الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

لأول مرة الحياة السرية لـ"الكوبرا".. رحلة اصطياد أخطر أفعى في العالم

طارق إبراهيم الشهير
طارق إبراهيم الشهير بـ «طارق كوبرا»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنافس تجارة الزواحف والطيور النادرة والحيوانات المفترسة تجارة المخدرات من حيث حجم المكاسب، وهى من الحرف الخطرة التي لا يمتلك أسرارها سوى عدد محدود من العائلات المعروفة في مناطق بعينها موزعة على محافظات الجمهورية، أشهرها عائلة طلبة في قرية «أبورواش» في محافظة الجيزة، وهى العائلة التي يحتفظ أفرادها منذ نحو 200 سنة بأسرار عمليات صيد الثعابين والعقارب وغيرهما من الزواحف الخطرة والقاتلة وتصديرها إلى الخارج، ويدر هذا العمل رغم مخاطره على العائلة أرباحًا طائلة بالعملة الصعبة تقدر بالملايين سنويًا.
الثعابين وحدها تنقسم إلى ٣٦ نوعا، منها ٧ أنواع سامة أشهرها أفعى الكوبرا المصرية وهى معروفة بسميتها الشديدة والتي تؤدى للوفاة في أغلب الأحيان خلال ٢٠ دقيقة من لدغتها، وثعبان الكوبرا البخاخ العادي، والحية القرعة والغريبة، وكلها أنواع سامة، أما غير السامة مثيلة ثعبان أبو السيوف وثعبان النيل والجبالى وأبو العيون وغيرها، والأخيرة يمكن أن تسكن البيوت مع قاطنيها من البشر، أما الثعبان السام فهو يعيش بعيدا عن البشر، في الجبل أو الصحراء أو الترع والمصارف، أو أي مكان مهجور، يبلغ طول أفعى الكوبرا المصرية من ٢.٥ لـ ٣ أمتار كأقصى طول لها. 
طارق إبراهيم الشهير بـ «طارق كوبرا» هو شاب أربعينى قصير القامة، يصطاد يوميا ما لا يقل عن ٢٠ ثعبانا أغلبها من نوع أفعى الكوبرا، اتخذها حرفة له منذ صغره تدرب عليها وواجه فيها الموت، يعرف حاليا بصائد الكوبرا المصرية الأول، ويتهمه عدد من الصيادين بأنه سيكون السبب الرئيسى في انقراض الكوبرا المصرية إذا استمر بهذا الشكل خلال أقل من عشر سنوات قادمة، وربما كانت هذه المقولة على سبيل الغيرة منه.
قابلته في زيارة خاصة لسوق الجمعة نهاية يناير الماضي، كان حريصا كل الحرص في حديثه معي، معلنا تخوفه من بطش أباطرة هذه التجارة بحسب وصفه لهم، رغبتى في اكتشاف أسرار وحقائق غائبة دفعتنى لمواصلة الضغط عليه للحصول على معلومات عن عالمه المليء بالأسرار لكن انتهى لقاؤنا الأول داخل السوق بالاتفاق على المقابلة مرة أخرى.
عاودت الاتصال به ومقابلته داخل السوق، لمعرفة المزيد، وبنفس الحيطة والحذر تكلم معي، وانتهى لقاؤنا الثانى بدعوة منه لاصطحابنا معه في رحلة صيد لأفعى الكوبرا في منطقته التي يعيش بها في محافظة الدقهلية على ضفاف نهر النيل، تأكيدا منه لى على كثرة وجودها على طول ضفاف النهر كأكثر مكان تعيش فيه عن غيرها من ساكنى الجبال والصحراء، مؤكدا أن الدولة غائبة ولا تعلم شيئا عن واحدة من مواردها الثمينة.
المغامرون حتما ستستهويهم عملية الخروج في رحلة صيد طيور نادرة وزواحف لدغتها قاتلة وحيوانات مفترسة، ما دعانا للاستعداد لعملية توثيق صيد أفعى الكوبرا المصرية على ضفاف نهر النيل.
انطلقنا في السابعة صباحا من القاهرة متوجهين لمحافظة الدقهلية، وتحديدا إلى بلدة تدعى «فيشا»، حيث يعيش «طارق كوبرا»، ورغم مراوغاته ومحاولات تهربه من مقابلتنا والخروج معه في واحدة من رحلاته اليومية، تمكنا من الوصول لقريته، انتظرناه وما إن ظهر مستقلا دراجته البخارية، يرافقه ابنه الصغير، بحوزتهما عدد من الغنائم متمثلة في بعض الصقور، وثعبانين تقريبا داخل جوال صغير من القماش، إضافة إلى معدات صيد، حتى أقبلنا عليه.


ترحيب ممزوج بالحذر ظهر في استقباله لنا أمام منزله، دعانا للصعود معه لشقته بالدور الخامس حيث يقيم، وقال لنا إن نهاية فترة الظهيرة وقت مناسب جدا تخرج فيه الثعابين للشمس قبيل غروبها، وإن لدينا وقتا كافيا نستريح فيه من عناء السفر، وأطلعنا على مزرعته الصغيرة التي يربى فيها أنواعا مختلفة من الزواحف والطيور النادرة، خاصة المجهزة تدريبا وترويضا لإقامة عروض السيرك والمعارض المختلفة.
قبل مجيء الشاي، وخلال حديثه معنا أخبرنا أنه سيطلعنا على الحيوانات والزواحف التي يربيها في مكان غير الذي نتواجد به، ودعا ابنه إبراهيم لإحضار «الأصلة الأمريكية»، وبعض من الأنواع الأخرى من الطيور والزواحف صغيرة الحجم.
كيمياء غريبة تربط بين طارق والكوبرا، وتناغم شديد في الحركة والتواصل بالعيون، يميل بجسده لأسفل فتتراقص الكوبرا، تصرفات أشبه بأب يداعب طفله أو محبوبين في حالة انسجام كامل، مناوشات وحركات وتوجيهات من المعلم، وبعد العرض قام بعملية استخلاص السم القاتل من أنيابها في كأس مخصص لهذا الغرض، وبعد الانتهاء دعانا للصعود معه للاطلاع على مزرعته المجهزة أعلى الدور الخامس.
استقبال حار من كلب وحشى من النوع «دينوا» ألمانى الجنسية، إحدى أدوات عمليات الصيد بحسب «طارق كوبرا»، أقفاص زجاجية فوق بعضها تحوى أنواعا مختلفة من الثعابين الضخمة والصغيرة، وأقفاص خشبية صغيرة بها يربى الفئران البيضاء التي تتغذى عليها الثعابين من ناحية، ويتم توريدها للكليات العملية لإجراء التجارب من ناحية أخرى.
قائمة طعام الزواحف التي يتم اصطيادها طويلة ونوع الغذاء يختلف بين فصيلة وأخرى، فالثعابين مثلًا تأكل السحالى والضفادع والفئران التي تمتص الدم منها فقط ثم تقذفها بعد أن تبقى داخل أحشائها مدة ١٠ أيام تقريبًا، ويكفى ضفدعتان أو فأر واحد لسد جوع الثعبان طوال فصل الشتاء، في حين يحتاج إلى ضفدعتين أو سحلية أو فأر واحد يوميًا في فصل الصيف، أما العقارب فتأكل الخنافس والصراصير.
وقبل أن نغادر أخرج ثعبانا ضخما لالتقاط صور تذكارية معه، وخلال حديثه عنه قال إنه نوع جديد مهجن يدعى «جرانيته»، الجديد بالنسبة لى كان أنه يقوم بعمليات تهجين للأنواع المختلفة بنفسه عبر إجراء عمليات التزاوج بغرض الحصول على أنواع جديدة وتصديرها للسوق المحلية والخارجية وهى عملية تتم أيضا على أيدى خبراء متخصصين من جامعات مختلفة، يعرفهم بعض العاملين في المجال.
غادرنا منزل طارق كوبرا مستقلين سيارته الفارهة، في طريقنا لاصطياد أفعى الكوبرا، وفى الطريق وسط الزراعات والأشجار يراقب طارق كوبرا كل شيء حوله، وإذا به فجأة ينادى صغيره إبراهيم «جهز العدة فيه صقر هناك»، وبسرعة توقفنا ونزل الجميع من السيارة، وتم تجهيز المصيدة، ولكن الحظ لم يحالف كوبرا في اصطياد الصقر، محاولات متكررة لم تنجح.


قبيل غروب الشمس بساعتين تقريبا بدأنا رحلة البحث الفعلية سيرا على الأقدام، وبعد أقل من ١٠٠ متر، سيرا على حافة ترعة وسط حديث كله شغف مليء بقصص المغامرات، فجأة قفز طارق بسرعة البرق ليمسك بثعبان لا يتعدى طوله ٧٥ سم، دون أي مقدمات كلامية أو انفعالية، حالة أشبه بحال المشعوذين، ولم يكن الثعبان الذي اصطاده كوبرا.
استكملنا رحلتنا بحثا في أماكن معينة هي ملاذ لاختباء الكوبرا، ودار الحديث حول كيفية التعرف على أماكن الثعابين، فقال إن ذلك يتم من خلال تقصّى وتتبع الأثر على الأرض ونستطيع أن نهتدى إلى مخابئ الثعابين وجحورها، ومن خلال الخبرة الطويلة التي اكتسبناها في التعرف على نوع وشكل وحجم الثعبان وما إذا كان سامًا أم لا، من أثره على الرمال، وذلك قبل أن يروه، حركة الكوبرا تحديدا لها شكل معروف لدى الصيادين، فأنثى الكوبرا تتحرك في خط متعرج يمينا ويسارا بينما يتحرك الذكر في خط مستقيم وكلا الخطين له شكل معروف.
تبدأ عملية الصيد بالحفر عند نهاية خط الأثر في الرمال والتنقيب بين الأحجار والصخور، بفأس صغيرة، يُمسك الثعبان من رأسه ويوضع في صندوق، وإذا كان سامًا يتم إدخال عصا خشبية طويلة على شكل حرف Y داخل الجحر لسحبه، ثم توضع عصا بالقرب من رأسه في شكل محكم ويعاد سحبها تدريجيا حتى رأس الثعبان لإحكام السيطرة عليه وإمساكه من أسفل رأسه مباشرة تفاديًا لبخ الـسم في وجه الصياد.
وعن كيفية التمييز بين السامة وغير السامة أفاد أن السامة منها تتميز برأس مستدير وجسم ذى لون قاتم يميل إلى السواد. أما غير الــــسامة فيميل لونها إلى الاصفرار وتعيش غالبيتها في المنازل.
رغم عدم الحصول على أفعى الكوبرا إلا أن معايشة الرحلة كشفت عن وجود مهنة لا يعلم عنها الكثيرون شيئا، يعلم عنها العاملون بها أسرارا كثيرة، يتحفظون عليها، يتخوفون من أن يعرف عنها العامة، ولا غرابة في ذلك، فهى تحقق حلم الثراء للمجتهدين فيها، لهم رؤى كثيرة ومختلفة لتطويرها وتحقيق مكاسب اقتصادية.