نغمة خطيرة بدأ بعض المتآمرين على إخوانهم الصحفيين ترديدها في الأيام الأخيرة، تقوم على عزف سيمفونية "الصحفيين شياطين".. "الصحافة وراء كل مصيبة".. "الصحفيين مش على رأسهم ريشة".. المدهش في الأمر أن بعض المواطنين البسطاء، ولن أقول الشرفاء حتى لا يفهمني أحد خطأ، يرددون هذه الكلمات بتلقائية شديدة تذكرني بالمقولة الشهيرة للكوميديان الراحل "الدكتور شديد" وهو يقول: "وماله يا خويا".
حيث لجأ خلفاء "توفيق عكاشة" في الفضائيات إلى التأكيد على معنى واحد مفاده أن الصحفيين "رجس من عمل الشيطان فاجتنبوهم" .. و"من وجد منكم صحفيا فليشلحه" .. وبكل صراحة أنا أحمد الله ألف حمد وشكر، لأنهم اعترفوا ضمنيًّا وصراحة بأنهم لا ينتمون إلى بلاط صاحبة الجلالة، فهم حقًّا ليسوا صحفيين بل مجرد أبواق إعلامية لمن يدفع أكثر، وهذه مكانة تليق بهم.
فمن يتصور أن بإمكانه قلب الحقائق عبر ترديد الاتهامات الجزافية الباطلة فهو واهم، وكما تقول الحكمة المأثورة "إن استطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت فلن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت" ووقتها ستسقط الأقنعة عن شلة المنتفعين الذين لا يجيدون إلا الصيد في الماء العاكر و"عض الأيدي التي امتدت لهم".
فالأزمة يا سادة ليست بين الصحفيين والدولة، بل هي محاولة لصون الكرامة التي هي الضمانة الأولى لأداء الرسالة المقدسة للصحافة بمنتهى الأمانة والموضوعية والانحياز فقط لصالح الوطن والمواطنين، فلا أحد ينكر أن للصحفيين حقوقًا، كما أن عليهم واجبات.. فلو أهينت نقابتنا لن تقوم قائمة لأي صحفي أو صحيفة مهما كان حجم التربيطات العلوية أو السفلية.
وللإنصاف نقول إن لنا- مثل كثيرين غيرنا- بعض التحفظات على أداء المجلس الحالي لنقابة الصحفيين، لكننا أيضا يجب ألا نسمح لكائن من كان أن يشق وحدة الصف الصحفي، وكنا سباقين للمطالبة بالتجرد من أي عباءة أيديولوجية أو سياسية عند الدخول إلى نقابة الصحفيين.
فلطالما عانينا طوال الفترة الماضية من سيطرة بعض التيارات على النقابة، وقلنا إن النقيب لا يجب أن يكون "ملاكي" لكن في نفس الوقت وفي هذا الظرف التاريخي يجب التخلي عن التحزب، وخروج كيانات موازية تشق وحدة الصف الصحفي.. وهنا تظهر أهمية الحفاظ على وحدة الكيان.. فكلما كان الخلاف في بيت العائلة فإنه لا يفسد للود قضية.. لكن أن يتجرد عديمو الضمائر من الوصوليين والانتهازيين ويخرجوا للصيد في الماء العكر ليعطوا إيحاءات كاذبة بوجود انقسام داخل الأسرة الصحفية.. فهذا مبدأ مرفوض جملة وتفصيلًا.
وأعيد وأكرر رفضي البات والتام لتصوير الأزمة الحالية على أنها بين الصحفيين والدولة، فهذه فتنة لا يعلم مداها أحد، ولا يستفيد منها إلا الذين اعتادوا القفز على الأدوار، فالصحفيون دائما هم الداعم الأول للجيش والشرطة في خندق واحد، وثورة 3 يوليو لا تزال ماثلة أمام أعيننا، فكان كل الصحفيين الوطنيين خير ظهير لإسقاط نظام الإخوان الذي أراد أن يختطف مصر إلى هوة سحيقة، ويحولها إلى دولة المرشد.
ومن هنا وجب التحذير من الخطر الداهم الذي يتمثل في شيطنة الصحفيين، ومحاولة تصويرهم عبر بعض الأبواق الإعلامية على أنها سبب كل مصيبة، فالصحفيون مثلهم مثل غيرهم من الأطباء أو المهندسين أو حتى الضباط "فيهم الصالح وفيهم الطالح".
ولا يفوتني قبل أن أختم مقالي هذا أن أقدم التحية لموقف مجلس نقابة الصحفيين الذي قدم التعازي الواجبة لوزارة الداخلية في أرواح شهداء الشرطة في كمين حلوان الذين دفعوا دماءهم الطاهرة ثمنًا لحماية الوطن.. فهذا موقف يعكس عقيدة الصحفيين في إعلاء مصلحة البلد على أي أزمات أخرى.. وربنا يستر.