ألقت الأحداث المؤسفة التي شهدتها نقابة
الصحفيين منذ يومين من اقتحام قوات الأمن واعتقال صحفيين من داخلها بظلالها
القاتمة على المشهد السياسي والإعلامي .. لكن المثير أن هذه الواقعة المشينة ساهمت
دون أن تدري في جمع صف الصحفيين الذين نبذوا كل خلافاتهم وتوحدوا على قلب رجل واحد
ضد هذا الانتهاك الصارخ .
وأراد الصحفيون خلال الساعات القليلة
الماضية توصيل عدة رسائل لعل أولاها أن الخلاف ليس مع الرئيس السيسي الذي طالما
عبر عن حرصه على فتح قنوات التواصل مع الصحفيين في أغلب لقاءاته .. بل نريده حكما
فيما حدث ونثق نحن معشر الصحفيين في أنه سينحاز للحق الذي لا تخطئ عين أنه معنا .
ومن هنا تلاقت إرادة الصحفيين على التوحد بعد ساعات قليلة، لنكون على موعد مع القدر، الذي أراد أن يختبر أصواتنا في «سيمفونية»، قد تكون الأروع في تاريخ نقابتنا الشامخة، لذا فالدعوة عامة للاصطفاف بجوارها صباح غد الأربعاء؛ لنعلن للجميع أن الصحافة مهنة الأحرار، ونوجه رسالة قوية ضد اقتحام قوات الأمن لبيت صاحبة الجلالة ليس دفاعا عن أشخاص بل عن مبدأ.
زملائي الأعزاء، لا أحتاج للقول إن حضور الجمعية العمومية الطارئة، أصبح «فرض عين»، على كل صحفي أيًا كانت توجهاته السياسية، فالهدف حماية كرامة مهنة، دأبت على حماية تاريخ أمة، صنعت الأمجاد، وكانت ولا تزال شريكًا في الدفاع عن المواطن والدولة المصرية الأصيلة.
أعرف تمامًا أن
اليأس لم يتسلل إلى داخل أي زميل، لكن لنعلم أن انتصارنا لن يكون إلا بأيدينا،
بتماسكنا ووحدتنا، واعلموا تمامًا أن المستقبل البعيد، ينظر إلينا عن كثب، يترقب
تصرفاتنا، يرصد مواقفنا، بل بدأ يسطر حروف الملحمة بعناية، ليرويها لأحفادنا
فكونوا مثال مشرف يفتخرون به، فكما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل: «تاريخ كل أمة خط
متصل، قد يصعد الخط أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع».
زميلي عضو الجمعية
العمومية، التاريخ يعلم جيدًا أن الأغبياء «أعضاء مجلس النقابة- ورجال الأمن» دفعونا لخوض معركة شعارها الكرامة، لا ندافع
عن أشخاص بل «كيان»، ناضل من أجله عظماء، لم ينكسروا يومًا رغم كل الضغوط، فنتذكر
دائمًا ذلك، ولا نضيع كفاحهم بخنوع أو خوف.
لم أدع يومًا
للمشاركة في أي فعالية للنقابة، فلم أثق يومًا في أي مجلس، ولا أنكر أني كنت أدعو
كل المقربين لمقاطعة كل الجمعيات العمومية، كرسالة احتجاج على الأداء الرديء،
لكننا أمام منعطف تاريخي، يُحتم علينا الاصطفاف لنُسطر للأمة يومًا مشهودًا.
رسالة إلى الشعب
أهالينا.. اعلموا
تمامًا أن الصحفيين يدافعون عنكم، فهم شركاء في نضال هذا الشعب، لن أحدثكم عن
مواقف النقابة مع كل فئات هذا المجتمع، وكيف فتحت أبوابها أمام أي صاحب مظلمة، مهما كان
توجهه، وكيف وقفت أمام الفساد والظلم، لكن دعوني أروي لكم، ماذا فعل حافظ محمود
أول عضو بنقابة الصحفيين؟
في أوائل الثلاثينات
من القرن الماضي، قاد حافظ محمود وأصدقاؤه، النضال ضد الاحتلال الإنجليزي، وجابوا
القرى والنجوع؛ من أجل بناء المصانع المصرية، في أقوى حملات المقاطعة الاقتصادية،
لا بهدف شخصي، بل دفاعًا عنكم، ولم ينته نضالهم عند ذلك، بل شنوا أكبر الحملات
الصحفية لاستنهاض همة المصريين التي استكانت بعد وفاة الزعيم سعد زغلول، فساعدوا في قيام ثورة الشباب عام 1935، وإلغاء دستور 1930، وإعادة دستور 1923،
وأجبرت بريطانيا على التفاوض مع مصر، وتوقيع معاهدة 1936 اللبنة الأولى لاستقلال
الدولة المصرية.
لم ينته نضال الصحفي،
صاحب العضوية الأولى عند هذا الحد، بل شارك بِساعديه في الجهاد المسلح ضد المحتل
البريطاني، إبان الحرب العالمية الثانية، لا لمجد شخصي، بل دفاعًا عن وطنه الذي
يبحث عن استقلاله، فقد آمن منذ البداية أن الاحتلال لن يرحل إلا بالمسارين السياسي
والعسكري في وقت واحد، وهو ما طبقه تلميذه النجيب أنور السادات، صاحب نصر أكتوبر
العظيم.
أهالينا.. هل تعلموا
كيف دافع وقاوم حافظ محمود، دفاعًا عن هذه النقابة؟؛ لكي تبقى حرة ومعبرة عن
الشعب، هل لكم أن تقرأوا عن مواقفه الصلبة أمام مراكز القوى في عهد الزعيم الراحل
جمال عبدالناصر؟، هل تعلموا أنه صاحب فكرة استخدام سلاح البترول لمواجهة التضييق
الغربي والأمريكي على مصر وسوريا بعد نكسة 67؟، والتي كانت من أسباب نصر أكتوبر
المجيد.
وفي الوقت الذي كان
الهجوم على العصر الناصري «موضة»، أبى أن يكون منافقًا أو مُتملقًا للعصر
الساداتي، بل دافع بكل قوة عن إنجازات «ناصر»، وعندما اختلف السادات مع الصحفيين،
وأراد الاقتصاص من «النقابة»، وقف شامخًا أمامه، يعدد له ماذا فعل الصحفيون من أجل
هذه الأمة؟.
أهالينا.. هل تتذكرون
عندما حمل نعشه البسطاء من مبنى النقابة حتى مسجد عمر مكرم، في مشهد تقْشعر له
الأبدان؟، فقد عاش لكم وبكم، مدافعًا عنكم ومناضلًا من أجلكم.
وأخيرًا، لسنا في
معركة شخصية نريد تحقيق مكاسب منها، أو خصومة مع نظام، نقف بجواره ليس من أجله،
وإنما من أجل رفعة هذا الوطن فقط، بل نحن في معركة من أجلكم، فلا تندفعوا ضدنا،
ولا تكرروا مشهد الاعتداء على المعتصمين مرة أخرى، فقط دعوا أبناء «حافظ محمود»،
يدافعون عن أنفسهم وعنكم، لتظل النقابة حصنًا منيعًا للحريات.