الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

الروائي حمدي الجزار في حواره لـ"البوابة": الكاتب بالعالم العربي يدفع لشراء وقت للكتابة!.. والانحراف هو تجريم الإبداع.. والجوائز أنشطة ثقافية مهمة للأدب

الروائي حمدى الجزار
الروائي حمدى الجزار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حمدى الجزار من الروائيين الذين صدرت أعمالهم الأولى فى بداية الألفية، وكانت روايته «سحر أسود» من أفضل الأعمال التى ظهرت لتخبرنا عن روائى متميز له لونه الذى يخصه، كما فازت بجائزة ساويرس فى أول دورة لها، وتُرجمت إلى الإنجليزية، ونُشرت منها فصول بالفرنسية، أصدر الجزار بعدها رواية «لذات سرية»، ثم «الحريم»، وهى من الروايات المتميزة التى لاقت الكثير من القبول لدى القراء والنقاد، يؤكد الجزار من خلال حواره معنا عدم وجود ما يمكن أن نُطلق عليه العمل الأخلاقي، أو العمل الروائى الذى يراعى أخلاقيات المجتمع، لأن الفن لا علاقة له سوى بالفن فقط، وما يمليه من قانون فنى على الفنان، كما يرى أن من يتهمون الكتّاب بالانحراف الخلقى لا يرون الحقيقية التى تؤكد أن انتهاك الدستور وسجن الكتّاب هو الانحراف الحقيقى الذى لا بد أن ننتبه له.
■ نلاحظ فى روايتك «سحر أسود» اتجاهًا جديدًا من ألوان السرد الروائى التى تحرص على الانكفاء على الذات بعيدًا عن القضايا الكبرى، هل فقدت هذه القضايا أهميتها لجيلنا الروائي؟
أشكرك على تقديرك لـ«سحر أسود» على هذا النحو، وأُثمّن وصفك لها «اتجاه جديد...» هذه قراءتك الخاصة، وفكرتك الجديرة بالاعتبار، لكن دعنى أحدثك عن كيف كتبتها وما سبقها، حين شرعت فى كتابتها قبل أكثر من اثنى عشرة عامًا، بالتأكيد لم أكن أؤسس لأى اتجاه جديد، له صفة الانكفاء على الذات بعيدًا عن القضايا الكبرى! كان الأمر أصعب كثيرًا، وأرق، وأرهف من هذا. بدأتُ نشر أولى قصصى وأنا فى العشرين، وكنت طالبًا فى قسم الفلسفة، وكنت أكتب وأخرج المسرحيات القصيرة، وكنت على وشك الانتهاء من دراستى للماجستير فى «علم الجمال» حين تفكرت لأقرر مصيري، توقفت لأختار بين البحث الأكاديمى وحياة الباحث فى الفلسفة وبين الكتابة الأدبية وحياة أخرى، فاخترت الأدب، واستلزم الأمر سنوات طويلة أخرى لأصل لروايتى الأولى «سحر أسود»، قبلها أتممت مخطوطين لروايتين لم أحب نشرهما أبدًا، لم أرد منذ البداية أن أنشر عملاً أخجل منه. 
«سحر أسود» هى إجابتى الأولى عن أسئلة فن كتابة الرواية الجوهرية: ما الرواية؟ كيف تكتب؟ ما جمالياتها؟ ما لغتها؟ عن ماذا تتكلم الروايات؟ هل أعرف كيف أكتبها؟ أين صوتى الخاص؟ ما الرواية التى تستطيع أن تحيا، وتنمو، وتبقى فى ذاكرة القراء، وذاكرة الفن؟ بقدر ما نقرأ من روايات، ومن أحاديث المبدعين نتلقى إجابات، لكن هذا لا يعلِّم، ولا يعنى شيئًا إن لم يجد الروائى إجاباته الذاتية، لا بد أن ينزل البحر، ويسبح بنفسه. 
فى رأيي، هذه هى القضايا الكبرى الراسخة فى روح كل فنان، وما فنه فى النهاية سوى إجابة عن هذه الأسئلة، ولعلك تشير بالقضايا الكبرى إلى انشغال العمل الأدبى بالقضايا السياسية وقضايا الأمة، والأيديولوجيا. هذا ما يظهر فى العمل الأدبى باسم «المضمون» وهو موجود دائمًا ليس بوصفه فكرًا بل بمعالجة تستخدم أدوات وتقنيات الفن. مثلاً، ما القضايا الكبرى الآن؟ إنها نفسها تلك القضايا القديمة المتجددة: الحرية، العدل، الكرامة، العشق، السعادة، الموت، وغيرها، وهذه القضايا ذاتها هى قاع كل نهر الأدب المصرى والعربى والإنسانى.
فى «سحر أسود» الحب قضية كبرى، «أدوات الميديا ودورها فى تشكيل الوعى المعاصر» قضية كبرى، «الصداقة» بين رجل ورجل، ورجل وامرأة قضية كبرى، «سحر أسود» هى رواية قضايا كبرى بالطبع! أعتقد أن معظم الكتاب الجدد فى مصر لم يخرجوا من معطف العمل السياسي، والانتماء الحزبى والتنظيمي، كما كان الحال فى فترة الستينيات مثلاً، وهذا قد يوحى بأن أعمالهم بلا قضايا كبرى، وهذا غير صحيح بالمرة، فلدينا الكثير مما نريد قوله عن حياتنا وبلدنا وإنسانيتنا.
■ معظم عناوين فصول روايتك «الحريم» بأسماء نساء، هل يعنى ذلك أنك كنت حريصًا على كتابة رواية تحتفى بالأنثى وتعلى من قدرها فى المقام الأول؟ 
بل كل عناوين الفصول بأسماء نساء عدا فصل واحد قصير جدًا، عنوانه رقم «١٤»، ومن أسماء الفصول: روحية، زبيدة، كريمة، بطة، لوزة، أرزاق، بدأت كتابة هذه الرواية من شكل بسيط بدا لى جميلا، رواية من فصول كل فصل يحمل اسم صبية، امرأة، تظهر فى فصول أخرى، ومن القصص الصغرى تتشكل الرواية كلها، لم يكن الأمر احتفاء بالأنثى فقط بل احتفاء بالحياة المتدفقة فى «طولون»، وبحالات المرأة الوجودية والنفسية والروحية، وبالبحث عن الحب الذى لا ينضب فى قلب الإنسان، مهما تعثر ووقع وتألم وقاسى. فى «الحريم» قصص عشق، والعشق هو نور الوجود الحيّ المتجدد فى كل زمن، ومكان. فى هذه الرواية أيضًا استفادة من جماليات القصة القصيرة فرضها الشكل الفنى الكلي، ولها صلة قوية بفن التصوير، والبورتريه خاصة. 
■ يرى البعض أن أعمالك متخمة بالمشاهد الإيروتيكية، ويتعاملون معها باعتبار أن هذا المنحى سيئ، كيف ترى هذه النظرة الأخلاقية للعمل الإبداعي؟
المشاهد التى قد يُعدّها البعض «إيروتيكية» فى أعمالى ليست منحى أو اتجاهًا أو نزعة ثابتة، أو بلا ضرورة فنية جوهرية، أنا أكتب رواية بريئة جدًا من هذه الغاية، وحين أكتب أكون حرًا تمًامًا فى التخيل والتشكيل، أكون صامتًا بعمق، منصتًا إلى العمل بين يدي، متوحدًا مع مزاجه وروحه وعالمه، وقد يحدث مرة أن أشير وأومئ إلى فعل الغرام، ألمح أحيانًا أو أصرح وفقًا للحاجة الفنية فحسب، أكتب ما لا يمكن تجنبه. والحقيقة فى تاريخ فنون القول إن «الإيروتيكية» مهمة فى العمل الفنى مثل أهميتها فى الحياة، ولا يمكن تجنبها، ببساطة لأن التجربة الحسية المبهجة هى أحد المداخل لما هو أبعد، باب ينفتح على فرح الوجود، والشعور بالسلام والصفاء، والوعى الشامل، والجمال الباطن فى كل حس.
أما النظرة الأخلاقية للفنون عامة، بمفهومها الشائع عندنا، فهى جهل بالفنون والآداب، وبأسس تلقيها وتذوقها، وتعنى رفض وحرق وقتل كل تراثنا الأدبى المصرى والعربى بل والإنساني، النظرة الأخلاقية ببساطة ستدين كل تراث مصر الأدبى من مصر القديمة حتى اليوم، وستصادر الحاضر والمستقبل لصالح خراب روحنا الشامل!
■ فى سياق النظرة الأخلاقية المحاكِمة لكل ما هو إبداعي، وسجن الروائى أحمد ناجي، كيف ترى تعامل وزير الثقافة مع قضايا المبدعين، لاسيما أنه قال فى حواره مع الأهرام: «لا أريد أن نبدو بالنسبة للمجتمع كمدافعين عن الانحراف الخلقى»؟
الانحراف الخلقى الحقيقى هو الاعتداء على دستور الدولة، وتجريم الإبداع وحبسه وسجن قدراتنا الإبداعية، وسجن الكتاب والشباب، والأطفال باسم حماية الأديان من الازدراء، وحماية الفضيلة، وحماية الوطنية، الانحراف الأخلاقى الفادح هو قذف الرعب والخوف فى نفوس المبدعين الذين يساهمون فى بناء وارتقاء هذه البلاد.
■ حصدت أعمالك العديد من الجوائز، هل تعنى الجوائز لك ككاتب شيئا، أو لونا من التقدير، أم أنها مجرد تقدير مادي؟
أرى إن العمل الجدير بأن نسعى إليه هو العمل الذى لا غرض منه، العمل التام فى ذاته دون حاجة إلى التطلع لنتيجة له، أو ربح من ورائه، ويبدو لى أن العمل الفنى هو العمل الإنسانى الأرقى الذى يمكن أن يمنح صاحبه كل شيء بوجوده فحسب، وفقط. أما الجوائز فهى أنشطة ثقافية مهمة للأدب، وللقارئ فى المقام الأول، وإن خلصت لوجه الفن فإنها لا تقول سوى شىء واحد: «هذا عمل جيد اقرأوه»، فتلفت الانتباه إلى عمل ما، أحيانًا تصيب الجوائز وأحيانًا تخطئ وفقا للمكان والزمان والظروف، لكنها مهمة للترويج للأدب وزيادة اهتمام الجمهور به.
فى عالمنا العربى الأدباء يدفعون لشراء الوقت للكتابة، لشراء الكتب، لغلق غرفهم عليهم ولا ينتظرون مالا، فالأدب ليس الوسيلة المثلى لتحصيل المال أو غيره، الفن يبهج ويسعد ويشبع وحده، بلا غاية خارجه. 
■ نلاحظ أن الأعمال الروائية الجادة تلاقى القليل من الإقبال، فى حين أن غيرها من الأعمال التى لا تحمل أى قيمة فنية تلاقى رواجًا أكبر، كيف ترى هذا الأمر كروائي؟
لا شيء جديدا فى هذا الأمر، فى مصر بالتحديد، ظاهريًا تبدو الأعمال التجارية المتواضعة التى تقوم على التسلية، والتقليدية، وسريعة الاستهلاك هى الأعمال التى يبدو لنا أنها تطفو على سطح الحياة الأدبية، لكن هذا زائف وخادع تمامًا، قد يبيع عمل متواضع ما أضعاف ما يبيعه عمل لنجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو إدوار الخراط مثلا، لكنه سيطويه النسيان فجأة كما حضر فجأة، ويبقى العمل النفيس مئات السنين، فوحدها الأعمال القيمة هى التى تبقى فى ذاكرة الفن، والتى تمتد حياتها وتتجدد، وستبقى هى الأعمال التى نقرأها ونثمنها ونستمتع بها.