الثلاثاء 18 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

لماذا سأقول "لا" وألف "لا"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا شك في أن ما حدث على الساحة السياسية مؤخرًا يؤكد أن مصر ذاهبة إلى سكة الندامة؛ حيث انتقلت من مرحلة الصراع إلى مرحلة الانقسام القائم على الأيديولوجية السياسية، وربما الدينية في المستقبل القريب، وبدلاً من أن تقوم السلطة الحالية في البلاد بمعالجة أسباب هذا الانقسام واحتوائه تدفع الجميع -ونفسها- نحو الهوية.
بغض النظر عن المشهد السياسي، وعن وعود الدكتور محمد مرسي، الذي وعد أكثر من مرة على ضرورة إنهاء الحالة الاستقطابية، وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية، وعن تحقيق المعايير الدولية في الاستفتاء المقرر يوم السبت القادم، من حيث إطار قانوني واضح ومنظم لعملية الاستفتاء من حيث نسبة المشاركة المقررة لتمرير الدستور، والاتفاق على النص النهائي المستفتى عليه؛ حتى تكون هناك حالة استقرار سياسي، والتوقيت، وخصوصية الظروف السياسية التي كانت تتطلب حالة إجماع أو شبه إجماع بين فئات المجتمع على ضرورة الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وتوعية الناخبين بمضمون الوثيقة محل الاستفتاء.. رغم كل ذلك فإني سأذهب وأقول «لا»؛ وذلك لعدة أسباب، منها ما هو موضوعي، متعلق بمحتوى النص الدستوري، ومنها ما هو إجرائي.
وسأقول «لا» إجرائيًّا؛ لأنه ما زال عالقًا في ذهني مشهد الجمعية التأسيسية وهي تحاول (ليلاً) التصويت على مسودة الدستور في 16 ساعة عمل متواصلة، والانتهاء من هذه العملية التصويتية في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي؛ مما جعل في نفسي غصة من هذه المسودة، جلعتني أتساءل: لماذا يحاول نفر من المصريين عمل ذلك في دستور ثورة عظيمة أذهلت العالم أجمع؟ هل هذا يليق بالثورة وشهدائها؟ سأقول «لا» لهذا المسودة التي تسببت في إزهاق أرواح بعض المصريين من المعارضين له ومن المدافعين عنه.
أما من الناحية الموضوعية فسأقول “,”لا“,” للأسباب التالية:
أولاً: ليس فقط للعبارات المطاطة والفضفاضة، والتي تحمل المعنى ونقيضه في ذات الوقت، ولكن لأن ديباجته بدأت بالنص على “,”نحن جماهير الشعب المصري“,”، في مخادعة حقيقية؛ حيث انسحب ممثلو التيارات المدنية، والكنيسة المصرية التي شاركت في كتابة جميع الدساتير المصرية السابقة، بدءًا بدستور 1923 حتى دستور 1971، بدون تمثيل لكثير من التيارات السياسة، وبدون تمثيل لأهل النوبة وغيرهم من أهل مصر المحروسة.
ثانيًا: الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية (حوالي 22 صلاحية طبقًا لآراء أساتذة القانون الدستوري)، ولا مجال لذكرها الآن، ولكن نشير فقط إلى بعض منها، مثل: من حق رئيس الجمهورية تعيين كل رؤساء الهيئات المستقلة (أين الاستقلال؟)، وإعلان حالة الطوارئ (نص المادة 148)، وحقه في رفض أي قانون تصدره السلطة التشريعية (نص المادة 104)، ويعين الموظفين المدنيين والعسكرين (نص المادة 147)، ويرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والشرطة (146)، وتعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا، وتقليص عددهم وتعيين النائب العام (173)... إلخ.
ثالثًا: خلو المسودة من منصب نائب الرئيس، وكان هذا مطلبًا ثوريًّا وشعبيًّا للجميع، ولا يوجد مبرر لتجاهله، خاصة بعد أن بح صوت المصريين في ظل النظام السابق حتى يقوم بتعيين نائب للرئيس.
رابعًا: المادة 219 من الدستور، والتي تفتح باب الوصاية على المصريين، فما هي “,”الأدلة الكلية“,”؟ ومَن يفسرها ومَن يحددها؟ على الرغم من أن جميع شعب مصر، مسلمين ومسيحيين، ليسوا ضد المادة الثانية من الدستور، كما كانت في دستور 1971.
خامسًا: حافظت المسودة على مجلس الشورى بعدما أثبتت التجربة العملية أنه لا قيمة له، وأنه يكبد ميزانية الدولة مئات الملايين من الجنيهات بدون فائدة حقيقية منه، على الرغم من إعطائه صلاحيات جديدة، هي من صميم اختصاص مجلس الشعب، وتحصين المجلس الحالي بهذا الشكل من قبل رئيس الجمهورية، كما للرئيس الحق في تعيين عشر أعضاء مجلس الشورى، الذي أعطاه سلطات تشريعية (المادة 102)؛ ليكون بذلك الجزرة لكل من يطبل له، كما كان في العهد السابق.
سادسًا: التدخل في أعمال القضاء واستقلاله؛ حيث إن المسودة المطروحة ستقوم بفصل قضاة شرفاء من المحكمة الدستورية العليا، وهذا يعد تعديًّا سافرًا على أعمال السلطة القضائية، وجعلته دستورًا مفصلاً، وعلى هوى السلطة التنفيذية الحالية، التي أقسم أمامها الرئيس اليمين الدستورية.
سابعًا: استمرار أسس النظام الضريبي الظالم للفقراء والطبقة الوسطى (نص المادة 26)، والتي لا تتضمن أية إشارة إلى فكرة تعدد الشرائح الضريبية التصاعدية، كما أنها لم تنص على إعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الضريبة.
ثامنًا: العودة إلى تكميم الصحافة وتقييد دورها في كشف الفساد (المادة 48)، وقد تم رفض مطلب نقابة الصحفيين بمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر، رغم أن ذلك التحصين ضروري؛ من أجل تمكينهم من القيام بدورهم الرقابي، وكشف الفساد، وهو معمول به في أغلب دول العالم.
تاسعًا: استمرار عدم محاسبة الوزراء والرئيس عمليًّا (نص المادة 166)؛ لأن توجيه الاتهام للوزراء أو رئيسهم لا يصدر إلا بأغلبية ثلثي مجلس النواب، حتى ولو كان النائب العام هو الذي سيوجه الاتهام، فلو أن حزب رئيس الوزراء، أو أي وزير لديه أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب، واتفق هؤلاء الأعضاء على حمايته باعتباره ممثلاً للحزب؛ فإنه حتى لو كانت هناك أدلة دامغة على ارتكابه لأي جريمة متعلقة بوظيفته العامة، فإنه لا يمكن محاكمته.
عاشرًا: فتحت مسودة الدستور الباب على مصراعيه لنشأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر، (نص المادة 10)؛ حيث أكدت على أن “,”تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون“,”، في إشارة إلى إمكانية قيام بعض الجماعات من التأكيد وتحقيق القيم الأخلاقية.
ومجمل القول: هناك ألف سبب وسبب لرفض المصريين لهذه المسودة، ولكن السبب الأهم -من وجهة نظري- هو أن الغالبية العظمى من الشعب المصري سيذهب للاستفتاء بدون أن يفهم لماذا هو ذاهب إلى صناديق الاقتراع، ولماذا يقبل أو يرفض هذه المسودة..!!