توقفنا في المقال الفائت
عند ذكر "طفل القرية: سيد قطب" لما أسماه: حدثًا اهتزت له القرية
اهتزازًا!، والحقيقة أن الأمر الذي زعم أنه اهتزت له القرية اهتزازًا! لم يكن سوى
تفاهة من تفاهاته المعتادة، ومبالغة سمجة من مبالغاته، فكان الحديث عن كون
3 من طلاب المدرسة التي
كان يدرس فيها، قد تخرجوا من المدرسة، ومن ثم سوف يلتحقون بمدرسة المعلمين،
ليتخرجوا منها وبعد 3 سنوات! ثم يعودون للتدريس في القرية، فلماذا تهتز القرية
لحدث كهذا؟! ولكنها الطبيعة المتطرفة لــ "سيد قطب" في كل شيء، والتي
تضخيم أشياءً هي من أبسط الأمور وأعظمها لتصنع منها حدثًا جللًا !
ولكن، وعلى كل حال فلنسمع
منه ما كتبه، لتتكشف لنا طبيعته المبالغة والمتطرفة منذ صغره، حيث يقول: وهؤلاء
ثلاثة! (لعله يقصد: الثلاثة) تمكنوا (أي الطلاب الثلاثة) في نهاية العام أن
يتقدموا لمدرسة المعلمين الأولية في البندر فقُبلوا.
يقول "طفل القرية:
سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي": كان هذا حدثًا جديدًا في القرية اهتزت له
اهتزازًا! إذ سيصير هؤلاء بعد 3 سنوات "أفنديات" كأفنديات المدرسة الذين
تخرجوا من تحت أيديهم!! (وهنا تلبسته الحالة الغريبة التي كانت تعتريه مرة بعد
الأخرى وظلت تعتريه حتى هلك من المبالغة الفجة والسمجة في الأمور وتضخيم ما لا
يستحق التضخيم بحال، فصنع من حادثة تافهة وهي أنه وبعد ثلاث سنوات كاملات سوف
يتخرج ثلاثة شبان من مدرسة المعلمين، فعمد هو بمبالغته إلى هذه الأمر التافه،
فجعله حدثًا ضخمًا وجللًا اهتزت له القرية كلها، وهذه المبالغة في الأمور هي طريقة
"سيد قطب" العامة في حياته وأموره كلها وكذلك في كتاباته ومؤلفاته والتي
اتسمت جميعها بالمبالغة الشديدة والتهور في كل شيء والتطرف الشديد في التعامل مع
ما يحب أو يكره، فمن أحبه رفعه إلى أعلى عليين ومن كرهه أنزله أسفل سافلين، وهذه
السمة لا يمكن لمن أراد أن يعرف "سيد قطب" تمام المعرفة أو أراد أن يدرس
حياته أن يغفل عنها أو تكون دراسته بمعزل عنها، وإلا اختلت دراسته كلها، ولم يفهم
ما كتبه "سيد" على موضعه وحقيقته.
يقول "طفل القرية ..
سيد قطب" مستطردًا: وكان هو (يقصد نفسه) يتمنى لو يغمض عينه ويفتحها فيرى
نفسه في مثل سنهم فتقبله مدرسة المعلمين، ولكن أين هو من هذه الأحلام ؟
هنا أيضًا ملحوظة هامة
تتعلق بطموحات وأحلام! "سيد قطب" والتي كانت هي العامل الرئيس والمحرك
الأساس في كل حياته، فقد كان "سيد" شخصًا حالمًا وطامحًا إلى العظمة والسلطة،
شغوفًا إلى أن يكون شيئًا كبيرًا في المجتمع، وكان يبحث عن هذا في كل مراحل حياته،
فكان حين وصل إلى مرحلة الإلحاد يبحث عن تحقيق أحلامه من خلاله، ثم لما التحق
بالأدباء والتصق بــ "العقاد" ونسب نفسه إليه، يسعى لأن يحقق أحلامه
بالتسلق على أكتاف "العقاد"، فلما لما يعطه "العقاد" ما يريد
ولفظه، تركه بل وانقلب عليه وهاجمه! ثم ناصر "ثوار يوليو" من أجل أن
يعين وزيرًا للمعارف، فلما لم يعطوه ما أراد انقلب عليهم وهاجمهم، بل وكفرهم، ثم
إنه ظن أنه قد وجد غايته وضالته في الإخوان المسلمين، خاصة أنهم كانوا في حالة ضعف
وتشتت وتفرق حين التحق بهم، وهو ما يمكنه من أن يصير زعيمًا بسهولة، إذ الساحة
خالية ! ولعل "سيدًا" لو امتد عمره قليلًا ولم يعدم، لعله كان انقلب على
الإخوان أنفسهم لأنهم لم يحققوا له مراده من الزعامة والرياسة والعظمة والمكانة!
كانت أحلام العظمة إذن هي المحرك الرئيس لحياة "سيد" والدافع الأساس له
في كل تحركاته وسكناته، وهو ما سنوضحه لك إن شاء الله –أيها القارئ المكرم- في
مواضعه ذِكرًا وتحقيقًا وتوضيحًا فادعوا الله لنا بالتوفيق والسداد والإعانة،
أكرمك الله .
ثم يقول: لقد كان
للأفنديات نوعًا من الشعور يشبه العبادة!! (و هنا لا تزال حالة المبالغة مستمرة
معه، بل وتزيد حالته سوءًا)، فهم (يقصد المدرسين أو الأفنديات كما كانوا يسمون)
جزء من المدرسة المقدسة! (مبالغة أخرى)، وهم ثانيًا، أولئك الذين يعلمون ما لا
يعلم ويدركون ما لا يدرك (وما الغريب في أن يعلم المدرس ما لا يعلمه تلميذه أو
يدرك ما لم يبلغ تلميذه إدراكه؟! ولكنها الطبيعة المبالغة في كل شيء!)، ويقدرون
على كل شيء (مبالغة جديدة وغريبة، فكيف يقدر بشر على كل شيء ؟!)، ولهم حياة خاصة
لا يدرك لها كُنهًا ( الكُنه: هو جوهر الشيء وحقيقته)، كحياة الأطياف !! وهنا
مبالغة شديدة أخرى، إذ الأطياف هي الأشباح، فهو وبسبب حبه للمدرسين، رفعهم فوق
البشر كعادته، وأعطاهم من القوة ما لا يملكه البشر بحال!!، ولو كرههم أو كره غيرهم،
لجعلهم أسوأ وأشر من شياطين الإنس والجن معًا!!
ثم يضيف: وإنه (يقصد
نفسه) ليذكر اليوم –بعد مضي أكثر من 25 عامًا- وبعد تقلب الظروف، والأحوال أنه
بُعث مرة إلى منزلهم الذي كانوا يسكنونه في البلدة، والذي تبرع به أحد ملاكها
لسكانهم اعترافًا بفضلهم وتكريمًا لهم .
يذكر أن أحدهم كان قد نسي
ساعته فانتدبه، وسلمه المفتاح ليأتي له به –إذ كان معروفًا بأمانته في المدرس- (وهنا
يعود إلى مدحه لنفسه وغروره وتشبعه بما لم يعط!) ويذكر أنه دخل الدار متهيبًا
متوجسًا، كأنما يدخل محرابًا مقدسًا!! أو دارًا مسحورة!! فانبهرت أنفاسه (لا أدري
والله كيف للأنفاس أن تنبهر!!) وهو يخطو، وهو يصعد الدرج، وهو يفتح باب الحجرة
المقدسة!! ( ولا أدري للمرة الثانية ما الذي قدس تلك الحجرة!) وهو يتناول الساعة
(و هنا والحمد لله لم يذكر أن الساعة هي الأخرى كانت مقدسة أو أن القداسة كانت قد
فاتتها! بساعة!) ويعود كأنه "الشاطر حسن" داخل الكنز المسحور!! (و هنا
عاودته النوبة التي كانت تنتابه بين الحين والآخر من الحالة المرضية التي كان
يعاني منها من المبالغة في كل شيء).
يقول طفل القرية سيد قطب:
كان يتمنى (يتحدث عن نفسه!) أن يلتحق بالمدرسة التي التحق بها هؤلاء (يقصد مدرسة
المعلمين)، ولكن السن كانت تحول بينه وبين ما يريد ولم يكن بد من أن يترك المدرسة
ليخلي مكانه لقادم جديد، ولكن كم كان شاقًا على نفسه أن يغادر وطنه (ربما تكون هذه
المرة الأولى والأخيرة التي يتكلم فيها "سيد قطب" عن الوطن والذي كفر به
فيما بعد بل إنه هو صاحب العبارة القذرة الشهيرة: "ما الوطن إلا حفنة من تراب
عفن"!!) هذا الصغير، وأن يبعد عن رفاقه ولداته (من هم في مثل عمره) الذين
يحبهم ويحبونه، وكم كان عزيزًا على المدرسين أن يفرطوا فيه! وهو حجتهم الأولى
(عاودته الحالة مرة أخرى!!) على نجاح المدرسة في تحفيظ القرآن !!
فما الذي حدث معه ومعهم؟
وهل عاد إلى المدرسة مرة أخرى أم تركها؟!
هذا ما سنعرفه في المقال
القادم إن شاء الله .
وفي المقال القادم للحديث بقية .. إن شاء ربُّ البرية .