيادة مساحات الفن والرياضة أو الحوادث وهى مساحات آمنة!!
الإعلام يحرق حتى الحوارات التى تدور فى ظل غيابه ولو تم جذبه هو يكتفى بالمشاهدة أو النقل دون تدخل وهى درجات سلبية لا تفيد..
على م. شريف إسماعيل.. البحث عن مخرجين جدد للحوار، وكتاب سيناريو بعيدًا عن الوزراء بعد أن أثبتت التجربة أنهم قد يجيدون فى الأعمال لكن فى قيادة الحوار غير موفقين والحل أيضًا بالبحث عن فرسان للحوار.
وقبل أن ندفع بهم للمسرح يجب أن تدرس أفكارهم، الأدوات، التجربة حتى خروج الألفاظ، حوار جاد وهادف لنصل لنقطة الشراكة بين الحكومة والشعب، وهى نقطة غير مستحيل الوصول لها.