نظرة سريعة على الأوضاع المأساوية للدول العربية من حولنا سنكتشف على الفور حجم الأهوال التى تحيط بشعوب العالم العربى.. فبداية من ليبيا والعراق ومرورًا باليمن وانتهاءً بسوريا أرض الجحيم يرزح ملايين الأطفال والنساء تحت نار الحروب الأهلية والاقتتال الداخلى والنتيجة مقتل الآلاف، وبحور دم تغرق الشوارع، وقصف للمستشفيات، وانتشار أشلاء الأبرياء على النحو الذى شهدناه فى حلب.
كل هذا وغيره لم يحرك لضمير المجتمع الدولى ساكناً، حيث مارس هوايته المقيتة فى "غض البصر" عن ضحايا هذه الصراعات المجنونة، والتى تشيع الفزع فى نفوس الضعفاء فلا يجدون أمامهم سبيلاً سوى هجرة أوطانهم والتحول إلى "لاجئين" ليبدأوا فصلاً جديداً من المآسى، حيث يرتمون فى أحضان دول غنية لا ضمير لها، ولا هدف أمامها سوى الحصول على المنح الدولية التى من المفترض أنها فى مقابل استقبال هؤلاء المشردين، إلا أنها تغلق أمامهم جميع الأبواب سوى باب واحد هو "باب الموت"، حيث يضطر مئات الآلاف من العرب سنوياً لهجرة أوطانهم، خاصة القارة العجوز "إفريقيا" إلى دول أوروبا بحثًا عن الحياة وهرباً من جحيم القصف، ونظرًا لقربها من شواطئ البلاد، وصعوبة الحصول على الأوراق الرسمية، يلجأ البعض إلى تحقيق حلمه بطريقة "غير شرعية"، فيلقى نفسه فى "مراكب الموت".
وتتلخص أسباب الهجرة غير الشرعية فى عدة عوامل من بينها: الصراعات المسلحة كالتى نراها فى سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول التى تشهد صراعات مسلحة، إضافة إلى الصراعات العرقية كالتى نراها فى كثير من دول أفريقيا الوسطى وبورما وغيرها، إلا أن الأسباب الاقتصادية تتربع على رأس قائمة هذه الأسباب، وهى غير مقتصرة على دولة بعينها، وتكون بسبب البطالة والفقر وعدم توفر سبل العيش الكريم، وبالتالى الرغبة فى حياة إنسانية.
وتعتبر إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية مثل اليونان وألمانيا القبلة الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين الهاربين من فقر الأوطان إلى أحلام العيشة الكريمة، ويلجأ إليها الأشخاص بسبب القيود الكبيرة التى تفرضها هذه البلدان على منح تأشيرات عمل أو دخول لمواطنى تلك الدول، لا يستطيع أحد أن ينكر الفشل الذريع الذى واجهته معظم دول العالم فى مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وتقديم حلول شبه جذرية لهذه الظاهرة، ولكن هذا الفشل سببه هذه الدول نفسها، وأكبر مثال على ذلك دول أوروبا التى لا يوجد لديها نظام هجرة يقنن عملية اللجوء والهجرة، فدول أوروبا لا تتيح اللجوء إلا بطريقتين الطريقة الأولى عن طريق المفوضية التى لا تنجز الأمور بشكل كبير بسبب ضغوط الأعداد الكبيرة، والطريقة الثانية اللجوء من داخل أرض الدولة الأوروبية التى يرغب الشخص فى اللجوء إليها، فى حين أن دول أوروبا لا تتيح اللجوء عن طريق سفاراتها أو قنصلياتها كأنها تقول للأشخاص عليكم أن تتركوا الموت فى بلادكم، ثم تذهبوا إلى الموت مرة أخرى من خلال قوارب الموت فى غياهب البحر الشاسع قبل الوصول إلينا، ثم بعد ذلك ننظر هل نمنحكم حق اللجوء أم لا؟ فهل هذا منطق يتماشى مع الأخلاق أو حتى مبادئ الإنسانية التى طالما تشدقت بها الدول الأوروبية واتهمت الدول النامية بانعدامها؟
الواقع يشير إلى أننا عندما نتناول ملف أزمة الهجرة غير الشرعية فإننا نكون أمام مأساة حقيقية خطيرة بكل المقاييس خصوصاً فى ظل التجاهل التام الذى تواجه به مفوضية اللاجئين التى تتعامل مع تلك الكارثة الإنسانية على أنها مجرد أرقام فى سجل الضحايا، إن مبادئ الإنسانية شُرعت فى الأساس لحفظ حقوق الإنسان فى الحياة وليس توفير أسباب الموت، وهذا يتطلب من جميع المنظمات والهيئات الدولية التضافر ببذل قصارى جهدها لوضع حلول لهذه الأزمة عبر تقنين أوضاع اللاجئين وتوفير سبل آمنة عبر منح فرص حقيقية أمام تأشيرات الدخول والعمل بهذه الدول خصوصاً أنهم يعتبرون بمثابة وقود العمل والإنتاج فى كثير من هذه البلدان ويحصلون على أدنى الأجور والحقوق، فهل يتحرك المجتمع الدولى لوضع حد لهذه المآسى أم سيظل الموت مصير الباحثين عن السعادة؟!