السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثقافة العنف والخطاب الإعلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الإعلام وقضايا العنف بالمجتمع» عنوان مؤتمر عقد مؤخرا فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة ضم العديد من الخبراء وأساتذة الإعلام والمهتمين بالشأن الإعلامى وقدمت إلى إحدى جلسات المؤتمر ورقة بحثية تتضمن رؤية تطبيقية لدور برامج «التوك الشو» فى تكريس ظاهرة العنف وتأثيرها بشكل أساسى على النشء، وفى تقديرى أن العنف إفراز طبيعى لحالة الفوضى التى يعيشها الإعلام وقد حذرت فى بداية تولى مسئولية قطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتليفزيون عام ٢٠١١ من خطورة عدم وجود نظام إعلامى قوى يساند السلطة السياسية ولا يستند إليها خاصة فى المرحلة الانتقالية التى كان المجلس العسكرى يتولى فيها زمام الأمور فى البلاد، لأن الإعلام القوى سيبقى مرآة للمجتمع، وبالتالى عندما يأتى أى نظام حكم فإنه سيتناغم معه ولا ينفصل عنه، وهذا ما ذكرته فى كتابى «اللحظات الحاسمة» الذى نشر عام ٢٠١٥، وتم بالفعل ما توقعته تعاقبت الحكومات وظل الإعلام ضعيفا وشهد المجتمع ظواهر سلبية منها تنامى ثقافة العنف التى كانت القاسم المشترك فى الأشكال البرامجية المعروفة باسم التوك شو أو العرض الكلامى أو الحوارى. ولا شك أن هناك علاقة تأثير متبادلة بين انتشار ثقافة العنف واستمرار موجات الإرهاب، حيث يتعرض المجتمع من آن لآخر لعمليات إرهابية وهذا يفرض نفسه على المعالجات الإعلامية، خاصة فى البرامج المسائية المنتشرة بالقنوات الفضائية، وأى حادث إرهابى يصبح قاسما مشتركا بين كل هذه البرامج لاسيما بالطبع فى التليفزيون الذى يعتمد الصورة وسيلة لنقل الحدث إلى المتلقى، ونظرا لأن التليفزيون يدخل كل بيت بدون استئذان ويخاطب كل الفئات العمرية من هنا الموضوعات والصور المتداولة المرتبطة بالعنف بشكل مكثف ومتكرر تعود المتلقى على مشاهدة صور القتل بدم بارد والذبح والقتلى بلا أى ضوابط حاكمة للعرض إعلاميا، بل تتبارى القنوات فى عرض ما لديها من لقطات صادمة معتقدة أنها ستحقق السبق على غيرها، وساهم فى تكريس مفاهيم العنف أن موضوعاته فيها قدر كبير من الإثارة وبالتالى تتعامل معها الوكالات الإعلانية خاصة بعد أن أصبحت تسيطر على المحتوى الإعلامى فى كثير من برامج «التوك شو».
ويبرز هذا التوجه فى إطار حالة من التسابق فى عرض الموضوعات الخارجة عن سياق تقاليد وقيم المجتمع لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة ممكنة، ومن هنا نطرح ثلاثة أسئلة من الضرورى أن تكون إجاباتها واضحة لفهم وتتبع الظاهرة محل النقاش.
هل الإعلام وحده المسئول عن تنامى ظاهرة العنف فى المجتمع؟
كيف يمكن للبرامج المختلفة تعديل وتقويم السلوك العنيف للمجتمع وبالتالى التصدى للمشكلة ومحاولة تقديم حلول لها؟
ما الضوابط المهنية التى تحكم أداء القائم بالرسالة الإعلامية.. وفى حالتنا هنا برامج التوك شو سواء كان مقدما للبرنامج أو معدا أو رئيسا لفريق من المحررين؟ إن الإعلام ليس وحده المسئول عن تنامى ظاهرة العنف المجتمعى لأنه ناقل لأحوال المجتمع وبدون الخوض فى التفاصيل، كل المؤسسات التى تتعامل مع بناء وعى الإنسان تساهم إما فى تكريس الظاهرة أو تجنبها والبعد عنها فضلا عن أن العالم أصبح قرية كونية صغيرة من خلال التطور الهائل فى وسائط الاتصال الجماهيرى، وبالتالى هناك سرعة لحظية فى انتشار الأخبار، وأصبح البث على الهواء سمة لتطور الإعلام الإخبارى وبالتالى لا تتدخل يد المونتاج فى تخفيف حدة الصورة، على كل حال يوجد العنف كظاهرة وثقافة سلبية فى أى مجتمع وعليه يجب على الإعلام التعاطى معه من منظور مختلف يبعد عن العرض المباشر ويقدم المعالجة الموضوعية لحل مشكلاته، وعلى وسائل الإعلام التعظيم من أهمية تفعيل القانون فى مواجهة السلوكيات الناجمة عنه، بعبارة أخرى لا نقدم السلوك العنيف باعتباره النموذج خاصة فى الخطاب الموجه للفئات العمرية ما دون الثلاثين عاما، ولا نكرر أو نركز فى برامج التوك شو يوميا على الصور العنيفة التى فى النهاية تصبح أمرا عاديا للمتلقى وبالطبع هذا يلقى عبئا على القائم بالرسالة الإعلامية فى اختيار الموضوع الذى ستتم مناقشته وفى اختيار الضيوف والتقارير الخارجية التى تقدم للموضوع، ويجب أن نتخير المتخصص للحديث عن هذا الموضوع أو ذاك من خلال دراسة سيرته الذاتية وألا تتم الاستعانة دون تدقيق بالفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة «يوتيوب»، أما العمل العشوائى فى إنتاج برامج التوك شو أو التركيز على ضيوف بعينهم أو موضوعات تسبب الإحباط وتفجر الطاقات السلبية والاعتماد على مصادر مجهولة أو غير موثوق فيها سيعقد المشكلة ويخرج المعالجة الإعلامية لقضايا العنف عن إطارها الموضوعى. ويتحقق ما يمكن تسميته بالانضباط السلوكى المهنى للبرامج من خلال وقف سيطرة الوكالات الإعلانية على المحتوى البرامجى مع وضع دليل للسياسة التحريرية لضبط الأداء ويجب أن تساعد مؤسسات الدولة الإعلام فى تجنب تكريس ثقافة العنف من خلال التعاون المجتمعى من أجل استعادة منظومة القيم والأخلاق الغائبة ومنها الرحمة والعدل والتضامن والتكافل وجميعها قيم مستمدة من تعاليم الأديان السماوية كما يجب أن تواصل الدولة تصديها بواسطة أجهزة إنفاذ القانون لجماعات العنف والإرهاب من أجل اجتثاثه والقضاء عليه. وعند مواجهة الظواهر السلبية ومنها ظاهرة العنف المجتمعى نرى أن تعديل الأداء الإعلامى ومنها برامج التوك شو وإن كنت أرى أنها أشكال أصبحت قديمة ويجب البحث عن فورمات برامجية جديدة يتطلب تفعيل الإجراءات العامة المنظمة للإعلام ومنها سرعة صدور التشريعات الإعلامية والصحفية وإنشاء نقابة للإعلاميين وإصدار ميثاق شرف إعلامى ملزم لكل الإعلاميين وتمكين المجتمع المدنى من ممارسة الرقابة على الإعلام الجمعى، وفى مصر تجربة وليدة وواعدة متمثلة فى المنتدى المصرى للإعلام الأمر الذى يقودنا إلى خلق نظام إعلامى جديد يقف على ركائز مهنية صلبة يُخرج الإعلام من حالة الفوضى الحالية.