دروس عديدة يمكن استخلاصها من الأزمة الحادة التى نشبت بين نقابة الصحفيين والدولة بمناسبة ما قيل عن اقتحام الأمن للنقابة للقبض على متهمين سواء كانوا صحفيين مقيدين بالنقابة أو صدر بحقهما أمر ضبط وإحضار.
ومما لا شك فيه أن لنقابة الصحفيين تاريخًا كبيرًا فى الدفاع عن حرية الصحافة وعن الصحفيين فى العهود السابقة، والتى شهدت معارك مشهودة مع الدولة فى عهد الرئيس «السادات» والرئيس «مبارك».
وفى ظل نقباء أجلاء كانوا يعرفون جيدًا الفروق الهائلة بين الالتزام المهنى والجموح السياسى دارت المعارك السابقة على أرضية الدفاع عن مهنة الصحافة بغير جموح سياسى يخلط بين الشعارات النقابية والشعارات السياسية.
غير أن الوضع -خصوصًا بعد ثورة ٢٥ يناير- تغير تغيرات جوهرية، وذلك لأن الثورة أدت فى الواقع إلى انفجار سياسى وانفجار اجتماعى فى نفس الوقت.
والانفجار السياسى تمثل أساسًا فى نزوع الجيل الجديد ممن يطلق عليهم «النشطاء السياسيون» إلى تصورات مبناها أنهم يمكن أن يحكموا البلاد من الشارع عن طريق المظاهرات أو الضغوط التى يمارسونها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى السلطة بعد تولى «مبارك».
ويمكن القول إنهم بالفعل -فى بعض الفترات المتعثرة والمضطربة أثناء المرحلة الانتقالية- نجحوا فى فرض رئيس وزراء لا يصلح حتى أن يكون وزيرًا. وظنوا وهمًا أنهم يمكن أن يمارسوا هذا الدور السياسى إلى الأبد!
مع أن غالبيتهم العظمى لا يتمتعون بثقافة فكرية عميقة وإنما هم بارعون حقًا فى صياغة الشعارات الثورية!
وأخطر من ذلك أنهم لا يمتلكون أى رؤية للمستقبل، لا فيما يتعلق بشكل النظام السياسى الجديد الذى ينبغى تأسيسه بعد الثورة، ولا فيما يتعلق برؤى تنموية حقيقية تساعد على مجابهة المشكلات الاجتماعية الجسيمة التى يواجهها المجتمع المصرى نتيجة تقصير العهود السياسية الماضية.
وهذا الجيل السياسى الشاب هو الذي قاد عملية التصعيد الخطرة ضد الدولة فى أزمة نقابة الصحفيين، وذلك لأنهم لم يقدموا طلبات معقولة للدولة لكى تصحح الأوضاع الخاطئة التى تمت، وأبرزها ما قيل عن اقتحام الأمن للنقابة، ولكنهم من قبيل الجموح السياسى الفوضوى وضعوا أنفسهم والنقابة معهم فى موقف الند للدولة. والدليل على ذلك السقف العالى لمطالب الاجتماع الذى تم فى النقابة.
والذى - بالمناسبة - لم يكن جمعية عمومية للصحفيين، والتى تمثلت فى طلب اعتذار رئيس الجمهورية وإقالة وزير الداخلية.
وهكذا عدنا إلى المربع صفر الذى ساد بعد ثورة ٢٥ يناير حين اختلطت الثورة بالفوضى، وظن بعض الناشطين السياسيين أنهم يستطيعون بحكم قدراتهم تسيير المظاهرات ورفع الشعارات وإدارة الدولة وتوجيهها.
وإذا أضفنا إلى ظاهرة الانفجار السياسى الذى حدث بعد ثورة ٢٥ يناير حدث انفجار اجتماعى تمثل فى إسقاط «التراتبية الاجتماعية»، وعدم احترام من هم فى مواقع القيادة، سواء كانوا سياسيين أو فى الجهاز الإدارى أو حتى القيادات الجامعية، مما يجعلنا ندرك أن هناك خللًا جسيمًا أصاب المجتمع المصرى لا بد من صياغة سياسات طويلة المدى لعلاجه سواء كانت هذه السياسات تصب فى خانة السياسة أو فى خانة الثقافة.
وقد أدى الجموح السياسى لأعضاء النقابة -من الشباب على وجه الخصوص- إلى انقسام واضح فى صفوف الصحفيين، كما يشهد على ذلك الاجتماع المهم الذى دعا إليه الأستاذ محمد عبدالهادى علام رئيس تحرير «الأهرام»، وحضره العشرات من كبار الكُتَّاب والصحفيين، وفى مقدمتهم شيوخ الصحافة ممن شغلوا من قبل منصب نقيب الصحفيين، وقاموا بأداء دورهم بكل حكمة واقتدار، خصوصًا فى لحظات الأزمات التى قامت بين الدولة وبين النقابة، وأبرزها فى عهد «السادات» محاولة تحويل النقابة إلى نادٍ، وفى عهد «مبارك» محاولة تقييد حرية الصحافة.
وهؤلاء ممن حضروا اجتماع «الأهرام» المهم أدركوا خطورة أن تقف النقابة وكأنها خصم للدولة بكل مؤسساتها، ومن هنا يحاولون الوصول إلى حل وسط يفوت على أعداء الدولة وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين إقامة معركة بين الصحافة والدولة.
وفى تقديرنا أنه مع احترامنا لغيرة شباب الصحفيين على استقلال نقابة الصحفيين وعزمهم على الدفاع عن المهنة، إلا أنهم يحتاجون إلى خبرة شيوخ الصحافة من أساتذتنا الذين تعلمنا منهم أصول المهنة ليس ذلك فقط، ولكن أدركنا أن الصحافة إن لم تلتزم بنسق متكامل من الأخلاقيات لضبط سلوك الصحفيين فذلك يمثل أخطر تهديد للمهنة ذاتها.
ومن هنا لا بد لمجلس النقابة أن يمارس النقد الذاتى ويعترف بأخطائه. والنقد الذاتى فضيلة فى حد ذاتها، لأنه يساعد على تصويب المسار.
وفى نفس الوقت على أجهزة الدولة المختلفة أن تبادر بتوضيح الإجراءات القانونية التى اتخذت ومدى مطابقتها للقانون. وإذا كانت قد حدثت أخطاء من جانب وزارة الداخلية فليس عليها تثريب لو اعترفت بذلك واعتذرت عنه بعد أن تقدم المبررات القانونية لتنفيذ أوامر الضبط والإحضار التى أمرت بها النيابة العامة.
ولو صح ما نشر عن أن أحد المتهمين ليس عضوًا بالنقابة، وأنه لم يكن من حقه الاعتصام بها، بالإضافة إلى ما ثبت عليه من تدوينات على شبكة «فيسبوك» يحرض فيها على قتل أفراد الشرطة، فإننا نكون فى الواقع أمام موقف بالغ الخطورة.
ولذلك لا بد لجهات الدولة المسئولة أن تكشف بوضوح شديد عن التهم الموجهة للمتهمين حتى يعرف الرأى العام أننا أمام حالة من الانفلات، خصوصا فى «السوشيال ميديا»، والتى أصبحت للأسف الشديد ليست وسيلة للتواصل الاجتماعى الصحى بقدر ما تحولت إلى مناخ فوضوى زاخر بالشائعات على حساب الحقائق الثابتة، بالإضافة إلى اختلاط النقد السياسى المشروع بالتحريض المباشر على الدولة وعلى الأمن.
مطلوب من كل الأفراد ممارسة النقد الذاتى، والاتفاق على قواعد أخلاقية للتواصل الاجتماعى.
ومما لا شك فيه أن لنقابة الصحفيين تاريخًا كبيرًا فى الدفاع عن حرية الصحافة وعن الصحفيين فى العهود السابقة، والتى شهدت معارك مشهودة مع الدولة فى عهد الرئيس «السادات» والرئيس «مبارك».
وفى ظل نقباء أجلاء كانوا يعرفون جيدًا الفروق الهائلة بين الالتزام المهنى والجموح السياسى دارت المعارك السابقة على أرضية الدفاع عن مهنة الصحافة بغير جموح سياسى يخلط بين الشعارات النقابية والشعارات السياسية.
غير أن الوضع -خصوصًا بعد ثورة ٢٥ يناير- تغير تغيرات جوهرية، وذلك لأن الثورة أدت فى الواقع إلى انفجار سياسى وانفجار اجتماعى فى نفس الوقت.
والانفجار السياسى تمثل أساسًا فى نزوع الجيل الجديد ممن يطلق عليهم «النشطاء السياسيون» إلى تصورات مبناها أنهم يمكن أن يحكموا البلاد من الشارع عن طريق المظاهرات أو الضغوط التى يمارسونها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تولى السلطة بعد تولى «مبارك».
ويمكن القول إنهم بالفعل -فى بعض الفترات المتعثرة والمضطربة أثناء المرحلة الانتقالية- نجحوا فى فرض رئيس وزراء لا يصلح حتى أن يكون وزيرًا. وظنوا وهمًا أنهم يمكن أن يمارسوا هذا الدور السياسى إلى الأبد!
مع أن غالبيتهم العظمى لا يتمتعون بثقافة فكرية عميقة وإنما هم بارعون حقًا فى صياغة الشعارات الثورية!
وأخطر من ذلك أنهم لا يمتلكون أى رؤية للمستقبل، لا فيما يتعلق بشكل النظام السياسى الجديد الذى ينبغى تأسيسه بعد الثورة، ولا فيما يتعلق برؤى تنموية حقيقية تساعد على مجابهة المشكلات الاجتماعية الجسيمة التى يواجهها المجتمع المصرى نتيجة تقصير العهود السياسية الماضية.
وهذا الجيل السياسى الشاب هو الذي قاد عملية التصعيد الخطرة ضد الدولة فى أزمة نقابة الصحفيين، وذلك لأنهم لم يقدموا طلبات معقولة للدولة لكى تصحح الأوضاع الخاطئة التى تمت، وأبرزها ما قيل عن اقتحام الأمن للنقابة، ولكنهم من قبيل الجموح السياسى الفوضوى وضعوا أنفسهم والنقابة معهم فى موقف الند للدولة. والدليل على ذلك السقف العالى لمطالب الاجتماع الذى تم فى النقابة.
والذى - بالمناسبة - لم يكن جمعية عمومية للصحفيين، والتى تمثلت فى طلب اعتذار رئيس الجمهورية وإقالة وزير الداخلية.
وهكذا عدنا إلى المربع صفر الذى ساد بعد ثورة ٢٥ يناير حين اختلطت الثورة بالفوضى، وظن بعض الناشطين السياسيين أنهم يستطيعون بحكم قدراتهم تسيير المظاهرات ورفع الشعارات وإدارة الدولة وتوجيهها.
وإذا أضفنا إلى ظاهرة الانفجار السياسى الذى حدث بعد ثورة ٢٥ يناير حدث انفجار اجتماعى تمثل فى إسقاط «التراتبية الاجتماعية»، وعدم احترام من هم فى مواقع القيادة، سواء كانوا سياسيين أو فى الجهاز الإدارى أو حتى القيادات الجامعية، مما يجعلنا ندرك أن هناك خللًا جسيمًا أصاب المجتمع المصرى لا بد من صياغة سياسات طويلة المدى لعلاجه سواء كانت هذه السياسات تصب فى خانة السياسة أو فى خانة الثقافة.
وقد أدى الجموح السياسى لأعضاء النقابة -من الشباب على وجه الخصوص- إلى انقسام واضح فى صفوف الصحفيين، كما يشهد على ذلك الاجتماع المهم الذى دعا إليه الأستاذ محمد عبدالهادى علام رئيس تحرير «الأهرام»، وحضره العشرات من كبار الكُتَّاب والصحفيين، وفى مقدمتهم شيوخ الصحافة ممن شغلوا من قبل منصب نقيب الصحفيين، وقاموا بأداء دورهم بكل حكمة واقتدار، خصوصًا فى لحظات الأزمات التى قامت بين الدولة وبين النقابة، وأبرزها فى عهد «السادات» محاولة تحويل النقابة إلى نادٍ، وفى عهد «مبارك» محاولة تقييد حرية الصحافة.
وهؤلاء ممن حضروا اجتماع «الأهرام» المهم أدركوا خطورة أن تقف النقابة وكأنها خصم للدولة بكل مؤسساتها، ومن هنا يحاولون الوصول إلى حل وسط يفوت على أعداء الدولة وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين إقامة معركة بين الصحافة والدولة.
وفى تقديرنا أنه مع احترامنا لغيرة شباب الصحفيين على استقلال نقابة الصحفيين وعزمهم على الدفاع عن المهنة، إلا أنهم يحتاجون إلى خبرة شيوخ الصحافة من أساتذتنا الذين تعلمنا منهم أصول المهنة ليس ذلك فقط، ولكن أدركنا أن الصحافة إن لم تلتزم بنسق متكامل من الأخلاقيات لضبط سلوك الصحفيين فذلك يمثل أخطر تهديد للمهنة ذاتها.
ومن هنا لا بد لمجلس النقابة أن يمارس النقد الذاتى ويعترف بأخطائه. والنقد الذاتى فضيلة فى حد ذاتها، لأنه يساعد على تصويب المسار.
وفى نفس الوقت على أجهزة الدولة المختلفة أن تبادر بتوضيح الإجراءات القانونية التى اتخذت ومدى مطابقتها للقانون. وإذا كانت قد حدثت أخطاء من جانب وزارة الداخلية فليس عليها تثريب لو اعترفت بذلك واعتذرت عنه بعد أن تقدم المبررات القانونية لتنفيذ أوامر الضبط والإحضار التى أمرت بها النيابة العامة.
ولو صح ما نشر عن أن أحد المتهمين ليس عضوًا بالنقابة، وأنه لم يكن من حقه الاعتصام بها، بالإضافة إلى ما ثبت عليه من تدوينات على شبكة «فيسبوك» يحرض فيها على قتل أفراد الشرطة، فإننا نكون فى الواقع أمام موقف بالغ الخطورة.
ولذلك لا بد لجهات الدولة المسئولة أن تكشف بوضوح شديد عن التهم الموجهة للمتهمين حتى يعرف الرأى العام أننا أمام حالة من الانفلات، خصوصا فى «السوشيال ميديا»، والتى أصبحت للأسف الشديد ليست وسيلة للتواصل الاجتماعى الصحى بقدر ما تحولت إلى مناخ فوضوى زاخر بالشائعات على حساب الحقائق الثابتة، بالإضافة إلى اختلاط النقد السياسى المشروع بالتحريض المباشر على الدولة وعلى الأمن.
مطلوب من كل الأفراد ممارسة النقد الذاتى، والاتفاق على قواعد أخلاقية للتواصل الاجتماعى.