رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

أشعر بالخجل كوني أنثى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال، فلم أعتد على كتابة المقالات، وأكتفى فقط بكونى صحفية تبحث دائمًا عن الخبر لتقدمه للقارئ، هذا بالإضافة لكونى باحثة أقوم بعمل دراسة ماجستير حول "صورة المرأة في الخطاب السلفي"، ولكن فزعى وخوفى الذي أصابنى حين سمعت حادثة تعرية سيدة مسنة في المنيا هو ما دفعنى وبشدة لكتابة مشاعرى كأنثى أولًا تعيش في مجتمع شرقى ذكورى، وكأم ثانيًا تخاف وتشعر بمعاناة الأبناء إذا ما حدث مكروه للأم، فقد انتابنى شعور بالعار والخزى حين رأيت ما وصلنا إليه الآن في مجتمعنا، واقعة تقشعر لها الأبدان وتسقط أمامها كل معانى الرجولة والإنسانية، حين نرى مجموعة من البشر أقل ما يمكن وصفهم به أنهم حيوانات تقوم بتعرية سيدة مسنة - في عمر جدتى والتي تعيش أيضًا في محافظة المنيا- وزفها عارية وتجريسها في قرية الكرم بمركز أبوقرقاص بالمنيا لا لشيء أو ذنب اقترفته سوى أنها أم لشاب مسيحى قد أثيرت حوله الشائعات بإقامة علاقة غير شرعية مع سيدة مسلمة، ذلك إضافة إلى قيامهم أيضًا بإحراق عدد من بيوت الأقباط ممن ليس لهم علاقة بهذه القضية من الأساس، ولكن فقط لكونهم من نفس ديانة الشخص المتهم من قبلهم.
لن أتعجب كثيرا عند سماع تلك الحادثة فهذا هو تطور طبيعى لسنوات من الجهل والتطرف والتعصب الدينى لعدد ليس بالقليل من الشباب، وذلك نتيجة ما حدث لهم من "غسيل مخ" من الجماعات المتطرفة والمتعصبة فكريا والتي نشرت أفكارها المسمومة بينهم، فهذا ليس وليد اللحظة، وإنما نتاج سنوات من العنف والتطرف والتعصب الدينى الذي غزا بلادنا بشكل عام والصعيد بشكل خاص، ولا يمكننا تناول هذه الحادثة دون ربطها بحوادث مماثلة على مدى السنوات الماضية والتي ظهرت بوضوح في حرق الكنائس بعد عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسي، كل هذا وسط عدالة بطيئة وقوانين عقيمة أكل الزمن عليها وشرب، فوضع المرأة لدينا مخزٍ، ما زالت صورتها منقوصة، فهى من تجلب العار لأهلها وهى الضلع الأعوج والحيطة المائلة، كل هذه الصور مرتبطة في مجتمعنا بالمرأة وخصوصًا في صعيد مصر حيث تعانى المرأة من كل أشكال القهر المجتمعي، فالآخر دائما ما يفكر فيها إما كآلة جنسية يستمتع بها أو كعورة يجب تغطيتها، وأيضا حين فكروا في إهانتها كانت تعريتها هي السبيل الأوحد. تلك الحاذثة جعلتنى أشعر بالخجل كونى أنثى ينتهك عرضها وشرفها في الشارع أمام المارة ممن أصيبوا بالبرودة وانعدام النخوة، ووقفوا يتفرجون، فبهذه الحادثة كلنا تعرينا وكلنا تم انتهاكنا، فالأصل في الموضوع هو المبدأ والفكرة.
منذ أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وقد أخرجت أسوأ ما فينا، فرأينا ظاهرة التحرش العلنى في الشوارع واغتصاب الأطفال، فنحن نحتاج إلى ثورة حقيقية على أنفسنا وعلى أفكارنا المتطرفة والمبتورة حول المرأة التي تمثل أمهاتنا وبناتنا، فإلى متى ستظل المرأة في مجتمعنا تعانى ليس لشيء غير كونها أنثى. 
نعلم أن هناك من يتربصون بهذا الوطن، ينفخون في النار، ويروجون لكل ما يمكن أن يحرق الأخضر واليابس، ولكن إلى متى سوف ندفن رؤوسنا في الرمال حتى لا نعطى فرصة للأعداء للتشفى فينا، فنصف الحل هو أن نقوم بمواجهة أنفسنا بالواقع الأليم، وهنا يتجلى سؤال: أين مؤسسة الأزهر العريقة مما يحدث للمرأة المصرية الآن؟ وكيف تترك تلك الأفكار المتطرفة الراسخة في أذهان شبابنا تتفحل وتنتشر، دون أي تدخل رغم أن الصعيد يعانى من انتشار تلك الأفكار المتطرفة على يد الجماعات الإسلامية منذ سبعينيات القرن الماضى، حينما كان الأقباط يدفعون الجزية ويُرهبون ويهجرون من بيوتهم، فهل أمر الدين الإسلامى بأن نصمت عن كل هذا وعن حقوق الآخرين سواء بانتهاك المرأة بشكل عام؛ مسلمة أو مسيحية أو حتى كافرة؟
وهنا لدىّ ملحوظة، تلك الحادثة المشينة ليست الأولى من نوعها التي تحدث فيها كارثة بسبب علاقة بين مسيحى ومسلمة أو العكس ولن تكون الأخيرة إذا ظل نفس التعامل الأمنى معها هكذا عن طريق وأد الفتنة وتجاهلها دون حلها، بل في بعض الحيان لا يتم الاعتراف بها وذلك بالرغم من أن تلك الحادثة أكثر بشاعة وعدم إنسانية من غيرها.
أشعر أنى في حاجة لأن أصرخ وأعبر عن غضبى لما حدث، ولكن لن تكفى صرخات الكون كله ولا مقالات الدنيا وما فيها للتعبير عما أشعر به في داخلى من غضب وخوف كبير على ابنتى الصغيرة أن تكبر في بيئة تراها هي سبب كل البلاء والانهيار الأخلاقى الذي يعانى منه مجتمعنا الذكوري.
أقول لكل من حاول تجاهل تلك الأزمة والتعتيم عليها إن هذا الزمن وهذه الآليات في التعامل مع مثل هذه الأحداث بتلك الطريقة قد ولي.
وأخيرًا لا أمتلك سوى أن أقول: حسبى الله ونعم الوكيل في كل من كان بيده إنقاذ "جدتى" من هذا المصير ولم يفعل.