من الخيانة أن نصف الداعين للخروج على الدولة بحجة الجزيرتين بالمعارضين السياسيين وألا ننظر إليهم كجزء من المؤامرة على المنطقة.
الأعمى وحده من لا يلحظ نظرية المؤامرة فى أحدث تطبيقاتها على الواقع المصرى، واللافت أن من أمضوا معظم عمرهم يؤصلون لهذه النظرية كونها الحاكم للعلاقة بين المنطقة العربية والعالم الغربي؛ هم من يشككون اليوم فى وجودها أصلا ويسخرون من التحليلات السياسية التى تستخدمها فى قراءة تعقيدات المشهد المحلى والإقليمى ويصفونها بالغارقة فى وهم المؤامرة الكونية الجيوفيزيائية.
أرشيف الصحف خاصة اليسارية والناصرية ثرى بمقالات بعض هؤلاء المشككين الذين فسروا فشل تجربة عبد الناصر واحتلال العراق والممارسات الإسرائيلية بنظرية المؤامرة ورفضوا الحجج الأمريكية لاحتلال بغداد بدءًا من امتلاك صدام حسين أسلحة نووية مرورا باستبداد حكمه وصولًا إلى دعاوى مقرطة العراق كبداية لتقديم نموذج تنتقل عبره عدوى الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان إلى باقى دول منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أن نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يزال العنوان الرئيسى للمؤامرة على دول المنطقة وفى القلب منها مصر انقلب من صدعونا لعقود بنظرية المؤامرة على ما كانوا يعتقدونه، وينظرون اليوم إلى الضغوط الأوروبية والأمريكية عبر ملف حقوق الإنسان بوصفها ضغوطا حميدة بريئة منزهة عن الغرض السياسى.
ولأن هؤلاء من كبار الكتاب والمحللين وبعضهم ينعت بالمفكر الكبير لا يمكن المرور على مواقفهم الجديدة مرور الكرام، لاسيما أن بعضهم تورط فى مسلسل إلصاق تهمة مقتل الإيطالى جوليو ريجينى بأجهزة الدولة المصرية وراح ينقل ما تنشره الصحف الغربية من أكاذيب وشائعات يعتبرهم حقائق مسلمًا بها.
وبعضهم اتهم مؤسسات الدولة وفى مقدمتها القوات المسلحة ومؤسسة الرئاسة بالتنازل عن الأرض والعرض، بل إن منهم من كان شاهدا على واقعة تحريض جميلة إسماعيل وخالد على أثناء اجتماعهما مع الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند ولم يسجل اعتراضا أو تحفظا على الأقل فى مقال له أو على حسابه الشخصى بمواقع التواصل الاجتماعى.
أخشى أن يكون لبعضهم دور فى المؤامرة التى تتكشف تفاصيلها لحظة بلحظة لما لا؟! وقد حرضوا على الخروج ضد الدولة بحجة الجزيرتين «تيران وصنافير» وتحت دعوى الحق فى حرية التعبير عن الرأى. المؤكد أن الجزيرتين ليستا سوى شماعة تعلق عليها الأهداف الحقيقة وهى إدخال البلاد فى دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار من أجل إسقاط الدولة وهدم مؤسساتها وإلا فلماذا لم يتخذوا من جمال حمدان ومحمد حسنين هيكل وسامى شرف مراجع بشأن ملكية الجزيرتين للمملكة السعودية؟ وهى الأسماء التى طالما سبحوا بمصداقيتها وعلمها ودقة معلوماتها.
ومعظم الداعين إلى التظاهر لم يكفوا يوما عن الهتاف ضد الجيش والدولة وهم يعملون فى إطار منظومة متكاملة لم تبدأ بمؤامرة قتل الباحث الإيطالى ولن تنتهى بتقديم تقارير مزيفة عن وضع حقوق الإنسان فى مصر إلى المحافل الدولية وأغلبهم من المشبوهين بالتمويل الأجنبى والانتماء لتنظيمات معروفة بتحالفها مع جماعة الإخوان الإرهابية مثل الاشتراكيين الثوريين و٦ إبريل وما يدور فى فلكهم من أحزاب دينية ومدنية.
وحتى لا تكون هذه السطور مجرد جمل إنشائية لاحظوا كيف أخذ رموز هؤلاء المشبوهين، سواء من الإخوان أو النشطاء الثوريين من القوة المدنية، يرددون عبارات الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة التى دعا فيها المصريين إلى التوحد على قلب رجل واحد والالتفاف حول كلمة سواء إلى جانب نشر روابط وهمية لفيديوهات معنونة لتصريحات ملفقة لوزير الدفاع كل ذلك بهدف إعطاء انطباع أن ثمة شيئا من الانقسام أو التناقض بين المؤسستين العسكرية والرئاسية، وفى السياق ذاته تدخل الولايات المتحدة وألمانيا على الخط فى قضية ريجينى ومع هذا يخرج إعلاميون وصحفيون كبار يأكدون صدق النوايا الأوروبية فى استخدام ورقة حقوق الإنسان للضغط على مصر، ويروجون إلى أن بعض هذه الدول يريد مساعدة مصر وتقويتها بشرط تحسن موقفها فى هذا الملف؛ وكأن أوروبا تحولت فجأة إلى الراعى الأول لحقوق الإنسان متناسين جرائمها ضد الإنسان فى العراق وسوريا وليبيا ومن قبلها فلسطين عبر الدعم اللا نهائى للانتهاكات الإسرائيلية.