هل يمكن تصور مجتمع يشرع فى ممارسة الديمقراطية عبر مؤسساته المختلفة، قبل أن يسن القوانين والتشريعات الحاكمة للعلاقة بين أفراد المجتمع والدولة من ناحية، وبين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والمجتمع المدنى من ناحية أخرى؟!
لا يمكن حتى على مستوى الفروض النظرية تصور وجود مجتمع تعمل أدواته وماكيناته السياسية دون منظم لـ«الدستور والقانون» يحكم حركة تلك الأدوات والماكينات، وإلا اصطدمت لتحدث ضجيجا وفوضى عارمة لا يمكن التحكم فيها. لكننا فى مصر اقتربنا كثيراً من هذا الوضع الافتراضى، صحيح أن لدينا دستورا وقوانين تنظم موادها العلاقة بين كل مفردات الدولة، غير أننا همشنا دورهما إلى حد عدم احترامهما، وإنكار وجودهما فى بعض الأحيان، وهذا ما يجعلنا نطبق عملياً فى واقعنا السياسى والاجتماعى ما يظنه كثيرون مستحيلاً من الناحية النظرية.
عندما نعطل الدستور والقانون تتعطل الديناميكية السياسية أوتوماتيكيا، وإذا كان النظام السياسى هو الطرف المتسبب فى تغييب القانون بعدم احترام نصوصه أو الالتزام بالأحكام القضائية الصادرة على أساسه، يفقد ثقة شعبه تدريجياً وصولاً إلى فقدان شرعية وجوده من الأساس، وأثناء ذلك تعطب الماكينات السياسية المتمثلة فى الأحداث ومؤسسات المجتمع المدنى بمختلف أشكالها، وتعجز مؤسسات النظام عن التفاعل معها فيتحول إلى نظام قمعى كريه، يبرر للجميع الخروج عليه والثورة ضد قوانينه، لأنه من بدأ بهدم أسس الدولة الحديثة والمتجسدة فى احترام الدستور والقانون.
لكن خروج قاطرة النظام السياسى عن قطبان القانون تسهل معالجته بالثورة عليه وتغييره، إلا أن المشكلة تتعقد عندما يكون الطرف المسئول عن تغييب القانون وتهميشه هو الأحزاب والمؤسسات التى من المفترض أن تمارس السياسة على أساس احترام القانون من أجل تأكيد التعددية السياسية وتدعيم القيم الديمقراطية.
الخامسة من مساء يوم الـ٢٨ من يناير عام ٢٠١١ لم يكن فقط موعد المصريين مع سقوط جهاز الأمن الداخلى ودخوله دوامة من الانفلات والجريمة العشوائية والمنظمة؛ فقد كان أيضاً موعدا مع الانفلات العام فى القيم والأخلاقيات والرغبة المحمومة فى تحطيم كل ما هو مؤسسى، سواء من أفكار أو كيانات معنوية أو حتى بنايات لها دلالاتها الرمزية.
أصبح الجميع يجترئون على القانون ويبدلونه فى ضبط العلاقة بالآخرين بالمصالح والمواءمات والتحالفات، وقد كانت الصحافة والإعلام المسئول الأول عن عملية الإهدار المنظمة لكل قيمة، بدءاً من الهجوم المبتذل على جميع الرموز الوطنية والتاريخية والاجتماعية، سواءً كانت أشخاصاً أو أفكاراً، وليس انتهاءً بتأليف الأكاذيب ونشرها كأخبار وأنباء مدققة، منها على سبيل المثال ما تردد بشأن ثروة مبارك. وبلغ الأمر حد الاستهتار بمقتضيات الأمن القومى التى نعرفها جميعاً وربما تعلمناها فى الأيام الأولى باشتغالنا فى بلاط صاحبة الجلالة، فأضحى كل شيء مباحا من نشر وإذاعة على الهواء بغض النظر عن مدى صدقه أو حساسيته.
من جانبها لم تعد ترى الأحزاب والنقابات والتجمعات الفئوية فى القانون إطاراً للعمل من أجل المطالبة بحقوق أو ترسيخ قيم وأفكار، وسارت تبادر إلى الخروج عليه لإنفاذ مصالحها، وفرض رؤيتها على المجتمع بأسره، وراحت تسوق ذلك عبر شعارات ولافتات من قبيل حرية الرأى والتعبير والعمل الديمقراطى والقيم الحقوقية. هل يمكن تصور أى عمل سياسى قائم على التفاعل مع الآخر والاعتراف بحريته بالتعبير والحركة، ثم التنافس معه فى الأدوار السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة دون أن يكون الدستور والقانون الحاكم لهذه العملية المعقدة؟!
دون تقول على الرئيس، أظن أنه قد قصد هذا المعنى عندما شدد على أنه لن يضار أمر بعيداً عن القانون، وأن الوقت الآن غير مناسب للحديث عن المواءمات السياسية، لأن فى ذلك لعبا بالنار يشكل خطراً على مستقبل الديمقراطية فى هذا البلد.
لا يمكن حتى على مستوى الفروض النظرية تصور وجود مجتمع تعمل أدواته وماكيناته السياسية دون منظم لـ«الدستور والقانون» يحكم حركة تلك الأدوات والماكينات، وإلا اصطدمت لتحدث ضجيجا وفوضى عارمة لا يمكن التحكم فيها. لكننا فى مصر اقتربنا كثيراً من هذا الوضع الافتراضى، صحيح أن لدينا دستورا وقوانين تنظم موادها العلاقة بين كل مفردات الدولة، غير أننا همشنا دورهما إلى حد عدم احترامهما، وإنكار وجودهما فى بعض الأحيان، وهذا ما يجعلنا نطبق عملياً فى واقعنا السياسى والاجتماعى ما يظنه كثيرون مستحيلاً من الناحية النظرية.
عندما نعطل الدستور والقانون تتعطل الديناميكية السياسية أوتوماتيكيا، وإذا كان النظام السياسى هو الطرف المتسبب فى تغييب القانون بعدم احترام نصوصه أو الالتزام بالأحكام القضائية الصادرة على أساسه، يفقد ثقة شعبه تدريجياً وصولاً إلى فقدان شرعية وجوده من الأساس، وأثناء ذلك تعطب الماكينات السياسية المتمثلة فى الأحداث ومؤسسات المجتمع المدنى بمختلف أشكالها، وتعجز مؤسسات النظام عن التفاعل معها فيتحول إلى نظام قمعى كريه، يبرر للجميع الخروج عليه والثورة ضد قوانينه، لأنه من بدأ بهدم أسس الدولة الحديثة والمتجسدة فى احترام الدستور والقانون.
لكن خروج قاطرة النظام السياسى عن قطبان القانون تسهل معالجته بالثورة عليه وتغييره، إلا أن المشكلة تتعقد عندما يكون الطرف المسئول عن تغييب القانون وتهميشه هو الأحزاب والمؤسسات التى من المفترض أن تمارس السياسة على أساس احترام القانون من أجل تأكيد التعددية السياسية وتدعيم القيم الديمقراطية.
الخامسة من مساء يوم الـ٢٨ من يناير عام ٢٠١١ لم يكن فقط موعد المصريين مع سقوط جهاز الأمن الداخلى ودخوله دوامة من الانفلات والجريمة العشوائية والمنظمة؛ فقد كان أيضاً موعدا مع الانفلات العام فى القيم والأخلاقيات والرغبة المحمومة فى تحطيم كل ما هو مؤسسى، سواء من أفكار أو كيانات معنوية أو حتى بنايات لها دلالاتها الرمزية.
أصبح الجميع يجترئون على القانون ويبدلونه فى ضبط العلاقة بالآخرين بالمصالح والمواءمات والتحالفات، وقد كانت الصحافة والإعلام المسئول الأول عن عملية الإهدار المنظمة لكل قيمة، بدءاً من الهجوم المبتذل على جميع الرموز الوطنية والتاريخية والاجتماعية، سواءً كانت أشخاصاً أو أفكاراً، وليس انتهاءً بتأليف الأكاذيب ونشرها كأخبار وأنباء مدققة، منها على سبيل المثال ما تردد بشأن ثروة مبارك. وبلغ الأمر حد الاستهتار بمقتضيات الأمن القومى التى نعرفها جميعاً وربما تعلمناها فى الأيام الأولى باشتغالنا فى بلاط صاحبة الجلالة، فأضحى كل شيء مباحا من نشر وإذاعة على الهواء بغض النظر عن مدى صدقه أو حساسيته.
من جانبها لم تعد ترى الأحزاب والنقابات والتجمعات الفئوية فى القانون إطاراً للعمل من أجل المطالبة بحقوق أو ترسيخ قيم وأفكار، وسارت تبادر إلى الخروج عليه لإنفاذ مصالحها، وفرض رؤيتها على المجتمع بأسره، وراحت تسوق ذلك عبر شعارات ولافتات من قبيل حرية الرأى والتعبير والعمل الديمقراطى والقيم الحقوقية. هل يمكن تصور أى عمل سياسى قائم على التفاعل مع الآخر والاعتراف بحريته بالتعبير والحركة، ثم التنافس معه فى الأدوار السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة دون أن يكون الدستور والقانون الحاكم لهذه العملية المعقدة؟!
دون تقول على الرئيس، أظن أنه قد قصد هذا المعنى عندما شدد على أنه لن يضار أمر بعيداً عن القانون، وأن الوقت الآن غير مناسب للحديث عن المواءمات السياسية، لأن فى ذلك لعبا بالنار يشكل خطراً على مستقبل الديمقراطية فى هذا البلد.