الأحد 13 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

كمال زاخر في حواره لـ"البوابة": الأقباط لا يبالغون في حزنهم على آلام المسيح.. والتعبير الإنساني عن الأسبوع الأخير محدود لأنه يحمل معاني تتخطى البشرية.. والصليب عنوان المصالحة بين الله والإنسان

مؤسس التيار العلماني
مؤسس التيار العلماني القبطي، كمال زاخر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علينا أن نفصل بين تعاليم الكنيسة وبين ما يُنسب إلى كوادرها
يجب إعادة هيكلة منظومة التعليم اللاهوتى

هناك صورة رسمها البعض لكمال زاخر، مؤسس التيار العلمانى الإصلاحى، تعتبره عدوًا للكنيسة وطقوسها، وهى صورة يجدها البعض ظالمة وغير منصفة، ويقدم «زاخر» فى حواره مع «البوابة»، لمسات روحية راقية عن تجربته مع أسبوع الآلام.
■ ما ذكرياتك عن أسبوع الآلام فى صغرك؟
- طفولتى وصباى مرتبطان بـ«كنيسة سرجيوس»، هكذا كنا نعرف كنيسة مار جرجس بالقللى ربما لأنها شهدت معارك راعيها القمص مرقس سرجيوس الدينية والوطنية فى مرحلة المد الوطنى مع ثورة ١٩ وما بعدها، وتحوى الكنيسة حامل أيقونات متميزًا، رسم أيقوناته فنان إيطالى مبدع متأثرًا بمدرسة عصر النهضة، فى اهتمام بالتفاصيل حتى تخال إنك أمام لقطات تحمل نبضات صاحبها، ومن هنا جاء ارتباطى المبكر بصلوات أسبوع الآلام التى كانت بدورها توقيع أحداث أيام المسيح الأخيرة على الزمن عبر ألحان وصلوات وقراءات مرتبة فى تسلسل يحولها إلى سيناريو تعليمى لا ينمحي، وما بين الأيقونة والصلوات تشكل وجدانى حينها، ما زلت أتذكر كيف كانت الكنيسة تغير ستائرها إلى اللون الأسود، وتتحول ألحان صلواتها إلى نغم حزين وكأنها تستحضر الحدث وتتفاعل معه، وكيف كان الكاهن الطاعن فى السن «أبونا حنا» هكذا كنا نناديه، يوقف الصلوات ليشرح مغزاها ومناسبتها، وكيف كان «المعلم يعقوب» مرتل الكنيسة يحول الألحان إلى انفعالات صوتية تجعلنا مستغرقين معها.

■ وهل هناك تغير فى معايشة هذا الأسبوع مع الكبر؟
- بالضرورة كان النضج يكتمل بحكم المراحل العمرية، والانتقال من الانطباعية إلى الإدراك، أذكر أننى كنت فى يوم الجمعة العظيمة التى تعد أطول يوم صلاة فى الكنيسة فى السنة كلها إذ تمتد من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، وفيها تحدث مقابلة تفصيلية بين ما ورد فى التوراة والعهد القديم من الكتاب المقدس من نبوات عن المسيح وتدبير الفداء وبين ما وقع من أحداث فى حياته على الأرض حال تجسده، وبينهما تلاحقك الكنيسة بتفسير الحدث عبر أقوال وعظات آباء الكنيسة فى قرونها الأولى، يتخللها ألحان تحمل مضمون ما يقرأ وقتها، كنت فى هذا اليوم أصطحب معى كتاب شرح إنجيل يوحنا للأب متى المسكين، أدخل إلى هيكل الكنيسة أقرأ منفردًا وكأنى فى خلوة ما ورد فيه متعلقًا بأحداث اليوم على خلفية ألحان الكنيسة وما تخلقه من أجواء روحانية لا توصف، فكأنى قد انتقلت وجدانًا وعقلًا إلى جوار المسيح على درب الصليب. 

■ هل يبالغ الأقباط فى مظاهر الحزن فى أسبوع الآلام أكثر من الاهتمام بعيد القيامة؟
ـ ليس فى الأمر مبالغة، فالحزن شعور إنسانى شفيف، والطقس الكنسى يتفاعل مع احتياجات الإنسان، وهى لحظات يجد المرء فيها نفسه فى حالة بوح وانفعال تغسل نفسه وروحه، يختلط فيها ما هو نفسى بما هو روحى، ربما يخرج منها بمصالحة من نفسه ومع الله، ويتكلل الأسبوع بفرح القيامة فلا يبتلعه الحزن بل يتجدد عنده اليقين بأن كل ألم لابد أن ينتهى بفرح فينتصر لإنسانيته ورجائه. 

■ كيف ترى مناسبات هذا الأسبوع من أحد السعف لأحد القيامة؟ وما الواقعة التى تترك أثرًا فى نفسك؟
- كانت المعركة بين اليهود وبخاصة قياداتهم الدينية وسلفييهم المتشددين وبين المسيح تتصاعد، وكان دخول المسيح إلى أورشليم المدينة المقدسة نقطة تحول فى المواجهة، تشكلت مع الاستقبال الجماهيرى الحاشد من سكان وشعب المدينة للمسيح، وكانت نداءاتهم فى حشود المستقبلين تحمل إنذارًا ليس فقط للقيادات الدينية بل القيادات السياسية أيضًا «خلصنا يا ابن داود» «مبارك الآتى باسم الرب»، هو إذًا قد نودى به ملكًا ومخلصًا وهو المسيا المنتظر، تلتقط الكنيسة هذا الخيط وتنسج منه سيناريو الأحداث، وقد سبق هذا الأسبوع الذى تُوَقِّعَهُ الكنيسة على زمن أسبوع الآلام، سبقه «سبت لعازر» الذى ترصد فيه الكنيسة إقامة المسيح لصديقه لعازر الذى مات قبل أربعة أيام «وقد أنتن» بحسب تعبير مريم ومرثا أختى لعازر، وهى اللحظة التى عقد اليهود فيها العزم على التخلص من المسيح، وهو القرار الذى تدعم باستقبال المدينة للمسيح، وتتابع الأحداث لتفسح مكانًا للقاء المسيح مع الناس وتعليمه عن الملكوت والأبدية، وتشاور يهوذا لتسليم المسيح للقيادات الدينية اليهودية، ثم بلاغاتهم ضده للحكام المستعمرين «الرومان»، فالقبض عليه، وبين المؤامرة والتنفيذ، يجتمع المسيح مع تلاميذه ليقطع معهم عهدًا جديدًا فيما عرف بالعشاء الأخير، والذى صار عهدًا أبدياً، ثم ترصد الكنيسة وقوفه أمام المحققين مرة فى محاكمة دينية ثم أخرى فى محاكمة مدنية، وخلالهما تتكشف صفقات التآمر بين الدينى والمدنى لينتهى الأمر إلى الحكم بإدانته والقضاء بصلبه، ليصلب ويموت، ويدفن قبل غروب شمس الجمعة، بحسب الشريعة اليهودية التى تقضى بألا تبقى الأجساد معلقة مع دخول يوم السبت، فى هذه اللحظات تستحضر الكنيسة واقعة الدفن فتضع على المذبح صورة صغيرة للمسيح بعد إنزاله عن الصليب وتضع فوقها خليطًا من حنوط وأطياب وورود حمراء وتلفها فى قطعة من قماش كتان أبيض، تمامًا كما حدث قبلًا بعد موت المسيح، وتترك الصورة على المذبح وعند الرأس والقدمين تضع شمعدانين مضاءين إشارة إلى الملائكة التى شهدتها العذارى وقت ذهابهما للقبر بحسب عادات ذاك الزمان.

■ هل ترى أن أفلام آلام المسيح استطاعت أن تعبر فعلا عن حجم الآلام؟
- مهما كان التعبير الإنسانى عن آلام المسيح سيظل محدودًا فى ترجمتها، فهى متجاوزة ما ندركه عنها، لأنها تحمل معانى متخطية بعدها البشر، نحن أمام لحظة فارقة رهيبة، أمام إله تخلى طوعًا وحبًا عن عظمته من أجل الإنسان حتى إلى الموت، فكيف يمكن أن نترجم بمحدوديتنا عن هذه المعانى وهذا الحدث، لذا سيظل البحث الإبداعى يلهث وراءها وسيجد فيها أبعادًا متجددة دومًا. 

■ أمسك المسيح السوط وقلب موائد الصيارفة عندما دخل الهيكل.. هل فعلا الكنيسة لا تهتم بالاحتفال بهذه الواقعة لوجود إسقاط على رجال الدين ؟
- الكنيسة تفرد فى طقسها مساحة لهذه الواقعة ضمن صلوات الأسبوع، ولا تغفلها بل تنبه لها بقوة وتقرأ أحداثها وتفاصيلها كما وردت بالأناجيل، بل تلحقها بعظة إضافية للقديس اثناسيوس الرسولى أحد أبرز معلمى الكنيسة، والكنيسة كانت ومازالت تمسك السوط للخطية وتحذر رعيتها من السقوط فيها، فهى لا تشخصن تعليم المسيح، وعلينا أن نفصل بين تعليم الكنيسة وبين ما ينسب إلى كوادرها، وبين نقاء الكنيسة واختلالات البشر حتى لو كانوا فى صفوف المعلمين أو المتقدمين، ولا نقيس معطيات الكنيسة على إفرازات مراحل التراجع.

■ ما أكثر شخصية كتابية تتفاعل معها فى أسبوع الآلام ؟
- الشخصية المحورية فى كل سنة الكنيسة، هى شخصية «يسوع المسيح»، ولا يمكن أن تزاحمها شخصية كتابية أخرى، والتفاعل يكون فى محاولة سبر أغوار شخص المسيح عبر مزيد من القراءة فى خبرات الآباء والكنيسة، ومحاولة ترجمة هذا فى الحياة اليومية ونقله إلى أجيالنا المتعطشة لمن ينير لها الطريق.

■ كيف ترى صلوات «البصخة الطويلة» فى الكنيسة وهل تحتاج فعلا لتغيير؟ وكيف يتفاعل معها الشباب الآن؟
- فى معركة الحياة نحتاج لفترات توقف نلتقط فيها الأنفاس، ويحتاج المحارب لاستراحة، وحتى الآلة تحتاج للتوقف للتزود بالوقود وللصيانة، وصلوات أسبوع الآلام هى عطف على مفهوم التوقف والتزود والصيانة، لكن الأزمة الحقيقية فى استيعاب مضامين هذه الصلوات ومراميها وغايتها والتى اقتربنا من بعضها عبر الحوار، ولن تتفكك هذه الأزمة إلا من خلال إعادة هيكلة منظومة التعليم اللاهوتى والكنسى القبطى بجملته، وقد طرحت هذه القضية بقدر أوفر من التفصيل فى كتابى «قراءة فى واقعنا الكنسى»، وقد تعرضت منظومة التعليم الكنسى لتراجعات تعددت أسبابها بعضها تاريخية بسبب الانقطاعات المعرفية، لعل أبرزها ما تلا مجمع خلقيدونية فى القرن الخامس الميلادى بسبب الانتقال من اللغة اليونانية إلى القبطية لأسباب قومية على خلفية الصراع العقيدى، ثم الانتقال من اللغة القبطية إلى العربية فيما بين القرنين العاشر والثانى عشر بفعل تعسف الحكام وقتها، وعندما سعى الأقباط مع الدولة الحديثة إلى العودة للتواصل مع ما انقطع، مع إرهاصات القرن العشرين، كانت العودة تفتقر للمراجع العربية الدقيقة وشهدت فى بعضها استعاضة بالرؤى الشخصية عن العقيدة بحسب الآباء، وهذا يفسر طرفًا من الصراعات المعاصرة بين عديد من معلمى اليوم، لذا فتفاعل الشباب مرتبط بفهم واستيعاب عمق هذه الصلوات، وهو مرتهن بإعادة النظر فى منظومة التعليم الكنسي.

■ فى خميس العهد يغسل رجال الدين أقدام الشعب.. متى يتحول هذا الفعل من رمز للتواضع إلى العمل؟
- فى علوم الاقتصاد يُقال إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، وربما نجد شيئا من هذا فى المجال الروحى، حيث لا تلفت النماذج الجيدة نظر المتابعين وخاصة الإعلام، الذى لا يرى فيها ما يشد انتباهه ويحقق له انتشارًا، وعلى جانب آخر فمراجعة منظومة التعليم ستعيد الأمور إلى صحيحها، بحيث يعود الاهتمام الرعوى إلى موقعه ومساره، وربما يتطلب الأمر مراجعة منظومتى الرعاية والرهبنة لضبطهما على قواعدهما الكنسية والكتابية (الكتاب المقدس).

■ هل ترى أن يهوذا خائن ومذنب أم عامل مساعد فى إتمام الخلاص؟
- فى القياسات الإنسانية هو «خائن» لمعلمه الذى اختاره ضمن تلاميذه، أما فى القياسات اللاهوتية ضمن خطة الخلاص فهو رقم مهم فى تنفيذها، وهو أحد النماذج البشرية المعيشة عبر كل العصور، علينا أن ننتبه لها، وندرك معها أن الخطر الحقيقى فى سيطرة مشاعر اليأس على من يقع فى هذه التجربة إذ يغلق دونه أبواب مراحم الله.