وبما أن المشهدين المصرى والعربى فى السنوات الخمس الأخيرة بقى كله عبث فى عبث.. يصبح من غير الطبيعى الآن أن نتناقش أو نكتب أو حتى نحلم.. -مجرد الحلم- بأى شىء غير العبث.. من الآخر لازم وانت داخل أى حوار مع أى حد.. لو لسه فيك نفس أو رغبة أو قدرة على ذلك.. تقرأ الفاتحة.. وبعدين قصيدة عم صلاح جاهين الشهيرة «باقرا وأقول فى سورة عبس».
الآن فقط أدرك أننا فى مرحلة الخلاط.. كل الناس فى الخلاط -كما قال لى رجل سبعينى حكيم- لكن إلى متى سيستمر هذا الخلاط فى الدوران.. لا أحد يعرف.. من سيدوس على زر الخلاط ليتوقف.. وتخرج أحشاؤه للفضاء العام، ليعرف كل منا موقعه الجديد ده لو خرج من الخلاط حى يعنى.. الله أعلم.
بهذه الروح العبثية الخالصة.. أطلب من زميلنا ونقيبنا يحيى قلاش.. نقيب الصحفيين المنتخب -واخد بالك من المنتخب دى- حتى هذه اللحظة.. أن يعلنها صريحة فى مؤتمر عام هو وجميع زملائه أعضاء المجلس.. أطلب منه أن يستقيل، وأن يدعو جمعية الصحفيين إلى انتخابات جديدة لا يدخلها أى صحفى عنده كرامة.. أو يسلمها بالضبة والمفتاح إلى شركة المقاولون العرب. وبالمرة.. يا ريت كلنا ناخد كارنيهات النقابة ونطلع بيها على سوق الإمام الشافعى.. ونتركها لدى أقرب بائع روبابيكيا، صحفيين إيه وبتاع إيه يا راجل.. هيه الشغلانة دى إيه لازمتها أصلا.
لم يعد للكتابة معنى.. ولا للصحافة أهمية.. ولا للمعرفة جدوى.. وهذا أمر جاد جدا.. إذا كنا من قبل نتندر بأولئك الطيبين الذين ذهبوا الى أحمد لطفى السيد ليسألوه -انت ديمقراطى- قالهم أيوه.. قاموا مسقطينه فى الانتخابات.. لأنهم وجدوا من غيرهم أنه ديمقراطى.. وأن الديمقراطية تعنى الكفر!!
ما حدث مع أديبنا الكبير فى الأربعينيات كان من قبيل النوادر.. لكنه يحدث الآن عمدا.. يحدث الآن فى عموم مصر.. لدرجة أن أقرباءنا من حملة الدكتوراه والماجستير بعضهم على قناعة كاملة بأن الصحفى الآن على رأسه ريشة.. وأن كل مشاكل مصر سوف يحلونها لو أن شوية «العيال الصيع» اللى بيتكلموا عن الكرامة دول خلصنا منهم.
بصراحة ومن غير لف ولا دوران.. إحنا السبب فى كل ما يجرى الآن.. إحنا السبب فى أن تصبح «أم ريكو» مطلبا شعبيا لتأديب الصحفيين بالشتم والسب، ورفع الصباع الأوسط فى وجه اللى كان اسمها صاحبة الجلالة.. إحنا اللى سمحنا أن يقال عن توفيق عكاشة إعلامى، وعلى كل الكائنات الكردوسية صحفيين.. إحنا اللى سكتنا عن فساد رجال أعمال يمولون الصحف والبرامج.. من نفس الأموال التى نهبوها من البنوك.. فمن الطبيعى أن يرى البعض أحمد موسى «بطلا شعبيا».
باختصار.. المعركة الدائرة الآن.. لا علاقة لها بوزارة الداخلية ولا ضباطها.. المعركة أساسها أنهم لا يريدون أى قضايا من دولة المعرفة، والصحافة فى الأصل معرفة ولا أى رأى. والصحافة بالاساس رأى المطلوب يا سادة أن تتحولوا «لنشرة أخبار» يكتبونها لكم.. غير كده انت عميل وخاين وابن ستين فى سبعين» فخدوها من قصيرها وبلاش دوشة.. يا تخشوا معركة تكسبوها وانتو عارفين إنها بالأساس كده يا تكفوا على الخبر ماجور وتريحوا نفسكم وتريحوهم.. أما الشعب المصرى الطيب العظيم الذى لم يعد له من متاعب سوى يحيى قلاش ومن والاه فإننى أبشره.. بأنه عقب رحيل قلاش ومن معه سواء فى هذه الأزمة أو بشكل طبيعى فى مارس المقبل.. ستكون كل مشاكل مصر قد انتهت وسيصل الدولار إلى أربعة جنيهات كما قال مسئولو الاقتصاد فى بلادنا.. والفرخة هتبقى فعلا بـ٧٥ قرش زى ما قال وزير التموين.
وكيلو الزيت هيبقى بربع جنيه بس.. والمدارس الخاصة مش هتغلى عليكم المصاريف بمزاجها.. لا خالص الوزير الشربينى هيعلقهم على سلالم النقابة.. والأتوبيسات المكيفة بالواى فاى هتملأ الشوارع. ومافيش ولا أمين هيتعرض لسواق ميكروباص وياخد منه إتاوة.. ومافيش ولا سواق ميكروباص هيشتم المواطنين اللى راكبين معاه ع الأستيكة.. والأستيكة اللى هيتمسح بيها كل أحزانكم مش هنستوردها من الصين.. مش هنستورد ولا خيط عمليات الجراحة.. ولا خيط الإبرة اللى أمهاتنا الطيبات بيخيطوا بيه الشرابات المقطوعة.
كل الشعب بلا استثناء هيقضى نص السنة فى شرم يعوم ويبلبط والنص الثانى فى الساحل الشمالى.. والحشيش مش هيضرب بالحنة.. والترامادول مش هينزل جدول.. سيكون كل شىء على ما يرام.. بمجرد أن يذهب قلاش إلى الجحيم أو إلى قريته فى المنوفية. وتتولى «أم ريكو» قيادة مرحلة صحفية جديدة.. بيضاء من غير سوء.. مثل صحف تلك الأيام الموعودة..!!