توقفنا بعد مسرحية «أنت حر»، لأن عقدنا مع مسرح «الليسيه» انتهى، فعمل صبحى فى مسرحية لجلال الشرقاوى، وانشغلت أنا فى كتابة مسرحية باسم «الشقة مفروشة» من إنتاج وإخراج المخرج شاكر عبداللطيف وبطولة أمين الهنيدى، وكنت قد كتبتها بالفعل، لكن بعض الظروف الخاصة جعلتنى أكتئب بشدة، فتوقفت عن الكتابة، ورحت أمشى كل يوم من بيتى فى شارع ضريح سعد إلى مسرح «نجم».
وقليلا ما كنت أشاهد أجزاء من المسرحية، نتيجة لحالتى حتى خرجت منها، وبعد أن انتهى صبحى من عمله مع جلال الشرقاوى رحنا نتقابل يوميا تقريبا، ولم يكن فى ذهنى فكرة جديدة.
وكلما خطرت لى شبه فكرة أجدها توقفت بسرعة، ولم أجد لها بقية. ثم جاءنى صبحى وقال لى إن منتجا عرض عليه أن يؤجر لنا مسرحه. لكن لا فائدة ما دام ليس عندى مسرحية، ولذلك لا يمكن أن نستأجره. فوجدتنى أقول له إننى قد أتمكن من كتابة عمل جديد. فضحك وقال افترض أنك كتبتها لكن من أين الوقت لنستطيع إخراجها بعد كتابتها، قلت له لنتحدث فى الغد ثم رحت أجمع شتات أفكار مختلفة لم تكتمل. وفى اليوم التالى قلت إننى وجدت الفكرة وتقريبا قبضت عليها، فقال إن هذا غير مضمون، وقد نضطر إلى أن نؤجلها وبذلك تتأجل للموسم القادم. وندفع ثمن الإيجار بلا عمل. فقلت له اتركنى أحاول فإذا لم أنته منها سأدفع لوحدى خسارة هذا الموسم. فسـأل وهل عندك بداية العمل، قلت نعم، فعاد يسأل وما البداية؟ قلت العصر الحجرى، فاندهش وقال وماذا بعد هذا؟ قلت حتى نصل إلى اللحظة الحاضرة. فراح يحاول أن يعرف البقية فقلت إننى لم أصل إلى البقية تماما، فدعنى أعمل، وظل مستغربا، فالمسرحية التى كتبتها لفرقتنا أخذت منى حوالى العام، بل أجلت تكملتها لأكتب مسرحية «المهزوز» قبل تقديم «أنت حر». ورحت أطلب منه أن نستقر على الممثلين من الآن، وبالفعل فعلنا ذلك، وكان كلهم ممن عملوا معنا، لكن كثيرا من الذين عملوا ما إن قرأوا أول مشهد ثم المشهد التالى راحوا يطلبون معرفة مساحة أدوارهم التالية، فربما كانت قليلة بالنسبة لهم، فكنت أبتسم ولا أتكلم، بل قلت لهم إنهم يمكن أن يعتذروا من الآن حتى نستطيع أن نكمل الكاست من غيركم. فسكتوا على مضض وتوالت الأدوار رغم أننى لم أكن أضعهم فى الحسبان، لأنهم باختصار نشاهدهم فى كل الفصول تقريبا. وكنت أكتب المشهد بعد الآخر فى أيام، ثم أعطيهم الجديد، ونبدأ فورا فى التدرب على تمثيلها وصقلها، وظل الأمر هكذا حتى انتهيت من كل المشاهد.
وكنت قبلها قد كتبت مسلسلا تليفزيونيا نجح بشدة وأذيع فى أغلب البلاد العربية أيضا وكان هو «هند والدكتور نعمان». ورأيت أطفالا كثيرة لأختار طفلة مميزة. وأخرت العمل لبعض الوقت قبل أن أستقر على ما رأيتها تصلح للدور، وكان اسمها ليزا، ولكنى طلبت من إخوتها ألا يتدخل أحد فى عملها، حتى لا يشوش عليها، بل لم أسمح لنفسى أو للمخرج أن نعلمها كيف تتحدث، ولكن نشرح لها الموقف حتى تصل إلى لحظة هى المطلوبة عن طريقها هى. وحرصت مع المخرج أن نلعب معها طيلة الوقت، فعاشت معنا بمرح فلم تخطئ مرة واحدة، رغم أنها فى سن السابعة.
ثم جاء يوم فى مشهد أمام كمال الشناوى، وإذا بها تسكت لأول مرة. وعند إعادة المشهد سكتت أيضا ثم بكت بشدة، فقد كانت أول مرة تشعر فيها بأنها لم تقدر، أوقف المخرج العمل وراح الكل يشجعها. وحتى كمال الشناوى الذى قال لها لا تخشى منى (وكان هذا قبل نهاية التصوير كله بأيام فقط)! بينما كان هو يخطئ كثيرا هو وغيره من الممثلين انتظرت حتى عاد الاستوديو للهدوء. فأوقفت التصوير فجأة وهمست فى أذنها أنها لم تخطأ بل هو كمال الشناوى! فقد كان يعطيها جملة فى غير موضعها! أى لم تخطئ ثم قلت له هو أن يقول جملته أمامها بشكل آخر دون أن أنبهه أنه كان المخطئ. نجحت «الهمجى» بشدة ولكن البنت تعبت من الحضور للمسرح مبكرا، واضطرارها إلى المذاكرة فى الكواليس والتيقظ فى اليوم التالى للمدرسة. فغلبها النوم مرة، وكان صبحى يحرم على الكل ألا يلفت أحد نظر أى ممثل للدخول فى دخلته. فلما حدث منها مرة راح يعنفها أمام الجميع ثم طردها وجاء بغيرها، وكانت جيدة، لكنها لم تكن أفضل من ليزا. وكانت قد أصبحت نجمة شهيرة بعد نجاحها، وظهرت صورها على صدر المجلات الفنية، وجاءنى صحفى قال لى ما الذى تفعلونه بالبنت. إن هذه الإعلانات الكثيرة تضرها، فضحكت، وقلت له إن الصحفيين هم من فعلوا هذا. وللحق اكتسى وجهه بحمرة الخجل.