فى الصباح كانت جلسة النطق بالحكم ضد محمد مرسى المتهم مع آخرين بالتخابر، كل التوقعات أشارت إلى أن النطق بالحكم سيكون مشددًا، وبالفعل صدر حكم بالإعدام ضد ستة من المتهمين، وتأجل النطق بالحكم ضد الباقين لجلسة قادمة، فى المساء كانت سيارة تضم ضابط شرطة ومعاونيه بحلوان، وكانت سيارة أخرى تحمل السلاح، هبط منها أربعة أشخاص كانوا مختبئين بالصندوق الخلفى للسيارة وأطلقوا أعيرة نارية كثيفة من أسلحة آلية تجاه سيارة الشرطة فاستشهد القائمون على حمايتنا وهرب الإرهابيون. إذن الحرب تنتقل إلى داخل المدن، والإرهاب يواصل عناده، والشرطة تصر على أدواتها القديمة، وبالإجمال يصبح المجتمع فى خطر، سيقول البعض لماذا تستبق الأحداث وتتهم الإخوان وتيارات التأسلم بتلك الجريمة، لن أرد على ذلك البعض لاقتناعى بأن تلك التيارات لا تعرف إلا لغة الرصاص والاغتيال والاستبداد والدم، وأن ذلك الحادث المتزامن مع محاكمة المتهم مرسى ومع ذكرى تحرير ميدان رابعة العدوية من اعتصامهم المسلح يؤكد الترتيب المسبق لتلك الجريمة كرسالة منهم إلى الجميع. هم يقولون فى رسالتهم إنهم فوق القانون، وإن إفشال سيناريو الفوضى بمصر لن يمر دون استنزاف، الرسائل القادمة من سوريا عن تقليم أظافر الدواعش، والرسائل القادمة من سيناء عن بتر ذراع الإرهاب، والرسائل القادمة من ليبيا عن تقدم العمليات ضد الإرهابيين، كل تلك الرسائل تشير إلى أن الرقصة الأخيرة للمذبوح سيكون لها طرطشات الدم، وأن عملية حلوان النوعية لن تكون الأخيرة، وفى ذات اللحظة نقول إن النصر الحاسم لن يتحقق بسهولة. ليبقي السؤال المهم، ماذا نحن فاعلون؟ دع عنك التعامل الأمنى فهذا التعامل مسئولية أجهزة أخرى، إجابة السؤال ليست صعبة ولكنها تحتاج لشجاعة وضمير يقظ، فالمؤكد هو أن الإرهابى لا يتمدد إلا فى أجواء احتقان مجتمعى، وأزعم أن تلك الأجواء قد توفرت خلال الفترة الماضية بشكل لافت للنظر، وانعقدت خصومات مجانية بين شرائح مختلفة وبين الدولة، ومن بين تلك الشرائح نقابات مهنية كالصحفيين والأطباء، وقطاعات أخرى كان لها أمل فى تقدم اقتصادى سريع ولكن جموح غلاء الأسعار جاء محبطًا، وبينما الحال هكذا نرى من وقت إلى آخر عملية إرهابية مؤلمة تنتزع منا أجملنا ويزداد طابور الشهداء. لذلك صار من الواجب التراجع خطوة واحدة لنتقدم جميعًا خطوتين، وأقصد من ذلك أن التصعيد فى أمور يمكن حلها بالحوار خطأ، لأن سحابة الدخان الناجمة عن التصعيد - حتى لو كنت صاحب حق - يتستر خلفها دعاة العنف والجريمة.. إذن لتتقدم السياسة كحل قادر على إبطال مفعول الفتنة، ليتقدم الحوار الهادئ العاقل كحل قادر على تهدئة الأصوات المرتفعة. وعلى الجانب الآخر وفى ذات التوقيت، لا بد أن نرى من الدولة علامتين، العلامة الأولى هى الأذن الصاغية والعقل المفتوح للاستيعاب وترجمة الحوار إلى قرارات ومنجزات ملموسة، أما العلامة الثانية وهى موضوع يرتبط بالقضاء والمحاكمات الممتدة التى نراها منذ سنوات، إذا كنا فى حالة حرب وتلك الحالة ليست حالة طبيعية، فكيف لعاقل أن يستوعب تقديم المجرمين المتهمين بالإرهاب إلى قاض طبيعي؟ ستقول إن المجتمع الدولى يعترض، سأقول لك لن يرضى عنك المجتمع الدولى فى كل الحالات، فالمماطلة فى التقاضى تفتح شهية الإرهابيين الجدد، كما تفتح حوارا ملغوما يتبادله البعض حول صفقات سرية تتم فى السجون للتصالح بين المؤسسة الحاكمة والإرهابيين.
عن نفسى لا أقتنع بذلك الحوار الملغوم، ولكن طالما مسلسل تأجيلات النطق بالأحكام النهائية مستمرًا، سيستمر الحوار الملغوم المحبط للكثيرين، ذلك الحوار الذى سينعكس على أفراد الشرطة أنفسهم ويصبح الأمر بدلًا من تطوير مهاراتهم وخبراتهم الشرطية نقدم لهم رسالة سلبية مؤذية للجميع، رحم الله شهداء حلوان، وعندنا أمل فى توقف مسلسل نزيف الدم البريء.