الفرعون.. جرى العرف والعادة والإصطلاح فى العصور الحديثة على إطلاق لقب فرعون على الحاكم فى مصر القديمة، وذلك جريا على العادة فى إطلاق الألقاب على ملوك العالم القديم، فعلى سبيل المثال يطلق على كل من ملك الفرس بكسرى، رغم أن من تسمى بذلك هو ملك من ملوكهم، ثم جرت العادة بعد ذلك على تسمية كل ملك فارسى بكسرى، كما تسمى ملوك الروم بقيصر، وملوك الحبشة بالنجاشى، وهكذا وجريا على العادة فإن الناس فى العصور الحديثة اصطلحوا على تلقيب ملوك مصر القدماء بـالفراعنة، وكان الحاكم فى مصر القديمة الموحدة يلبس تاج القطرين «تاج أحمر رمز الشمال وتاج أبيض رمز الجنوب متحدين فى تاج واحد دلالة على حكم القطرين وتسلطه عليهما»، أى أنه يحكم مصر العليا ومصر السفلى، والخلاصة أن كلمة فرعون ربما قد أصبحت تستخدم استخداما شائعا فى العصور الحديثة كلقب للحاكم فى مصر القديمة لأسباب ترجع إلى الميول العقائدية ومحاولات التفسير التوراتية من زاوية واحدة، على أن التحقيق اللغوى للفظ يظل بعيدا كل البعد عن حقيقة تلقب الحكام المصريين بهذا اللقب.
يعتقد علماء المصريات الغربيون أن لقب «برعو» فى اللغة النوبية القديمة تعنى « المنزل الكبير» أو «البيت الكبير» أو ما يعنى «الباب العالى»، وذلك نسبة إلى تركيب «بر - عا»، الذى ظهر فى عهد الأسرة الثامنة عشرة والأسرة التاسعة عشرة، وبالرغم من هذا فلا نجد دليلا فى خرطوش واحد من الخراطيش الملكية التى تحمل أسماء الملوك يشير إلى ذلك اللقب «بر - عا»، ويظهر من ذلك محاولة هؤلاء العلماء الغربيين للتوفيق بين الآثار والتاريخ وبين ما ورد فى التوراة، حيث أشارت التوراة فى سفرى التكوين والخروج لملوك مصر بلقب «فرعون»، غير أن التوراة لم تفرق فى ذلك اللقب بين الملوك الثلاثة الذين كانوا يحكمون مصر وقتها والذين عاصروا أنبياء الله: إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام على الترتيب، بل عممت التسمية والتلقب بهذا اللقب على كل من حكم مصر، وفى هذا نظر، حيث لم يظهر اللقب «كلقب ثانوى» للملوك إلا فى عهد الأسرة الثامنة عشرة كما ذكرنا، ومن ثم يصعب تصور أن يتلقب ملك مصر بهذا اللقب فى عهد إبراهيم، أى ما يسبق ظهور تركيب «بر - عا» بما يزيد على أربعة أو خمسة قرون كاملة، هذا إذا افترضنا بالطبع صحة الربط بين لفظ «فرعون» وبين «بر - عا».
غير أن لفظ «فرعون» له مصدر آخر غير التوراة ألا وهو القرآن، حيث يظهر اللفظ كاسم علم أكثر منه لقبا فى آيات القرآن، ويظهر ذلك جليا من آيات القرآن التى ورد فيها الاسم بعد أداة نداء، حيث ذُكرَ فى سورة «الأعراف»، الآية ١٠٤ «وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ»، ومن هنا يترجح القول بأن كلمة «فرعون» هى اسم علم أكثر منه لقبا قد تم تعميمه على ملوك مصر القديمة فأصبح لقبا لكل ملك حكم مصر.
يقول الكاتب الصحفى محمد محفوظ:
صناعة الفرعون.. اختراع مصرى بامتياز.. بمجرد أن يتولى الحاكم مقاليد الحكم يحوله المصريون إلى إله صغير.. تلتف حوله شلة من المنتفعين وكتائب من رجالهم يوهمونه أنه الحاكم ولا شريك له فى حكم البلاد.. من يصنع الفرعون؟ هل نصنعه نحن أم يصبح فرعونا لأنه يريد ذلك؟
وتؤكد الدكتورة ليلى عبدالمجيد عميد كلية الإعلام أن الشعب هو الذى يصنع الفرعون لأنه ببساطة بمجرد تولى حاكم جديد يكون بالنسبة لهم الملهم والقادر على زيادة دخلهم، وأنه لديه الفكر الخاص الذى يحولهم إلى حياة أفضل دون أن يكون لهم دخل، وهنا يتبرأ الشعب من مسئوليته ويلقيها بالكامل على الحاكم الجديد، بالإضافة إلى الإعلام الذى يحول الحاكم إلى فرعون ويمكن أن يكون الحاكم لديه صفات حميدة كالتواضع والبساطة ولكن الإعلام يحوله إلى فرعون لأنه ينظر إلى كل تحركاته وتصرفاته ويقوم بإلقاء الضوء عليها بصورة مبالغ فيها، ومع أن الإعلام كان لديه فرصة كبيرة خلال العام ونصف العام الماضى أن يغير من طبعه ومن طريقته فى التعامل مع المسئولين إلا أننا وجدنا الإعلام يعود ليعيش فى فلك الحاكم وتحركاته، وعلى الإعلام أن يتعامل مع الحاكم كما يتعامل معه فى أى دولة متقدمة فالحاكم لا نسمع عنه فى كل وسائل الإعلام كما يحدث فى مصر فخطب الحاكم تعاد كل يوم أكثر من مرة وهذا يعطى انطباعا أن الحاكم هو الملهم وهنا يمكن أن يتحول الحاكم مع مرور الوقت إلى فرعون، والإعلام دوره أن يغطى الأحداث ويكون رقيبا على أداء الحاكم وينقد ما يكون خطأ فى أدائه وليس دوره أن يبحث عن كل ما يقوم به الحاكم ليبرزه.
وأضافت: إن ما حدث مع مبارك من الإعلام جعله فرعونا وهو بدأ حكمه بقوله «الكفن ليس له جيوب» وانتهى الحال به فى السجن لأن الإعلام والشعب والحاشية السيئة أظهرت له الباطل على أنه حق.
حتى عِلْيَة القوم عندهم نفس النزعة، ولهذا من المراسم فى الكنيسة الكاثوليكية أن يقوم الأنبا فى يوم من الأيام بغسل قدم غلام من الكنيسة حتى يتم كسر هذه النزعة فى قلبه وعملها الشيخ الشعراوى عندما قام بدخول أحد الحمامات وقام بغسله حتى تنكسر هذه النزعة فى قلبه ويشعر أنه إنسان عادى ولا يتملكه غرور الجاه وانتفاخ الذات الذى يصيب معظم من يكون لهم مكانة فى المجتمع.
إن الوضع الحالى من الصعب صناعة فرعون فيه إلا إذا أراد هو ذلك، وأن تكون المقومات التى حوله تساعده على ذلك.. كله ده برة حكاية الصحفيين.