الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبد الرحيم علي يكتب: (9 ـ 10) قراءة جديدة فى ملفات الأمن القومى .. الجيل الجديد في الخليج وحدود رؤيتهم لمصر

الجيل الجديد في الخليج وحدود رؤيتهم لمصر

النائب عبدالرحيم
النائب عبدالرحيم علي وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أدخل بهذه الحلقة مساحة أعرف أن فيها الكثير من الألغام، لكن كما عودتكم، فإننا ندخل المناطق الخطرة، ونخرج منها سالمين، لأننا فى النهاية لا نسعى إلا لوجه هذا الوطن فقط، ولوجه الأمة العربية التى يعرف القائمون عليها أن استقرارهم لا يأتى إلا من استقرار مصر، واهتزاز الأرض من تحت أقدامهم يأتى عندما تهتز الأرض هنا فى مصر. 
«الجيل الجديد في الخليج».. قد يكون هذا عنوانا مغريا بعض الشيء، وقد يكون مثيرا لكثيرين، لكننى أدعو الجميع للتأمل، وإلى إعمال العقل لا الاعتقاد بأن هناك معلومات قد تلبى نهم الرغبة فى النميمة السياسية، فلم أكن يوما من هؤلاء الذين يكتبون لتسلية القراء، فأنا طوال عمرى البحثى والصحفى، كنت ومازلت جرس إنذار يشير إلى الخطر من بعيد، ويضع القضايا المهمة فى قائمة أولوياتى. 
من هم إذن الجيل الجديد فى الخليج خاصة الحكام الجدد؟ 
عندما نقول هذا التوصيف السياسى، ينصرف الذهن مباشرة إلى أحدثهم على الساحة السياسية الأمير الواعد محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى، ربما لأنه لعب خلال الشهور الماضية أدوارا كثيرة، جذبت إليه الانتباه ليس عربيا فقط، ولكن عالميا أيضا. 
ولم يكن غريبا أن تلتفت له جريدة الإندبندنت البريطانية وتصفه بأنه أخطر رجل فى العالم، فهو طبقا لما قالته لديه طموحات كبيرة ويضع أعداءه فى الداخل والخارج نصب عينيه، ويسعى لأن يكون القائد الأقوى فى الشرق الأوسط. 
تقرير الإندبندنت مهم وخطير، وقد يكون أهم ما جاء خاتمته، التى جاءت بهذا النص: إن محمد بن سلمان الذى يريد أن يظهر بصورة جده الملك عبد العزيز كمحارب سنى يوازن بين الخيارات المطروحة، ومن الممكن أن يفكر فى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وهى الفكرة التى وصفتها الصحيفة بالمخيفة. 
كاتب التقرير فاته أن يتوقف عند تصريح لمحمد بن سلمان نفسه، فبعد أن أعدمت المملكة العربية السعودية الشيخ نمر النمر الشيخ الشيعى الذى تجاوز فى حق رموز المملكة، وأشاع الفتنة فى البلاد وبين العباد، جرى الحديث حول احتمالية حرب بين السعودية وإيران، لكن محمد بن سلمان حسم الأمر. 
فى ٨ يناير ٢٠١٦، نقل موقع «العربية نت» تصريحات بن سلمان لمجلة «إيكونوميست» التى قال فيها «إن السعودية لن تسمح باندلاع حرب مباشرة مع إيران»، وحذر من أن ذلك سيكون كارثة كبرى، واعتبر أن قرار بلاده قطع العلاقات مع إيران جاء لتجنب التصعيد الحقيقى بين البلدين، بعد الاعتداء على مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية خلال المظاهرات التى خرجت من إيران احتجاجا على إعدام رجل الدين الشيعى نمر النمر. 
وعندما سأله مراسل «الإيكونوميست»: هل من الممكن أن تندلع حرب مباشرة بين البلدين؟ قال بحسم: «هذا أمر لا نتوقعه إطلاقا، ومن يدفع فى هذا الاتجاه ليس فى كامل قواه العقلية، لأن الحرب بين السعودية وإيران تعنى بداية كارثة كبرى فى المنطقة، وسوف تنعكس بقوة على بقية العالم، وبالتأكيد لن نسمح بحدوث ذلك». 
وإمعانا فى التأكيد على هذه المعانى مجتمعة، وعندما سأل المراسل بن سلمان عما إذا كانت إيران تعتبر السعودية هى عدوها الأكبر؟ قال: «لا نأمل ذلك». 
هل معنى ذلك أن الجيل الجديد من الحكام فى الخليج لا يرى فى إيران خطرا عليه، أقول: العكس هو الصحيح تماما، بل يمكننى أن أقول فى هذا السياق الكثير. 
فالعلاقات الخليجية الإيرانية أحد أهم التحديات فى منطقة الشرق الأوسط ورسم مستقبله، وعلى الرغم من وجود بعض أشكال العلاقات مع إيران، بحكم الدبلوماسية والجغرافيا، إلا أن ذلك لم يستطع أن يزيل حقيقة التوتر الدائم ومخاوف دول الخليج تجاه «الخطر» الإيرانى، ذلك التهديد النابع من خبرات تاريخية متعددة، وقائم على أسباب موضوعية قوية ومستمرة.
ويمكن القول إن مخاوف دول الخليج من إيران قائمة على اعتبارات أساسية، يتلخص أهمها فى:
أولاً: تناقض المشروع الإيرانى مع المشروع العربى
فمنذ قيام الثورة الإيرانية وهى تحاول تصديرها للدول العربية وتحديدًا دول الخليج من دول الجوار، وبالرغم من أن البعض يشكك فى حجم ما تبقى من الثورة الإيرانية حتى فى داخل إيران نفسها، إلا أن المشروع الإيرانى ما زال مطروحا بقوة. كما أن إيران تتحدث طوال الوقت عن نفوذها وحقوقها فى بعض مناطق الخليج، ومحاولة استبدال الهوية العربية للخليج العربى، وإطلاق اسم «الخليج الفارسى». فإيران لديها مشروع قائم على مرجعية تاريخية دينية متعارضة.
والطموح الإمبراطورى الإيرانى الذى يعبِّر عنه روحانى، ومن قبله نجاد، نحو إعادة بناء دولة الخلافة الإسلامية، وهو ما عبَّر عنه أكثر من قيادى إيرانى بشكل صريح بالقول إن من حق الفرس كما الأتراك كما العرب أن يتزعموا دولة الخلافة الإسلامية، وهذه المرحلة التاريخية حسب أقوالهم هى مرحلتهم.
ثانيًا: دور إيران فى مشروع الشرق الأوسط الجديد
يعتمد مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى تم طرحه لمستقبل المنطقة، على وجود إيران كطرح ممثل للقوى الشيعية فى المنطقة فى مقابل القوى السنية (وتحديدًا الخليج). ويتعاظم هذا الطرح فى ظل تدخل إيران فى شئون دول الخليج فيما يخص الشيعة وتغذية النعرة المذهبية فى البحرين والسعودية ودول الجوار والمصالح المباشرة للخليج فى العراق واليمن وسوريا. ويمكن إدراك ذلك فى ضوء تبنى إيران للخط الشيعى، والذى يتناقض مع ٨٥٪ من الوجود السنّى فى العالم العربى، مستفيدة من امتدادها على خط العراق، سوريا، لبنان، وعلى خط البحرين اليمن وحتى المنطقة الشرقية فى السعودية، وعلى خط الإمارات وغيرها.
وهذا الخط يؤيده الموقف الأمريكى الداعم لإيران بعد الاتفاق النووى الضاغط على حكومات الخليج.
ثالثًا: تعاظم المصالح المتضاربة خاصة بعد «الربيع العربى»
فتاريخ العلاقات بين الخليج وإيران يحفل بأزمات وخلافات عديدة، خاصة مع السعودية، وربما أهم الخلافات تتمثل فى أزمة الجزر الإماراتية التى احتلتها إيران الشاه عشية خروج القوات البريطانية من إمارات الخليج العربى عام ١٩٧١، وظلت ترفض جهود الإمارات لحلها بكل الطرائق السلمية، بل تتخذ إجراءات أحادية لتغيير الوضع القانونى والديموجرافى للجزر.
كما أن حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران أحدثت تصدعا وشرخا كبيرا فى العلاقات الخليجية الإيرانية، وزادت من تكريس العداء بشكل متسع.
كما أن أحد أهم ملامح التوتر يتمثل فى النشاط الاستخباراتى فى الخليج، إذ تفيد عدة تقارير استخباراتية بوجود خلايا إيرانية فى الدول الخليجية تنشط فى جمع المعلومات عن المنشآت الاقتصادية والعسكرية والبنية التحتية.
ونشير هنا إلى قضية التجسس التى تسببت فى الأزمة بين الكويت وإيران، حيث اكتشفت أجهزة الأمن الكويتية فى مايو ٢٠١٠ شبكة تجسس تابعة للحرس الثورى الإيرانى تستهدف البنية الأساسية فى هذا البلد.
تمتد نقاط التوتر والقلق فى العلاقات الخليجية - الإيرانية لتشمل أيضًا، دور إيران فى دعم التمرد الحوثى فى اليمن لأجل زعزعة الاستقرار على حدوده مع السعودية، وكذلك ترديدها الشعارات العنصرية كإصرارها على مسمى «الخليج الفارسى»، فضلًا عما يتردد بشأن دور إيرانى فى إغراق دول الخليج بالمخدرات (حيث أُحبط فى البحرين والمملكة العديد من محاولات التهريب القادمة من إيران).
كما تنامت الخلافات حول ملف العراق، نظرًا لتنامى الدور الإيرانى منذ ٢٠٠٣، فى تكريس حالة الفوضى الأمنية بهذا البلد من خلال دعمه بالمال والسلاح وبعض الميليشيات المسلحة، وهو أمر يقلق دول الخليج من المخططات الإيرانية الهادفة لتكريس الطائفية فى المنطقة، وهو ما يزعزع الوضع الأمنى فى هذه الدول. ومؤخرًا بدأت السعودية فى دعم القوى السنية كى لا يسيطر الحكم الشيعى برئاسة نورى المالكى مدعومًا من إيران. أما فى سوريا، فاعتبرت السعودية أن الفرصة التاريخية جاءت لإزاحة الرئيس بشار الأسد، رغم الدور الإيرانى القوى مع حزب الله اللبنانى فى صد التطلعات السعودية.
وأهم نقطة بالنسبة إلى السعودية هو لبنان، وهى تريد انسحاب حزب الله من سوريا، وهذا أمر غير وارد كليا، من هنا عرقلت السعودية تشكيل حكومة جديدة يكون فيها حزب الله قويًا وله حصة كبيرة مع ٨ آذار.
رابعًا: علاقات أكثر توترًا: إيران النووية
الطموح النووى الإيرانى وعدم الشفافية يشكلان هاجسًا مشتركًا لدول الخليج العربية وتهديدًا لأمنها، خاصة أن حصول طهران على السلاح النووى (فى حالة إذا ما كان برنامجها النووى ذا طابع عسكري) يؤدى لعدم استقرار هذه الدول، ويسبب سباق تسلح بين دول المنطقة، نظرًا لخطورة تحول إيران إلى دولة نووية تهيمن على محيطها الإقليمى.
إن النظرة العربية لدخول إيران النادى النووى تحمل اهتزازا للثقة بين الحكومات العربية والحكومة الإيرانية، خاصة دول الخليج التى اختبرت التوجهات الحقيقية للسياسة الإيرانية أكثر من مرة، ويتمثل «مُثَلَّث» مخاوف الخليج: النفط، الاقتصاد والنفوذ الإيرانى، عبر النقاط التالية:
(١) يتيح الاتفاق، وما يلازمه من انفراج لعزلة إيران عن الغرب سوقًا كبيرة للنفط والغاز الإيرانى: فرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران يُسهِم فى زيادة إيران لصادراتها من النفط، كذلك من المتوقع أن تنخفض أسعار النفط مع الأخذ فى الاعتبار أن إيران تتمتع بتراكم من مخزون النفط بسبب سنوات العقوبات السابقة عليها، وصل هذا التراكم إلى ٢٠ مليون برميل من البترول الخام. 
(٢) يتيح كذلك الاتفاق النووى لإيران صعودًا اقتصاديًا كبيرًا، وقد بدأت بشائره بالفعل، خاصة مع الحديث عن الإفراج عن مليارات الدولارات لحكومة طهران لدى أوروبا، كما أن النفط والغاز فقط هما أساس الصعود الاقتصادى الإيرانى (بخلاف معظم دول الخليج)، فهناك روافد أخرى للاقتصاد الإيرانى كالصناعات العسكرية. 
(٣) التخوُّف الأكبر هو تزايد النفوذ الإيرانى داخل دول الخليج نفسها، هذا النفوذ يؤثر على السعودية ومدى نفوذها وقوتها فى المنطقة، والحفاظ على مصالحها، وهو ما وقف خلفه العديد من التحليلات السياسية التى تقول إنَّ دول الخليج تخاف كثيرًا من ظهور «بحرين» أخرى داخل أراضيها. خصوصًا أنَّ التواجد الشيعى داخل دول الخليج قوى للغاية.
هذا الطرح البحثى والتأصيل السياسى لمخاوف دول الخليج، ومن بينها السعودية بالطبع من إيران، لكن ما علاقة حديث مطول عن الأمن القومى المصرى بهذه الجزئية تحديدا؟ وما علاقة الحديث عن عقدة حكام الخليج الجدد من مصر بتخوفاتهم من إيران؟ 
يبدو - وهذا يأتى على جناح التحليل أكثر منه معلومات - أن حكام الخليج الجدد رغم معرفتهم المؤكدة بالخطر الإيرانى، إلا أنهم يتعمدون تبريد الصراع قليلا، حتى يحسموا قضية مهمة جدا بالنسبة لهم، وهى قضية موضع مصر فى اللعبة السياسية الإقليمية تحديدا بعد ثورات الربيع العربى. 
فالواقع يقول إن أمامنا جيلًا جديدًا فى الخليج، من وجهة نظره أن مصر ليس من الضرورى أن تقود طول الوقت، الجيل القديم من حكام الخليج انتهى تمامًا، اختفى من الساحة، وهو جيل كان يعتبر قيادة مصر للمنطقة قدرًا محتومًا، يحتمه التاريخ والجغرافيا قبل أى شىء آخر، أما الجيل الجديد، فلديه رؤية تقوم على أن الوقت حان لكى يشارك الخليج فى القيادة، وفى مرحلة لاحقة تؤول القيادة لهم، لم لا وعنده «وفق وجهة نظره» كل مقومات القيادة، اقتصاد قوى وعلاقات دولية متينة ومتماسكة وفكر قيادى من الدرجة الأولى استقوه من خلال سنوات طويلة من الانفتاح على النظريات الغربية والأمريكية فى الحكم والسياسة، فجميعهم درسوا فى أفضل وأكبر الجامعات فى الخارج.
وهذا أمر لا يمكن أن نخضعه للتحليل السياسى، بل التحليل النفسى مهم جدًا فى هذه المساحة. 
فالجيل الجديد فى الخليج تعلم بالفعل فى الغرب، لديه ثقافة مختلفة، لديه طموحات كبيرة فى المنطقة، ولديه خطط واستراتيجيات فى الغالب تتعارض مع قيادة مصر للمنطقة. 
الشعور بالتفوق يتلبس الجيل الجديد من حكام الخليج وشبابهم أيضًا، لذا فهم يعتقدون أنه آن أوان القيادة، لأن مصر ليست قدرًا على رقابهم. 
لكن ولكبر حجم مصر ظهرت مشكلة أساسية لدى هذا الجيل، فإذا لم تتعامل مع مصر بواقعية، فسوف تقع أنت فى مشكلة، إذا اعترفت لها أنها كبيرة، فلا يجب أن تقول إنك القائد، وإذا تعاملت معها على أنها صغيرة فلن تتجاوب معك، وأعتقد أن زيارة ملك السعودية الأخيرة إلى مصر كان فيها حسم للمسألة، فلا يمكن أن يفرضوا وجهة نظرهم على مصر، ولا يمكن لمصر أن تفرض وجهة نظرها عليهم، كل فى فلك يسبحون، لكن الجميع يحترم محددات الأمن القومى العربى، على قاعدة عدم التدخل فى شئون الغير الداخلية، ثم تأتى المصالح بعد ذلك لتفرض إرادتها على الجميع.
ولهذا كانت مصلحة الجيل الجديد التى أدركها مع مرور الوقت، أنهم لا بد أن يضعوا مصر فى مكانها الصحيح، لا يرفعون أيديهم عن دعمها، لأنها إذا سقطت، فسوف يسقط الجميع.