تبدأ وتنتهى أزمة الطائرة المصرية عند نقطة واحدة، وهى استهداف الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية، قد لا تكون من أنصار نظرية المؤامرة، لكن الأمر هذه المرة لا يمكن فهمه أو الوصول إليه بغير هذه النظرية، لأنها تعبر عن حقيقة ما يجرى داخل وحول الدولة المصرية.
وحتى نفهم ما حدث يجب أن نستعيد ذكرى "إسقاط" وليس سقوط الطائرة المصرية عام 99 قبالة السواحل الأمريكية، قالت وسائل الإعلام الأمريكية إن نطق الطيار للشهادة معناه أنه كان يحاول الانتحار، وحاولت بكل الطرق حماية سمعة مطار نيويورك، وسمعة شركة بيوينج الأمريكية، وتمكنت عبر سيطرتها على الميديا العالمية أن تنهى القضية بتلك الطريقة رغم الرفض الرسمى لتلك الرواية التى تنال من السمعة العالمية للطيارين المصريين إلى أن ظهر الاختراق الكبير للمطارات الأمريكية بعدها بعامين فى حادث 11 سبتمبر الشهير.
فى نوفمبر الماضى تم إسقاط طائرة روسية تحمل سياحا فوق سيناء، فى أقصى ضربة للعلاقات المصرية الروسية القوية، وللسياحة المصرية المنتعشة فى تلك الفترة بعد غياب طويل، وفور الإعلان عن إسقاطها تبارت الصحف الدولية لإدانة المطارات المصرية واستفادت تلك الهجمة بجهل قطاع فى الإعلام المصرى بحروب الإعلام الدولية وشعوره الدائم بالدونية والتبعية للإعلام الغربى صاحب المعلومات الصادقة طوال الوقت، فسار خلفها ليعزز تلك الصورة فى المجتمع المصرى ذاته دون الانتباه لخطورة السير وراء تلك المعلومات المضللة على الدولة المصرية ذاتها، كما تداخل مع الرواية الغربية إعلام داعش الذى أعلن مسئوليته وجماعة الإخوان الإرهابية وبواقى نشطاء يناير عبر وسائل التواصل الاجتماعى لإدانة الدولة المصرية فى محاولة للنيل منها ودعم محاولات الحصار الغربى.
ومع الضغط الدولى المبالغ فيه خضعت مصر لجهات تفتيش دولية لتتأكد من إجراءات الأمن داخل المطارات، مع توالى نشر موضوعات عن دفع رشاوى داخل المطارات فى الصحف الإنجيلزية ورواية مكذوبة لأحد الطيارين الإنجليز أنه شاهد صاروخا منطلقا نحوه من سيناء، وتمكن من الهروب منه على نمط أفلام الجاسوس الإنجليزى الشهير جيمس بوند أو 007، وكلها روايات هدفها النيل من الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها مؤسسة دولية بحجم وتاريخ مصر للطيران.
فى ذلك الوقت استندت الضغوط الدولية على حقيقه فنية وهى مسئولية مطار الإقلاع عن كل ما يتعلق بالطائرة، ولأن مطار شارل ديجول هو المسئول عن كل ما يتعلق بالرحلة 804 القادمة من باريس فى اتجاه القاهرة والتى سقطت فى المتوسط بعد دقائق من دخول المجال الجوى المصرى، حاولت نفس أجهزة الإعلام التى دافعت عن الولايات المتحدة فى رحلة عام 99 وأدانت مصر فى سقوط الطائرة الروسية صناعة روايات جديدة لإبعاد الشبهة عن فرنسا دولة الإقلاع ومنشأ طراز الطائرة وهو إيرباص.
وللمرة الثالثة نرى ردود أفعال الإعلام الغربى منحازة كليا ضد مصر ومصالحها الوطنية، ومحاولة لضرب السياسة المصرية تحت الحزام فى معركة غير متكافئة على الإطلاق، وكانت بريطانيا أول دولة أعلنت السقوط، بينما الكل يتحدث عن اختفائها من على شاشة الردار، وهو دور يتطابق مع دور سابق لها حينما قالت إن استخباراتها توصلت لمعلومات حول الطائرة الروسية التى سقطت فى سيناء ورفضت تسليمها لمصر فى لعبه قذرة تكشف أن العالم لا يريد التعاون مع دولة تحاربه بشكل حقيقى وتصد هجماته بالنيابة عن العالم كله.
الانحياز السافر يظهر فى عدم حديث أى جهاز إعلامى أو دولة واحدة عن ضرورة خضوع مطار شارل ديجول لإجراءات تفتيش دولية أسوة بمصر، فهى المسئولة عن الإقلاع، ومسئوليتها مباشرة لو كان هناك تفجير أو خطا فنى بحسب القواعد الفنية المتعارف عليها.
ولعل صحفية لوسوار المستقيلة بسبب توجيه إدارة التحرير لإدانة مصر يؤكد خضوع وسائل الإعلام الغربية والفرنسية لخط الدولة الفرنسية التى تحاول الالتفاف حول تلك الحقيقة، والحقيقة أن مطار شارل ديجول تعمل به عمالة كبيرة من دول شمال أفريقيا، وهناك شبهات حول انتمائها لتيارات إسلامية متطرفة على رأسها داعش وجماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما يفسر أيضا ظهور الإخوانى الهارب هيثم أبو خليل بتويتة فى نفس يوم سقوط الطائرة ليقول إن رجالنا فى فرنسا قاموا بعمل كبير.
فى السياق ذاته، ذكرت صحيفة "ليكسبرس" الفرنسية أن المحققين يعملون على قدم وساق بمطار شارل ديجول الذي يخضع لمراقبة شديدة بعد هجمات نوفمبر 2015 لرصد أي علامات تطرف على العاملين بالمطار.
وكتبت الصحيفة أنه عقب هجمات نوفمبر قامت السلطات بفحص 86 ألف تصريح دخول لمناطق خاصة داخل المطار، مضيفة أنه ما بين يناير ٢٠١٥ (أي عقب هجمات شارلي أبدو) وأبريل 2016 فقد تم رفض منح وتجديد تصاريح لنحو٦٠٠ شخص من بينهم 85 يشتبه بتطرفهم واقترابهم من فكر داعش.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله إنه رغم ذلك لا يزال هناك 400 حالة تطرف مثيرة للقلق تعمل فى المطار!
وللأسف الشديد يكرر الإعلام المصرى نفس الغلطة ولا يلتفت لما نشرته فرنسا ذاتها حول شبهات عن وجود متطرفين يعلمون فى مطار شارل ديجول وعدد من مطارات أوروبا، وهو ما يؤكده الاختراق الأمنى الأخير الذى نتجت عنه هجمات باريس، وأيضا ما شهدته بروكسل ولندن وعدد من العواصم الأوروبية والولايات المتحدة، ويقوم بها متطرفون تقاوم مصر محاولتهم لإسقاط الدولة المصرية.
كان يجب على الإعلام المصرى أن يعى خطورة السير خلف الروايات الغربية سواء المتحدثة عن صدور إنذار بوجود دخان أو شبهات انتحار أو تطرف طيار مصر للطيران لأن كل هذه روايات تسعى لإنقاذ فرنسا، كما نجحت فى إنقاذ نيويورك من قبل، لكنه لم يحمها من هجمات 11 سبتمبر، وهو ما نحذر منه فرنسا التى يتوقع تعرضها لهجمات أخرى من عناصر مازالت متغلغلة فى المجتمع الفرنسى ومنشآته الحيوية.