تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تواجه مصر تحديات غير مسبوقة ذات تأثير مباشر على أمنها القومى سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو الأيديولوجى أو العسكري في ظل الانفتاح الإعلامي والتطور الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصال، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعى التي ساهمت بشكل مباشر في إحداث انقلاب في أسلوب التواصل السياسي والموروث الثقافى والاجتماعى والفكرى لدى الشعوب، حيث لعبت دورًا بارزًا في الحراك السياسي الدائر في منطقة الشرق الأوسط وساهمت في سقوط عديد من الأنظمة السياسية، وفى إذابة كثير من الفوارق الاجتماعية بين أوساط مستخدميها، وفتحت آفاقًا جديدة وأحدثت تغييرات عميقة في مختلف جوانب الحياة، وسمحت بالتواصل مع العالم الخارجى، وتبادل الآراء والأفكار ومعرفة ثقافات الشعوب وتقريب المسافات، كما ساعدت على التواصل الفعال بين المجتمعات، وفى التواصل مع صانعى القرار، وجعلت العالم يبدو وكأنه قرية إلكترونية صغيرة؛ لتجسيد مفهوم القرية الكونية الصغيرة التي بات بإمكانها معرفة حيثيات الأحداث وتأثيراتها؛ نتيجة للتداول السريع للمعلومات والحرية المطلقة، وتلاشى الحدود والفضاءات واختراق القوانين، وإزالة القيود، وإلغاء الحواجز بين الدول كل، فضلًا عن التطورات الهائلة التي شهدها المجتمع في ظل ظاهرتى العولمة والغزو الفكرى والثقافى للشعوب، الأمر الذي أصبح يمثل تهديدًا للأمن القومى للبلاد، ويشكل خطورة على سيادتها واستقرارها وسلامة أمنها السياسي والاقتصادى والعسكري والأيديولوجى والاجتماعى، وسياستها العليا وتعزيز استقلالها السياسي والانسجام الاجتماعي؛ نتيجة للحرية المطلقة التي تكفلها تلك المواقع، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها المخططات الإستراتيجية الإرهابية لنشر العنف والفوضى والإرهاب والأعمال الإجرامية، ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة، وزعزعة القناعات الفكرية والثوابت العقائدية والمقومات الأخلاقية والاجتماعية التي من شأنها إحداث بلبلة داخل المجتمع، ما جعلها تشكل خطرًا على الأمن القومى الخاص بكل بلد على حدة، ففى مصر -على سبيل المثال- وخاصة في الفترة التي تلت عزل مرسي عن الحكم إبان ثورة الثلاثين من يونيو، وظفت الجماعات الجهادية المتطرفة التي تتخذ من الإسلام ستارًا للاختباء وراءه، فضلًا عن بعض الأفراد من ذوى الأفكار الهدامة مواقع التواصل الاجتماعى في مواجهة الدولة المصرية؛ لزعزعة أمنها القومى انتقامًا من الثورة التي أطاحت بمرسي، من خلال شن الحملات المسيئة للنظام الحاكم ومؤسسات الدولة؛ تحقيقًا لتنفيذ مخططاتهم في عملية زعزعة الأمن وزرع الفتن في البلاد، وتدمير مرتكزات التنمية ونشر الفوضى والدماء ونشر الشائعات المغرضة؛ لتضليل الأجهزة الأمنية التي من شأنها تهديد أمن المجتمع واستقراره السياسي ونسيجه الاجتماعى وبث الرعب بين المواطنين وترويعهم لإظهار عدم أمن واستقرار البلاد، وتنسيق العمليات الإرهابية والهجمات العنيفة التي تشنها ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية، وإفشاء المعلومات العسكرية السرية، كما تستخدم في التجسس ودعم المسلحين في سيناء، من خلال النشر المكثف للصور وملفات الفيديو والوثائق التي تدعم الأفكار التي تروج لها، وتعطيل أنظمة قطاعات حكومية وحيوية. كما يُستخدم موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» في التنسيق للعمليات المسلحة وتوقيتها كما حدث في سيناء، واستهداف بعض مديريات الأمن في محافظات الجمهورية، واغتيال عديد من الشخصيات، وتجنيد إرهابيين جدد، والتنسيق لعملياتهم عن بعد، ونشر أخبار العمليات الإرهابية التي يقومون بتنفيذها، وبناء شبكات التواصل بين أعضاء ومناصرى تلك الجماعات، ما يسمح بإرسال رسائل خاصة لهم وكذلك تعرف بعضهم ببعض، ما يخلق مجتمعًا إرهابيًا افتراضيًا يستهدف ترويع المواطنين وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، كما تستخدم هذه التنظيمات الإرهابية موقع المشاهدة المجاني «يوتيوب» من أجل نشر هجماتهم الإرهابية ضد كمائن الجيش قبلما يتم اختراقها، ونشر الدعاية وتجنيد الشباب لصفوفهم، ونشر تهديداتهم قبل إتمام عملياتها كنوع من التنويه وإثارة الذعر بين المواطنين ومحاولة إرباك أجهزة الدولة ومؤسساتها.
كما تستخدم التنظيمات الإرهابية موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»؛ لضمان الاتصال الدًاخلى بين أعضائها وتنسيق وتنظيم الأفعال الإجرامية، ولنشر بياناتها تباعًا حول هجمات التنظيم على كمائن الجيش المصرى في سيناء، ولنشر الشائعات والترويج لأفكار تستهدف تقويض سلطة الدولة وسيادتها بهدف الإضرار بمصالحها الوطنية وسياستها العليا واستقرارها السياسي، ولشن حرب نفسية ضد قوات الجيش والشرطة والقضاة، باعتبارها من أسرع الوسائل التكنولوجية في توصيل الرسائل والمعلومات عن عملياتهم، ويعزز من قدراتهم التكتيكية، حيث يرون في التغطية الإعلامية لجرائمهم معيارًا مهمًا لقياس مدى نجاح عملياتهم على أرض الواقع. ومما سبق يمكن القول إن طبيعة الفضاء الافتراضى المفتوح وعدم وجود رقابة عليه، وسهولة الاستخدام، والقدرة على التخفّى والتمويه والتشبيك، وكذلك إمكانية التواصل مع قاعدة جماهيرية عريضة بسهولة ويسر هي التي ساعدت الجماعات المتطرفة على الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعى وتسخيرها لخدمة أفكارهم الهدامة، حيث ساعدتها في تحقيق عنصر التجنيد بشكل كبير وواسع، فضلًا عن سهولة الحصول على المعلومات والدخول على قواعد البيانات واختراق حسابات ومواقع حكومية، واستغلالها في خلق الإرهاب المعلوماتى، والتعبئة وتجنيد إرهابيين جدد، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية المصرية إلى مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي؛ للحفاظ على الأمن القومى المصرى، ما أثار موجة من الانتقادات الحادة للداخلية، ومن هنا سعت الباحثة الدكتورة أميرة محمد محمد سيد أحمد مدرس الصحافة بكلية الآداب جامعة دمياط من خلال هذه الدراسة المهمة إلى رصد اتجاهات النخبة نحو تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على الأمن القومى المصرى.
وفى المقال القادم نعرض بعضًا من النتائج المهمة لهذه الدراسة.