لو كان هناك سجل عالمى يرصد أغرب القرارات الحكومية التي تصدرها الحكومات حول العالم لحصلت حكومة مصر المحروسة على المرتبة الأولى!
أقول قولى هذا بمناسبة القرار الغبى الذي سعى إلى إصداره بقوة وحماس رئيس جامعة أسوان، لكى يضم إلى الجامعة مركز «مجدى يعقوب» لجراحات القلب!.
هذا المركز الفريد الذي أقامه بتبرعات خاصة واحد من أعظم جراحى القلب عبر العصور المصرى النابغة ابن مصر العظيمة الدكتور «مجدى يعقوب»، والذي حصل على أوسمة عالمية وتكريمات لا حدود لها، ومع كل شهرته العالمية ذهب إلى أقصى حدود مصر في أسوان ليقيم مركزا يعالج أبناء مصر بالمجان.
ويجىء هذا الأستاذ الجامعى الذي أصبح رئيسا لجامعة أسوان، والذي لا يهمنى على وجه الإطلاق معرفة اسمه، يحارب لكى يلحق مركز «مجدى يعقوب» بالجامعة حتى ترتفع –كما قال لا فض فوه- مرتبة الجامعة في التقييمات العالمية!.
كيف أصف هذا السلوك البذيء؟، مؤسسة طبية ناجحة نجاحا فائقا يريد هذا الأستاذ الجامعى أن يخطفه خطفا ويضمه لجامعته، حيث يسود كباقى الجامعات المصرية الفساد الأكاديمى وانخفاض المستوى التعليمى للأساتذة والطلبة على حد سواء!.
لماذا لا تنشئ جامعته ما يريد من مؤسسات للبحث العلمى أو مستشفيات جامعية راقية لكى تخدم المجتمع المحلى؟
ولكنه لا يريد بذل الجهد ولا يريد أن يتعب نفسه، هو وزملاؤه، بل يريد «خطف» إحدى المؤسسات الطبية الناجحة حتى تفسد وتصبح مثلها مثل باقى المؤسسات الجامعية الفاسدة!.
إن أحوال الجامعات المصرية في حاجة إلى مراجعة شاملة وثورة عنيفة تقضى على فضائح الإعارات الجامعية للأساتذة إلى الخارج والتي لا مثيل لها في العالم!.
يخرج الأستاذ معارًا لمدة لا تزيد على عشرة أعوام –تأمل المدة- وبعد أن تنتهى يطلب إجازة أخرى لمرافقة زوجته، كما يقضى القانون الغبي!، وهكذا هذا المدرس الذي خرج معارا يعود بعد عشرين عاما ويطالب جامعته بأن يترقى إلى درجة أستاذ، بل قد يطلب أن يكون رئيس القسم الذي لا يعرف عنه شيئًا!.
وللعلم في الجامعة الأمريكية في القاهرة –على سبيل المثال- يجوز أن يطلب الأستاذ إجازة لإجراء بحث لمدة عام، وتقوم الجامعة بالتعيين المؤقت لأستاذ من خارج الجامعة حتى يقوم بإعطاء الدروس للطلبة التي كان مفروضا أن يعطيها الأستاذ الذي حصل على الإجازة.
أما أن يحصل عضو هيئة تدريس على إجازة للإعارة للخارج لمدة عشرة أو عشرين عاما من جامعته، فأعجوبة من الأعاجيب الجامعية ليست موجودة ولا في بلاد «واق الواق»!.
وقد قرأت خبرًا عجيبًا عن قرار أصدره المجلس الأعلى للجامعات فيما يتعلق بترقيات أعضاء هيئة التدريس، والتي شاعت فيها السرقات العلمية بشكل مفضوح. ومؤدى الخبر هو القرار بألا تزيد السرقات العلمية على ٢٥٪ من مجمل المادة العلمية في الورقة البحثية!. تأملوا بالله عليكم محاولات الفاشلين الأكاديميين في مجال تقنين السرقات العلمية، تماما كما حاول أحد رؤساء مجلس وزراء مصر، من السابقين رحمة الله عليه، «تقنين الرشوة» التي توزع حصيلتها يوميا بالعدل والقسطاس على الموظفين!.
ولو نظرنا لوزارة التعليم وما يدور فيها من قرارات متخبطة، تتعلق بتجديد المناهج وإزالة الحشو من المناهج، وأخيرا تخفيض المناهج، لأدركنا أننا في مجال التعليم، سواء قبل التعليم العالى أو بعده، في محنة كبرى.
وهذه المحنة تتمثل في غياب الرؤية النقدية للإصلاح الجذرى للتعليم. والمسألة في الواقع لا تتعلق -كما يتردد- بضعف مرتبات المدرسين ولا في الدروس الخصوصية التي انتشرت كالوباء وأدت إلى غياب التلاميذ عن الفصول وتوجههم منذ الصباح الباكر إلى مراكز الدروس الخصوصية، ولكن المشكلة تكمن في غياب الرؤية النقدية لسلبيات نظام التعليم، وعدم وجود النظرية المتكاملة التربوية التي تقوم أساسا على القضاء التام على ميراث «العقل الاتباعى» الذي يقوم على التلقين، والذي يجعل الطالب «يصمّ» المقرر ويحصل في الثانوية العامة على ٩٩٪ مع أنه لا يعرف كيف يفكر بشكل منطقى. فالمهم هو تأسيس «العقل النقدى» الذي يطرح كل شيء للمساءلة والنقاش من أول الدين إلى الاقتصاد.
وهكذا يتعود الطالب على الطريقة المثلى في وضع المشكلات، عملا بالقاعدة المشهورة من أن الوضع الصحيح للمشكلة هو نصف الطريق إلى حلها.
لم تظهر حتى الآن بوادر الثورة التعليمية التي نرنو إليها، وكذلك يتخرج كل عام عشرات الآلاف من الجامعيين الضعاف ضعفًا فاضحًا في اللغة العربية، والذين لا يعرفون كثيرا عن تخصصاتهم الدقيقة.
على رئيس جامعة أسوان وأمثاله أن يتفرغوا للنهوض بجامعاتهم بدلا من «التآمر» لخطف المؤسسات الخاصة الناجحة!.