دائمًا ما تُظهر الأزمات العيوب المستورة، ومع تزايد ضغطها تظهر السوءات أمام العامة والكافة، ويصبح الانقسام والضعف والتفسخ هو العنوان العريض الذى يتصدر عناوين ومانشيتات الصحف، هكذا سارت أزمة نقابة الصحفيين كالعربة المتجهة بكل سرعة نحو المنحدر.. غاب صوت العقل.. وغاب الخوف على بيت كل الصحفيين.
قطعًا من حق أي صحفي أن يغضب لكرامة نقابته، وأن ينتصر لها، وأن تسود الصفحات الأولى حزنًا على حرية الصحافة، فبدون حرية لا وجود للصحافة، فالورق يتنفس الحرية، والقلم يتغذى على الحرية، وحرية الفكر والإبداع هما الأساس في صناعة الفكر والثقافة، الحرية هي الطريق لكشف الفساد والحفاظ على حق المجتمع، والحرية فى أساسها مسئولية، فمن حقنا النقد والمساءلة، بل وتعرية وفضح الفساد، وسوء استغلال السلطة لأننا نمثل حق المجتمع في المعرفة، لكن ذلك ليس شيكًا على بياض أو عقد إذعان، فالمجتمع له علينا حقوق، أن لا نفبرك أو ننقل شائعات أو نساعد من يحاولون حصاره أو نصبح أداة للضغط على الدولة في وقت حرج وحساس من عمر الوطن، وأن ندعم دولة القانون ونرسى قواعدها، وأن نكون طوال الوقت حريصين على أمن وأمان الناس لا مصدر لخوفهم وتخويفهم كما حدث في الأزمة الأخيرة.
وقع الزملاء في نفس الفخ، خرجوا للدفاع عن كرامة مبنى نقابتهم دون أن يتحققوا ويتأكدوا من حقيقة ما حدث، فمن الصعب الحسم أن هناك اقتحامًا حدث، فلدينا روايتان إحداهما تؤكد عملية الاقتحام وتَبَنَّى تلك الرؤية مجلس النقابة، ورواية أخرى أكدها موظف الأمن المكلف أن الضباط دخلوا واصطحبوا بدر والسقا دون اشتباك أو تعدٍ.
للأسف الشديد لم تتوقف الجماعة الصحفية أمام استغلال كيان النقابة في العمل السياسي، فعودة التظاهر على سلالم النقابة كان تصرفا غير موفق لا يراعي حاجة الدولة والمجتمع للاستقرار والهدوء بعد 6 سنوات عصيبة، ثم جريمة إيواء مطلوبين للعدالة حتى لو كان أحدهم عضوا في النقابة، لقد تحولت النقابة لصوت واحد رغم أنها نقابة تحترم التعدد وتقدس حرية الرأي والتعبير، واتضح ذلك أكثر في تظاهرة الأربعاء الماضي التي حولها المجلس لجمعية عمومية بالمخالفة لقانون النقابة ثم استغل المجلس حالة الشحن لدى الأعضاء وجدد الثقة في نفسه، وهدد المخالفين له بوضعهم في قوائم سوداء أو معاقبتهم نقابيا إذا لم يلتزموا بها، ثم الترويج إلى أن أجهزة الأمن تقف وراء الزملاء الذين قرروا تشكيل جبهة لتصحيح المسار وإنقاذ النقابة من تلك التصرفات التي تهدد الجماعة الصحفية.
وضع مجلس النقابة كل الصحفيين في صدام مع مؤسسات الدولة في قضية غير مهنية بالأساس، فهي ليست قضية نشر، وزجت بمؤسسة الرئاسة في صراع لا دخل لها به، ورفعت شعار إقالة وزير الداخلية، وقتلت أي محاولة للتفاوض معها، ثم شككوا في بيانات النيابة العامة، وأخيرا تسببوا في هلع كبير لدى فئات الشعب المصري التى هالها ما سمعته من هتافات كانت أبعد ما تكون عن احترام ووقار مهنة الصحافة، واستعاد الآمنون فى بيوتهم ذكريات الفوضى المؤلمة التي أعقبت 25 يناير.
بالتأكيد كان مشهد حصار النقابة، وتجمع عدد من المواطنين لإهانة الصحفيين أمام نقابتهم مؤلمًا، لكن الأكثر إيلاما كانت تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ووجود قناة "الجزيرة" و"الشرق"، ودخول الإخوان على خط الأزمة، ومحاولة استغلالها لإشعال الوضع، فتاريخ النقابة هو تاريخ العمل الوطني، ولا يمكن أن نقبل تحت أي ظرف من الظروف أن تتحول إلى مخلب قط للضغط الدولي على الدولة المصرية، أو أن يستغلها المتربصون إلى أن تكون بؤرة لإشعال النقابات، وتسخين الشارع على مؤسسات الدولة.
والحل ..
لا يوجد أمام مجلس نقابة الصحفيين سوى الاستماع إلى صوت العقل، والسعي لرأب الصدع، والتوقف عن تخوين المخالفين لقراراتهم، وأن يكون التفاوض سواء مع الدولة أو الجماعة الصحفية هو الأساس فيما هو قادم، وأن يستبعد من بين صفوفه من ثبت أنه يستغل الأزمة سياسيًّا لصالحه، وأن تؤكد النقابة احترامها للقانون والقائمين على تنفيذه، وأن تستمع لكل المبادرات القادمة من الجماعة الصحفية من أجل الخروج الآمن من المأزق الحالي، وفى حالة رفض الزملاء في مجلس النقابة- ولهم جميعًا كل الاحترام والتقدير- لكل تلك الخطوات، واستمر التصعيد على نفس الوتيرة فقد تصبح الاستقالة حلا أفضل من إجراءات سحب الثقة للحفاظ على وحدة النقابة، فلا يمكن القبول بمجلس نقابة لا يتم الاستجابة لقراراته، ويتصادم بعنف مع مؤسسات الدولة، فنحن لسنا حزبًا سياسيًّا ولا كيانًا يمكن ركوبه لإسقاط الدولة.
عاشت حرية الصحافة
عاشت وحدة الصحفيين