الحكاية الأولى (الرسام):
كانت الأمسية في بيت واحد من الصحبة.
كان أحدنا (الرسام).. مهموما حزينا للغاية.
قال له الأول:
ـ إنت إزاى كده
حساس إلى هذا المدى؟
وقال له الثاني:
ـ لماذا تعتصرك الأحزان.. إلى هذا المدى؟
بينما تمتم الرسام، قائلا لنفسه:
ـ تقريبًا.. تقريبًا أنت «لا شيء».
سرح أكثر، قائلا في نفسه:
ـ أنا مثل «بشرى عامر عبد الظاهر»، حينما قالت وهى تشعر بالبكاء: (أنا فىّ الكثير.... وقليلة الشكوى... لكن فعلا مليش مكان هنا... أنا كده معنديش كرامة).. مضيفة: (معلش يا مريم... بقيت ملطشة لكل القريبين..).. مستكملة: (غلطان يا مجدى... أنا إللى غلطانة وأستاهل أكتر من كده).
قال الثالث للرسام:
ـ تقريبا.. تقريبا أنت ملاكنا.. أنت أصفانا.. أكثرنا (ومهما يكبر) الذي لا يفقد أبدا براءة الطفولة والصبا.
قال لهم الرسام:
ـ أتذكر الآن عناوين للأستاذ فكر فيها مبكرا لسيرة ذاتية لم يكتبها: (في الخريف تتساقط أوراق الشجر).. و(كتابات على الماء).. وبالتداعى أتذكر الآن أيضا عنوان فيلم رومان بولانسكى المبكر: (سكين في الماء).
ثم استرسل الرسام أكثر: ـ تقريبا.. تقريبا أنا الآن خسرت على الأقل جولة كبرى. هكذا حاليا: عملى ودأبى وقلبى وفرشاتى.. وكل شيء. وطنى وثورتى وجهدى العام ومشروعات مهنتي/هوايتى.. حبى وولهى.. يا للنهايات. وبالتداعى أتذكر الآن أيضا خاتمة محفوظ في «زقاق المدق»: (أو ليس لكل شيء نهاية؟ بلى! إن لكل شيء نهاية).. كما أتذكر صيحة خيرى بشارة، ومرثيته بكل احترام واعتداد، لموسيقى ويسارى نبيل محب للبشر وللحياة وللخير، عند نهاية حياته في فيلم «أيس كريم في جليم»: (هي دى النهاية يا «زرياب»!؟.. أهم الناس إللى عشت يا «زرياب» من أجلهم.. لا أحد منهم يدرى بك الآن أو يلتفت!!). واستوقف أحدهم قوله: (حبى وولهى).. فرد الرسام منوها، برنة الأسى التي لا تفارق صوته الليلة، أنه يتذكر الآن قولته القديمة (من تراثه إذ يشب عن الطوق): ـ الحب هو اكتشاف نوارنية الآخرين. الحب هو اكتشاف أحد لنورانية أحد.لكن هل انتهى عصر هذا الاكتشاف؟
عصر الحب
لقد اكتشفت نورانية من أحببت.. لكن من بادل وتكامل بمثل هذا!؟.
الحكاية الثانية (الشاعرة):
حينما أراد أن يسعد صديقته (الشاعرة)، بالذهاب إلى مكان جميل.. بكت، لأنها تذكرت أنه قام بذلك منذ بضع سنوات، بأن اصطحبها إلى نفس المكان هي ووالدتها، فلأنها تفتقد الأم التي وافتها المنية منذ بضع سنوات أيضا، بل تفتقدها بشدة، بكت... أما هو فقد اندهش عندما أخبرته بسبب بكائها وما قد تذكرت، لأنه وجد نفسه قد نسى كليا تلك المرة السابقة.. فشعر بوضوح أنه على أبواب حالات النسيان، (لربما.. الزهايمر!؟).. فبكى هو الآخر.