قادتنى الظروف إلى موقع راقبت من خلاله واحدة من أداءات البيروقراطية المصرية الإجرامية، التى تعنى بقول واحد التمييز بين المواطنين، وإهدار مفهوم (المواطنة) على نحو كامل.
إذ فى مدينة الشروق وعلى مرمى حجر من بيت رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، ربضت أسابيع أراقب حجم النشاط الذى أبداه مجلس وجهاز المدينة التابعة لهيئة التجمعات العمرانية الجديدة بعد تعيين شريف إسماعيل فى منصبه لرصف الشوارع حول بيت المسئول الكبير، وتجميل المنطقة، ورعاية وقص حدائقها ومساحاتها الخضراء، وغرس مئات من النباتات الزهرية والملونة، وتبليط الأرصفة، فضلا عن انتشار قوات الأمن بحكم الضرورة والطبيعة حول المنطقة، وإشاعة جو من الاطمئنان فيها، لدرجة أن أحد جيران شريف إسماعيل علق ضاحكا على تلك الحالة بأن سكان المنطقة يكادون ينامون وأبواب بيوتهم مفتوحة من فرط شعورهم بالأمن جراء جيرتهم للسيد رئيس الحكومة.
وأنا هنا لا أتوجه بحديثى إلى جهاز مدينة الشروق، فهو والعاملون فيه ينفذون ما تعودوه، ويكرسون عبر المنطق الإدارى والمرافق الخدمية، تقاليد وأعرافا احترفتها البيروقراطية المصرية عبر آلاف السنين، ولكننى أتوجه بحديثى إلى السيد رئيس الوزراء.
فنحن ندرك جميعا أنه رئيس وزراء غير منتخب، وتم تعيينه بطريقة تشعره أن قوة سماوية هبطت به من السماء السابعة فوق رؤوسنا مباشرة، ولكن ذلك لا يحرره أو يعفيه من كل المسئولية أمامنا، فهو يشغل منصبا هو بحكم التعريف وظيفة تستهدف خدمة الناس وإدارة مرافق الدولة لصالحهم، لكن شريف إسماعيل لم يفعل ذلك فى مدينة الشروق، وترك جهاز المدينة يختصه دون غيره بالرعاية والصيانة والرصف والتشجير والتجميل والأمن.
ولا يستطيع شريف إسماعيل الادعاء بأن جهاز المدينة شمله وغمره واصطفاه واختصه بكل تلك المنظومة من الخدمات من وراء ظهره أو دون علمه، إذ أن الشروق مثل غيرها من المدن والمجتمعات الجديدة ليست مزدحمة، بحيث تتوه مثل تلك الممارسات وسط زحامها دون أن يدرى بها ذلك الساكن رفيع المقام، وإنما شعرت وشعر معى سكان المدينة بذلك، وشعر قطعا به رئيس الوزراء.
لم يكلف الأستاذ شريف إسماعيل نفسه بأن يمشى بقدميه الشريفتين، إلى شوارع وأحياء مدينة الشروق الأخرى ليرى لوحة مدينة الشروق تراجيدية مروعة للإهمال والتخريب وإهدار المال العام، وغياب أى مجهود فى مربع «النظافة والتجميل»، ومن ثم اكتفى رئيس الوزراء بتنظيف وتجميل وتأمين منزله وما يقع فى محيطه أو جواره، وترك رعاياه ومواطنيه الذين يقطنون باقى المدينة يرزحون تحت إهمال عمدى عن قصد فى كافة المرافق، وربما يكون ذلك مقبولا وقت أن كان شريف إسماعيل وزيرا للبترول، أما وهو رئيس للوزراء فذلك أمر لا يجوز ولا يصح، وينبغى أن توجد جهة تحاسبه عليه.
ينبغى أن يرفع ذلك الرجل كفيه من فوق عينيه ويرى شوارع الشروق المليئة بالحفر والمطبات وأرصفتها مبعثرة الطوارات وبحيرات المياه المختلفة عن انكسار ماسورة هنا أو هناك، وأكوام الزبالة ومخلفات المبانى التى لا يرفعها أحد، وطبعا هناك حجتان تقليديتان يمكن أن يرفعهما شريف إسماعيل فى وجوهنا فى ذلك السياق، أولاهما أنه مسئول عن مصر كلها وليس الشروق، وأن أولوياته هى رعاية المناطق الفقيرة والبسطاء، ومثل ذلك الكلام الذى نعف عن وصفه، إذ إننا نعلم ورئيس الوزراء يعلم أن المناطق الفقيرة تعانى نقص الخدمات وخراب المرافق، وأن الجيش يقوم أينعم بمحاولات إنقاذ ولكن ذلك لا يتعلق برئيس الوزراء.
أما الحجة الثانية فهى أن حالة النظافة والتجميل والتشجير مزرية على ذلك النحو لأن المبانى فى أجزاء كثيرة من المدينة ما زالت «تحت الإنشاء».. وهذه كذلك حجة فارغة لأن هناك ألف طريقة لضمان عدم إلقاء مخلفات المبانى فى الشوارع، أو للرصف الدورى للشوارع طيلة فترة البناء، وذلك بدلا من التخريب المثير للريبة والشكوك الذى يراه سكان تلك المدينة حين يتم رصف شارع وتجميله، وبعد أقل من ٢٤ ساعة يبدأ الحفر وتكتسح اللوادر كل ما تم إنجازه فى أسلوب متكرر ينبغى فحص علاقته بإهدار المال العام.
رئيس الوزراء ينبغى أن يدرك طبيعة مسئوليته التى أصبحت الآن تشمل مصر كلها، وليس بيته فحسب.
فمصر ليست ضيعة مملوكة يخصخص فيها رجال الإدارة كل مواردها العامة وفلوس وضرائب مواطنيها لخدمة أنفسهم، ويتركون باقى الناس يمضغون همهم الثقيل.
أنا أدعو المواطنين من زملائى فى الوطن إلى تنظيم رحلات جماعية إلى مدينة الشروق للفرجة على الدليل المادى والعملى على الطريقة التى ينظر بها شريف إسماعيل للناس، أو ذلك التمييز المروع الذى يسود نظرته للناس، فقد ظن الرجل أن اختباءه فى الغرف المغلقة سيمنع المواطنين من تبين فكره وطريقته ومنهجه، ولكن ما حدث فى «الشروق» أصبح دليلا كاشفا فاضحا.