الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تنظيم دولة توم وجيري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنتُ فى الصفِ الأول أستمعُ إلى المتحدثين فى افتتاحِ المؤتمر العلمى الثانى والعشرين بكليةِ الإعلام جامعة القاهرة صباح الثلاثاء الثالث من مايو، والمُعنون: «الإعلامُ وثقافةُ العُنف»، وقال المتحدثون كلامًا كثيرًا ومهمًا عن أسباب ودوافع الإرهاب والعنف الذى نواجهه سواء فى مصر أو المنطقة العربية برُمتها، بما فى ذلك السفير صلاح عبدالصادق رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إلا أننى اندهشتُ كما اندهشَ غيرى من الحاضرين ومن رُوَادِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعى من قوْلة سيادة السفير «إن توم وجيرى هما أحدُ أسبابِ الإرهابِ والتطرف»، وهو ما نالَ مساحةً من النشر فى الصحف المطبوعة والإلكترونية والمواقع الإخبارية المصرية ربما أكثر من مساحة النشر عن المؤتمر ذاته، ومن ثم انتقل الموضوع إلى الإعلام الدولى مثل «الواشنطن بوست» الأمريكية و«الديلى ميل» البريطانية وبعض الصحف الفرنسية، وهو ما استدعى رسامَ الكاريكاتير العالمى كارلوس لاتوف إلى أن يُعلقَ على هذه المقولة، بل ويرسم رسمًا كاريكاتيريًا يصور فيه السلطاتُ المصرية وهى تقبض على الإرهابييْن الخطيريْن توم وجيرى باعتبارهما تنظيمًا خطيرًا أدى إلى نشر التطرف والإرهاب فى مصر، وقد حسمت صحيفةُ «مترو» الصادرة عن شركة «مترو جولدن ماير» البريطانية المنتجة لمسلسل «توم وجيرى» الجدلَ الساخر الذى أعقب ما قاله رئيسُ هيئة الاستعلامات من أن المسلسل هو ما يُلقَى عليه باللائمة فى ظهور «تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام» المعروف إعلاميًا بـ«داعش» لأنه يحرض صراحةً على العنف والتطرف ويعلم الأطفال كيف يفجرون أنفسهم، حيث اتهم الشخصيتيْن الكرتونيتيْن بنشر العنف والإرهاب بقولها: «لكن فى اعتقادنا الشخصى أن مسلسل (توم وجيرى) الكرتونى مفيد للأطفال ولا داعى للقلق». الغريب فى الأمر أنَّ المسلسل الكرتونى «توم وجيرى» يتكون من ١٦١ حلقة، وتم إنتاجه فى عِقْدَيْ الأربعينيات والخمسينيات، ولكن فى شكلٍ كوميدى ظريفٍ وجميل، وتمتزجُ فيه كثيرٌ من الأضواءِ التأثيرية، والإثارة والمرح والتسلية، أبطالُه الفأرُ «جيرى» والقطُ «توم»، وقد حازَ على جائزةِ الأوسكار عام ١٩٨٤، ولم يكتشف أحدٌ آثارَه الإرهابية والعنيفة على المشاهدين من الأطفال الذين ظلوا يشاهدونه منذ عام ١٩٤٠ حتى الآن؛ أى طِوَالَ ما يناهز من ٧٦ عامًا كاملة. إن العُنفَ فى مسلسل «توم وجيرى» هو من نوعِ العُنفِ الذى يجلبُ الفكاهةَ ولا يكثفُ مشاعرَ السَخَطِ وعدمَ الرضا، وبالتالى لا يؤدى إلى العنفِ والتطرف، فهذا المسلسلُ الكرتونى مثله مثل حلقات «زينة: الأميرة المحاربة» Xina: The Warrior Princess و«هركليز» Hercules وغيرهما، والذى يوجدُ فيها عُنف، ولكن دونَ إراقةِ نقطةِ دمٍ واحدة، وهذا هو أخفُ نوع من أنواعِ العُنف أو لنقل إنه «عنفٌ غير ضار»، والذى يتناسبُ مع مشاهدةِ الأطفالِ والصِغارِ له، وفقًا لتصنيفاتِ بعضِ القنواتِ التليفزيونية ودورِ السينما. إن تحليلَ أسبابِ ودوافعِ الإرهابِ والتطرفِ فى المنطقةِ العربية والعالم أكثر عُمقًا من «توم وجيرى»، وتدخلُ فيها أسبابٌ سياسية واجتماعية واقتصادية وتشابكاتٌ دولية عديدة، دعت عديدًا من مراكزِ البحوثِ للعُكوفِ على الظاهرة ودراستِها، وقد عملَ خبراءُ «المركز العربى للبحوث والدراسات» التابع لمؤسسة «البوابة نيوز» على تحليلِ ظاهرةِ «داعش» مثلاً، وقمنا بتناولِ أبعادِها السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية والدولية، وأصدرَنا ذلك كله فى كتابٍ بعنوان: «داعش: دراساتٌ فى بنيةِ التنظيم» كتبَ مقدمتَه المفكرُ الكبير وعالمُ الاجتماعِ السياسى السيد يسين. ومن قبيلِ الطرافةِ وحسِ الفكاهة الذى يتمتعُ به المصريون، قد يتساءلُ البعضُ الذين يعرفونَ تاريخَ جماعةِ الإخوان الإرهابية: هل كان حسنُ البنا وجماعتُه يرتادونَ دورَ السينما فى الأربعينيات وأوائل الخمسينيات ليشاهدوا «توم وجيرى» فى سينما «مترو»، والذى كان يُعْرَضُ قبلَ الفيلم، ويخرجون مسرعين حتى دونَ مشاهدةِ الفيلم، حتى يشحذوا همتَهم ويتشربوا بالعنفِ الزائد لينفذوا عملياتِهم الإرهابية بقتلِ المستشارِ الخازندار والنقراشي؟!
هل دليلُ الإرهابى الحصيف يتمثلُ فى أسطواناتِ «دى فى دى» لحلقاتِ «توم وجيرى» التى يتعلمُ منها كيف يكونُ إرهابيًا على يدِ هذيْن المناضليْن من «مترو جولدن ماير»، باعتبارهما من الروادِ الأوائلِ للتنظيماتِ الإرهابيةِ العالمية التى ملأت الأرضَ عُنفًا وإرهابًا؟! هل ما نحنُ فيه الآن فى مِصْرَ بعد فضِ اعتصاميْ «رابعة» و«النهضة» هو من قبيلِ المطارداتِ بين «توم وجيرى»؛ أو بين الجيش والشرطة من جهة وعصابات الإخوان وأنصار بيت المقدس وداعش من جهةٍ أخرى؟!، وهل يتوجبُ على ضباطِ الشرطة أن يشاهدوا حلقاتِ «توم وجيرى»، ليتعلموا كيف يصطادون «فئران» الإخوان وداعش، الذين يضربون ضرباتِهم ثم سُرعانَ ما يلوذون بالفرارِ إلى الجحورِ التى خرجوا منها بعد ثورة ٢٥ يناير؟!
إن من يشاهد «توم وجيرى» بلا أى نقطةِ دماء، لا يمكن أن يقومَ بإسالةِ الدماء وجزِ رقابِ العربِ والمصريين وإطلاقِ الرصاص من البنادقِ الآلية فى سيناء وحلوان وليبيا والعراق وسوريا.
إن الأمرَ جِدُ خطير، ولا يحتمل إقحامَ «توم وجيرى» فيه، ورغم يقينى من هذا الأمر، وفى ظلِ عدمِ اليقين الذى طالَ كل شيء مؤخرًا، أخشى أن يُعْلِنَ «تنظيمُ دولةِ توم وجيرى» مسئوليَته عن مجزرةِ حلوان!