- اتفاق بين الرياض وتل أبيب على تقليص دور موسكو في المنطقة والوقوف أمام تحول إيران لـ"دولة نووية"
-مصر حذرت المملكة من "المستنقع اليمني" والسعودية أبلغتها بـ"عاصفة الحزم" قبل الضربة الأولى بساعتين
-"الجبير" قال لي: لم نطلب مساندة القاهرة عسكريًا بل معنويًا
ظلت العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية تسير في مساحة الصمت المريب، حتى قبل أن يأتى الملك سلمان بن عبدالعزيز لزيارة القاهرة، والتي تم تأجيلها أكثر من مرة دون ذكر الأسباب.
كانت زيارة الملك سلمان للقاهرة مهمة من جوانب كثيرة، أهمها كان إذابة جبل الجليد الذي كاد يحجب الرؤية تمامًا بين البلدين، وبالنسبة لى أتيح من خلال لقاء مع وزير الخارجية السعودى عادل الجبير أن أستمع إلى وجهة النظر السعودية الرسمية فيما جرى، وفيما سوف يجرى أيضًا.
ولأننى في إطار توثيق من نوع مختلف، فإننى سأستعرض نقاط الخلاف التي وقفت طويلا في طريق العلاقة بين مصر والسعودية، ثم أسجل ما قاله وزير الخارجية السعودى.
وأعتقد أن البداية من طرف الخيط الذي ينتهى بإسرائيل مهمة جدًا في هذه المساحة.
لا يخفى على أحد أن إسرائيل منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربى، وهى تسعى إلى اقتناص فرصة لتزعم المنطقة، فقد رأت أن كل الأنظمة المحيطة بها تتحلل أمامها، دون أن تبذل في ذلك أي مجهود من أي نوع.
بدأت تل أبيب تلعب في مساحة التهديدات الإيرانية لدول الخليج، وراحت تقنع قادة بعض تلك الدول بأنها إذا أرادت أن تكون في مأمن، فلا بديل عن التعاون معها. وكان على رأس دول الخليج التي اقتنعت بوجهة نظر إسرائيل المملكة العربية السعودية.
وفى هذا السياق يمكن أن أرصد الآتى طبقًا لتقارير سياسية معلنة، فقد اتفقت السعودية وإسرائيل على ضرورة تقليص دور روسيا في سوريا والمنطقة، وقد أبلغ المسئولون السعوديون الإسرائيليين بأنهم جادون في منع تحول المنطقة إلى منطقة نفوذ روسى بأى حال من الأحوال، كما جرى التوافق بين البلدين على إيقاف تحول إيران إلى دولة نووية بالكامل، كما اختارت دوائر سعودية أن تتقرب من اللوبى القوى الموالى لإسرائيل في أمريكا، في محاولة لشراء دعمه ضد الخطر الإيرانى المشترك، الذي يهدد السعودية وإسرائيل معا.
التقارب الشديد بهذه الصورة كانت تقف خلفه مصالح البلدين إذن، ولذلك باءت محاولات واشنطن تصفية الأجواء بين المملكة وإيران بالفشل.
حاول الرئيس الأمريكى باراك أوباما نفسه، وعلى هامش تقديمه للعزاء في الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في نهاية يناير 2015 أن يقنع الملك سلمان بالتقارب مع إيران، ولم يكن هذا غريبا على الإطلاق، في ظل تقارب أمريكى إيرانى، لكن المملكة التي تعرف أطماع إيران جيدا، ولا يخفى عليها شىء مما تريده منها وبها، قررت أن تتجه إلى إسرائيل، فالتعاون مع إسرائيل هو الأقرب، خاصة أن دول الخليج كانت ترى أن ظروف مصر لا تسمح لها بتقديم الدعم المطلوب في أي عدوان تتعرض له من قبل طهران، فراحت تبحث عن بديل حتى وجدت ضالتها في تل أبيب.
وكان السؤال هو: هل ظروف مصر لم تكن تسمح لها بمد يد المساعدة فعلا؟
المعلومات التي جمعتها من مصادر مختلفة وأطراف عديدة كانت تقول الآتى:
هناك دوائر عديدة في المنطقة كانت تنظر إلى مصر، وبسبب الظروف التي مرت بها خلال السنوات الأخيرة، على أنها ضعيفة ومنكسرة، ووضعت هذه الدوائر في حسابها أن مصر عندما انشغلت بنفسها، طفت على السطح تطلعات إسرائيل في المنطقة، وبدا أن إيران تتحرك لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها في المنطقة بشكل كامل.
هذه التطلعات قابلتها تخوفات من قبل دول الخليج، وكان على رأسها المملكة العربية السعودية.
اعتقدت دول الخليج أنها بتقديم المساعدات إلى مصر، فإنها ستساعد على تحولها إلى شوكة جاهزة، لتستخدمها هذه الدول ضد خصومها في الوقت الذي تريده وتحدده، ولأن مصر تتلقى المساعدات، فقد اعتقدت بعض الدوائر في هذه الدول أن مصر لابد أن تكون تابعة، بينما هي التي تقود وتوجه وتضع الخطط، وينحصر الدور المصرى في التنفيذ فقط.
تجربة اليمن وخطأ التقدير
جاءت تجربة اليمن، لتؤكد خطأ تلك التقديرات، فقد حذرت مصر وبشكل واضح من التورط في المستنقع اليمنى، وقالت للمسئولين السعوديين إنه إذا أردتم أن تكون لديكم معلومات دقيقة عن المواجهة في اليمن فلابد أن تسألوا مصر؛ لأنها هي وإنجلترا، فقط، اللتان تدركان الواقع هناك جيدًا، فالدولتان لديهما تجربة عسكرية كبيرة في هذه المنطقة، لكن لم يسمع أحد، وبعدها تم إخبار مصر قبل ساعات قليلة من بداية الحرب في اليمن، باعتزام التحالف خوض الحرب. لم يكن معقولا أبدا أن تستعد مصر، فضلا عن أن تشارك في حرب لم تشارك في التخطيط لها، أو في المناقشات التي انتهت باتخاذ قرار خوضها، فضلا عن إخبارها قبيل نشوب الخرب بساعات معدودة.
فرفضت مصر المشاركة مكتفية بإعلان التأييد المعنوى، والمؤازرة من خلال حماية مضيق باب المندب بواسطة عدة زوارق حربية كانت متواجدة هناك.
ربما كان هذا التصرف من قبل مصر من أسباب تعزيز اتجاه السعودية نحو التعاون مع إسرائيل.
قلت لوزير الخارجية السعودى هذا الكلام بشكل صريح، عندما التقيت به على هامش زيارة الملك سلمان إلى القاهرة.
قلت نصًا: إن مصر بلد كبير جدا، ما في هذا شك، وعلاقاتها بالمملكة العربية السعودية علاقة مصير، لا يوجد عاقل على وجه الأرض يمكنه أن ينفى ذلك أو يتجاهله، ولذلك فإننى أعتبر أن زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في هذا التوقيت، مثل القنبلة النووية، التي فجرت كل الملفات، ومن شأنها بعد ذلك أن تسوى الأرض وتجعلها مناسبة للحياة والتفاهم الدائم.
وأضفت: أعرف أن خلافًا حدث حول «عاصفة الحزم»، فليس معقولا أن تتحدث مع القيادة المصرية قبلها بساعتين فقط وتطلب منها أن تدخل معك الحرب.
فقال نصًا: نحن لم نطلب من مصر فعليا أن تساندنا عسكريا في اليمن، طلبنا منها فقط أن تدعمنا معنويا، صحيح أننا تحدثنا مع القيادة المصرية قبل الضربة الأولى بساعتين، لكن من أجل الحصول على غطاء سياسي، وهو ما جرى، فقد أيدتنا مصر معنويا، وقالت لنا إن لدينا عشر سفن في مضيق باب المندب، يمكن أن تقوم بمهمة التفتيش على السفن العابرة، وهو ما حدث بدقة.
ويعترف الجبير بأن مصر حذرت السعودية من المستنقع اليمنى، وقال: كانت لدى القيادة المصرية تخوفات أن يحدث لنا ما حدث للمصريين في حرب اليمن، لكننا كنا على ثقة بأن الظرف السياسي تغير تماما، وهو ما ظهر جليا على الأرض.
عدت لتوجيه الكلام للوزير السعودى، قلت له إن الأمر نفسه تكرر فيما يتعلق بعلاقة مصر بإيران.
دوائر عديدة في الخليج، وتحديدًا في السعودية، رددت أن مصر تتجه نحو إيران بقوة، وكان فيما قالوه مغالطات كبيرة.
أولا: لا توجد تصريحات رسمية تعبر عن حالة من التقارب أو الود بين مصر وإيران، بل على العكس تماما، هناك تحفظ واضح يكشف عن برود العلاقات بين البلدين.
ثانيا: لا توجد اتصالات سرية أو علنية من أي نوع بين مصر وإيران، بل يمكننى أن أقول إن هناك موقفا حادًا لدى الأجهزة الأمنية التي تعمل على حفظ الأمن القومى من طهران، فإيران لدى هذه الأجهزة لا تختلف عن إسرائيل في شىء، تمثل عدوا، بل إن خطورة إيران تزيد على خطورة إسرائيل، ولا يخفى على أحد أن هناك وحدات في الأجهزة الأمنية المصرية مهمتها الأساسية هي مواجهة التحركات الإيرانية والمد الشيعى في المنطقة ومصر.
في المقابل نجد علاقات واضحة بين السعودية وإيران، وكان مفاجئا للبعض أن هناك سفارة كبيرة للمملكة في طهران، احترقت بعد أن أقدمت السعودية على إعدام الشيخ الشيعى نمر النمر، بينما لم يكن لمصر منذ عام 1979 أي تمثيل دبلوماسى يذكر في طهران، وكان مفاجئا أن مسئولين سعوديين كبارا صرحوا وبوضوح بأنهم لا يمكن أن يدخلوا حربا مع إيران لأن هذا في النهاية ليس إلا انتحارا واضحا.
بعد ذلك يستحل البعض اتهام مصر بأنها تتقارب مع إيران على حساب الخليج.
كان السؤال الملح بالنسبة لى هو: إذا كانت السعودية ترى أن مصر تتقارب مع إيران ردا على أن المملكة تتباعد عنها وتذهب إلى إسرائيل طلبا لأمنها وأمانها، فلماذا لا تقطع السعودية على مصر خط التواصل هذا، وتعيد مصر إليها، بالتباعد عن إسرائيل، هذا إذا اعترفنا أساسا أن شيئا من هذا حدث.
فمصر تعيش ظرفا سياسيا واقتصاديا حرجا، ورفع الدعم عنها يمكن أن يجعلها تلجأ إلى أي قوة في المنطقة، لأنها تريد أن تحافظ أيضا على أمنها القومى، وتريد أن تعزز مصالحها، فأين أنت من كل ذلك؟
للمرة الثانية وضعت هذا الكلام وبشكل واضح جدا أمام وزير الخارجية السعودى، الذي قال وبوضوح إنه لا يمكن أن يحدث تقارب بين السعودية وإسرائيل أو إيران أو حتى تركيا على حساب مصر، وهذا فصل الخطاب، تلك قناعتنا وهذه استراتيجيتنا المبنية على فهمنا لمصالحنا، وليس العواطف أو الروابط القومية فقط.
الملف السوري
أصل إلى الخلاف بين مصر والسعودية حول الملف السوري. قلت لوزير الخارجية السعودى: ما الذي حدث في سوريا على وجه التحديد؟ أعرف أنه كان هناك خلاف، الدولة المصرية لديها موقف واضح وخاص بعدم التضحية بالدولة السورية، وليس متعلقا أبدًا بمصير أو مستقبل بشار الأسد، فلماذا تحول الخلاف في وجهات النظر إلى صدام؟
رد الوزير قائلا: موقفنا في سوريا واضح جدًا لا يحتمل لبسًا ولا تأويلا، وموقف مصر واضح ويرتكن إلى مباحثات جنيف "١" و"٢" وقرار مجلس الأمن، وكلها تطالب بدستور جديد وقيادة جديدة، وهو نفس ما نقوله.. الخلاف حول الفترة الانتقالية، هل يشارك بشار فيها؟.. إننا نقول بكل حسن ووضوح لا لبشار، لكننا مع وحدة الدولة السورية، وبالمناسبة لم يكن لدينا اعتراض على حكم الأسرة العلوية، لكن المشكلة كانت ولم تزل مع بشار الذي قطع كل العلاقات مع الدول العربية، وارتمى بالكامل في أحضان إيران، لقد قتل أكثر من 400 ألف سورى، وشرد ما يقرب من 12 مليونًا، وهو ما لا يقبل به أحد. أضاف الجبير أن أوباما لا يؤمن بالحل العسكري في سوريا، وهو الذي منح بموقفه ذلك قبلة الحياة لبشار الأسد، والغريب أنه في الوقت الذي يقول فيه أوباما ذلك يقوم بدعم المعارضة السورية المسلحة استخباراتيا، وعليه كان مهمًا أن تتدخل السعودية في الأمر وبحسم.
كانت تركيا مصدرا من مصادر الخلاف بين مصر والسعودية، قلت عن ذلك مبينا وجهة نظرى: في الوقت الذي لدينا نحن في مصر مشكلة واضحة مع تركيا التي تسعى لقيادة المنطقة، وهو ما لا نرضى به أو نقبله، نرى تفاهمًا ما سعوديًا تركيًا، وشعرنا أن القرار السعودى يميل إلى التفاهم مع الأتراك، للدرجة التي يتردد فيها أن الإدارة السعودية تسعى للصلح ما بين مصر وتركيا؛ على اتساع ما فعلته مع مصر بعد 30 يونيو.
فرد الوزير: بداية لا يمكن أن تسمح السعودية لتركيا بقيادة العالم السنى، هذا ضد مصالحنا ومبادئنا لأننا بذلك نضرب شرعيتنا كمسلمين سنة عرب، كما أننا ندرك أن التعامل مع تركيا لا يمكن أن يأتى أبدا على حساب مصر، بل العكس، فالتعامل مع تركيا يحدث لحساب مصر، وهذا أمر مفروغ منه.
كل هذه الملفات في النهاية كانت ملفات قديمة، أحاطت بها الغيوم والشبهات، كان هناك دائما ما يشير إلى الخلاف حولها، لكن المسئولين الرسميين في البلدين، كانوا يتعاملون معها بحذر شديد، للدرجة التي كانت تجعلنا نحوم حولها دون أن نقتحم أصلها، لكن ما إن جاء الملك سلمان إلى القاهرة حتى تجلت كل هذه الملفات واتضحت المواقف، ولكن ظهرت قضية أخرى أعتقد أنها ستظل نقطة توتر لفترة قادمة ما لم تحل بتعقل وحكمة، لأن الشعب المصرى دخل فيها على الخط، وكان مهمًا أن أثير مع الوزير مسألة الجزيرتين، ولماذا كان هناك إصرار على أن توقع اتفاقية ترسيم الحدود أثناء زيارة الملك سلمان إلى القاهرة.
قبل أن يجيب الوزير عن هذا السؤال، اختار أن يوضح أهمية الزيارة التي اعتبرتها من ناحيتى تاريخية بكل المقاييس، قال: لقد جئنا إليكم بعد أن عرفنا أن البنك الدولى رفض دعم مصر، فأتينا بمشروعات نبغى من ورائها الرواج الاقتصادى لمصر، قدمنا استثمارات بما يساوى 30 مليار دولار، هذا غير وديعة في البنك المركزى، كما أن الجسر الكبير بين البلدين سيحدث نقلة حضارية، نسعى من خلاله إلى إقامة منطقة حرة في مقابل شرم الشيخ من الجهة الأخرى، كما سيسهل الجسر الحج البرى، ويكفى أن نقول: إن العالم كله سيأتى عندنا وعندكم.
ثم وصل بنا إلى مسألة الجزيرتين، قال بصراحة: معنا من المستندات ما يشير إلى أنهما سعوديتان، وقد نشرت الوثائق التي تشير إلى ذلك من بينها المراسلات بين وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل والدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصرى الأسبق، وقد كتب الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولى المرموق ورقة بحثية تؤكد حق السعودية فيهما، وقد استمرت المباحثات حتى جاء الرئيس السيسى، وقد أجلنا الإعلان عن تسلمهما، ليتم ذلك خلال زيارة الملك إلى مصر باعتبارها اتفاقية كبرى، وإننى أرد على من يستغلون الأمر وتحديدا من الإخوان الذين يصورون الأمر على أنه تنازل عن الأرض، بأن الأمر لا تنازل فيه على الإطلاق، فهى أرض سعودية عادت إلينا، وقد جاءت في إطار ترسيم الحدود، وأعتقد أن السعودية ستساعد مصر في ترسيم حدودها الجنوبية بما يحفظ حقوقها في حلايب وشلاتين.
لم أكذّب وزير الخارجية السعودى فيما قاله، فهو رجل مسئول عن كل كلمة قالها، وهو دبلوماسى لا يمكن أن يطلق كلمات دون أن يعنيها، لكننى ورغم اعترافى أن هناك تقدمًا كبيرًا في ملف العلاقات المصرية السعودية، فإننى لا يمكننى أن أقر أيضًا أن كل شىء على ما يرام، أغلب الظن أن هناك ما جرى في الغرف المغلقة، فالسياسة ليست على وجه واحد أبدا، فقد كان الجميع يسيرون في اتجاه، وفجأة تحول الاتجاه مرة أخرى.